تشكل الوثائق التي كشف عنها رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، نصر الحريري، في مؤتمر صحافي خاص، أمس الجمعة، دليلاً جديداً على تورط النظام السوري بتصفية ممنهجة للمدنيين في سورية، بعد اندلاع الثورة السورية في محاولة لوأدها ومعاقبة الخارجين ضد حكم نظام بشار الأسد.
ورغم أن الوثائق لم تشمل سوى ضحايا قضوا ضمن محافظة واحدة (حمص)، باعتبارهم جزءا قليلا من آلاف الضحايا الذين جرت تصفيتهم ودفنهم دون علم ذويهم في كافة أنحاء البلاد، إلا أن الرقم الذي توضحه الوثائق، حوالي 5000 ضحية، يعد صادماً ومروعاً، علماً أنه لا يشمل سوى ضحايا قضوا بين فترة ممتدة على مدار ثلاثة أعوام فقط، ومن الموثقين بوثائق تثبت تصفيتهم في مشفىً عسكري، ونقلهم إلى مقبرة جماعية، هي مقبرة "باب النصر" بحمص، والذي اتخذ الائتلاف منها اسماً للملف (فيكتوري).
وأوضح الحريري من خلال مستند توضيحي، تم توزيعه على الصحافيين بعد المؤتمر، أنه "خلف جدران (مشفى عبد القادر شقفة) العسكري الواقع في حي الوعر غرب مدينة حمص، وداخل أجنحته مورست أبشع أنواع التعذيب والتصفية بحق الجرحى والمصابين في المظاهرات السلمية"، وأشار التقرير المعروض والموضح بالوثائق والأرقام، إلى أن النظام حول المشفى منذ اندلاع الحراك إلى "مسلخ بشري" بحيث "يتم تحويل معظم من أصيب في المظاهرات إليه بحسب أوامر نظام الأسد المجرم، ليتعرضوا في أسرّتهم من قبل الأطباء والكوادر الطبية وعناصر الأمن المتوزعين في كل ركن من أركانه إلى تعذيب سادي بالسوط والهراوات وتكسير الأرجل علاوة على الصعق الكهربائي، ويتم ثني أقدام المصابين بطريقة معاكسة لطبيعتها حتى يتم كسرها، أو يتم ضرب رؤوسهم بالجدران، ويتم ربطهم بالأسرّة الحديدية ويمنع عنهم الطعام لأيام حتى يفارقوا الحياة، ومن ثم يتم أخذ الجثث لدفنها بطريقة سرية في مقابر جماعية".
وأشار التقرير إلى أن ملف "فيكتوري" يفضح بالمستندات آليات الدفن في المقابر الجماعية، ويقدم أدلة جديدة على جرائم الإبادة الجماعية في سجون النظام، مؤكداً أن "الجرائم الواردة في التقرير موثقة بالأدلة والوثائق الرسمية الممهورة بأختام رسمية، وصلت مؤخراً من شخص كان شاهدا ومنفذا لجزء يتعلق باستلام ونقل الجثث (بحكم عمله) على الكثير من الممارسات اللاإنسانية والعنصرية والطائفية من قبل عناصر في المشفى، بمن فيهم مدير المشفى والقيادة السياسية والأمنية في محافظة حمص، مما جعله يستحوذ على مجموعة من الوثائق والأوراق، تجاوزت 300 وثيقة، عائدة للطب الشرعي التابع لنظام الأسد، من بينها إرساليات ما بين عامي 2012 و2013 من المشفى المذكور في حي الوعر إلى القائمين على (مقبرة تل النصر- Victory) لدفن الآلاف من الجثث في مقابر جماعية دون تسليمها لذويها أو حتى إخبارهم بذلك و إعطاء الجثث أرقاما فقط دون ذكر أسباب الوفاة لإخفاء حقيقة مصير آلاف المعتقلين".
كما تضم الوثائق "مئات الجداول التي توثق دفن النظام للآلاف من الشهداء بهذه الطريقة، وجداول تحتوي على أسماء لمئات الشهداء قتلوا في ساحات المظاهرات، وفي بيوتهم، وتحت التعذيب في (مشفى عبد القادر شقفة) وأفرع الأجهزة الأمنية".
وقدم التقرير توضيحاً بالأرقام لعدد الوثائق في كل عام من الأعوام الثلاثة، 2012 و2013 و2014، ليكون مجموع الضحايا في تلك الفترة من الذين حصرتهم الوثائق فقط 5210 ضحايا، تحولوا إلى أرقام في مقابر جماعية، وحدد الائتلاف المشاركين بتلك الجريمة، وهم: الأمن والجيش والشبيحة، مشافي وزارة الصحة، المشافي العسكرية، العاملون في الدفن الجماعي، محافظ حمص، الطب الشرعي، والقضاء والإفتاء. ووجه الاتهام إلى كل من محافظ حمص، والدكتور بسام محمد، الدكتور سميح عودة، الدكتور محمد ساطور، الدكتور جورج صليبي، العميد الطبيب علي محمد عاصي، العميد الطبيب هيثم يوسف عثمان، بحكم وجود أختامهم وتواقيعهم على الوثائق التي تم الاستحواذ عليها.
ويعيد ملف "فيكتوري" إلى الأذهان الملف الذي أخرجه "قيصر" المصور العسكري الذي وثق الآلاف من ضحايا التعذيب في السجون والمعتقلات والأفرع الأمنية التابعة للنظام، ما أحدث صدمة كبيرة حينها ودفع المنظمات الدولية للتحرك حتى وصل الملف إلى الكونغرس لتتم صياغة قانون حمل اسم "قيصر" لمعاقبة النظام السوري، وفرض قيود اقتصادية ودبلوماسية عليه، وتدور اليوم أسئلة مشروعة، حول إمكانية الاستفادة من ملف "فيكتوري" ليكون وسيلة جديدة للضغط على النظام ومحاسبته، لإنصاف الضحايا وذويهم في طريق تحقيق العدالة.
ويشير ياسر الفرحان، عضو الهيئة السياسية ومكتب العلاقات الخارجية في الائتلاف إلى أنه "بعد ظهور صور (قيصر)، تبين الوثائق الحالية الدورة المستندية للجهات المشتركة بجرائم التعذيب والتصفية في سورية، فبعد أن كشف (قيصر) كيف يقضي الناس في المعتقلات والمشافي، فإن هذه الصور تبين هوية المتورطين بهذه الجرائم".
ويضيف الفرحان في حديث للعربي الجديد، أن "أهمية الوثائق تكمن في إظهار أنه ليس الأجهزة الأمنية والعسكرية ومليشيات الشبيحة هي فقط الجهات المنفذة للجرائم، بل أيضاً هناك مؤسسات مدنية تابعة للنظام أثبتت الوثائق تورطها كمديرية الصحة في حمص، ودائرة الطب الشرعي والمشافي العسكرية، والمشافي التابعة لوزارة الصحة، بالإضافة للقضاء والإفتاء، كما أن هناك مسؤولية مباشرة للمحافظين، فعندما توضح الوثائق تورط محافظ حمص، يعني ذلك أن الأمر ينسحب على جميع المؤسسات والمحافظين في جميع المحافظات الذين يتدخلون في إصدار الأوامر والقرارات".
وحول أهمية الوثائق من وجهة نظر قانونية وحقوقية يؤكد الفرحان أن "القيادات العسكرية وفق القانون الدولي تكون مسؤولة بفرضية العلم الظني، بينما القيادات المدنية والسياسية تتكون مسؤوليتها بفرضية العلم اليقيني، وهذه الوثائق تبين أن هناك علماً يقينياً بهذه الارتكابات والجرائم من قبل القيادات المدنية والسياسية، كالمحافظ الذي من المفترض أن يقوم بإطلاع الحكومة على إجراءاته وحتى القيادات السياسية في البلاد، من القيادات في الحزب الحاكم (البعث) وحتى رئيس الجمهورية".
ويشير الفرحان إلى أن "هذه النقطة هي القاعدة التي سننطلق منها بهذه الوثائق إلى لجان التحقيق الدولية وأجهزة الأمم المتحدة المختصة، والجهات القضائية في بعض الدول التي تلاحق المجرمين بقوانينها الوطنية من مبدأ الاختصاص الشامل للولاية القضائية العالمية، وأيضاً سيكون لدينا مطالبات بإنشاء آلية خاصة للمحاسبة بناء على هذه الوثائق وغيرها، ننتظر أن يكون من خلال تحالف دولي لضمان عدم إفلات المتورطين من العقاب، وإنصاف الضحايا لضمان عدم التكرار".
وكشف الفرحان، أن "الائتلاف سيسعى لطرق باب محكمة الجنايات الدولية مجدداً، بالاعتماد على هذه الوثائق، فلدينا المبررات القانونية، ولدينا الأدلة متوفرة، وبالتالي نحن بحاجة لهذا التحالف الدولي، لاستثمار ما هو متاح ضمن النصوص القانونية من أجل الوصول إلى العدالة".
وتحفظ الفرحان على كيفية الحصول على الوثائق لحماية الشهود، رغم إشارته إلى أن ذلك سيكون متاحاً عندما يحين الوقت، بالتوافق مع الشهود، وعندما تتوفر ضمانة كاملة لحمايتهم، مضيفاً: ما يهم الآن من هذه الوثائق، هو كشف المصير، فنحن نتحدث عن أكثر من خمسة آلاف ضحية، هؤلاء لا يعرف ذووهم أي شيء عنهم، وهم عبارة عن رموز في مقابر جماعية ومصيرهم مجهول، ومن ثم تحقيق العدالة بإنصاف الضحايا من خلال تعويض ذويهم وجبر الضرر بآليات واضحة ومحددة، وفي المقدمة محاسبة المتورطين"، مؤكداً أن "هناك أكثر من ملف يتم العمل عليه من قبل الائتلاف في أكثر من مجال، وبالتنسيق مع جهات مختلفة، عنوانها الرئيسي تحديد المتورطين وإنصاف ضحايا الإجرام في سورية".
من جهته لا يعتقد فضل عبد الغني، رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أن ملف "فيكتوري" وما يتضمنه من وثائق لدى الائتلاف، سيشكل حالة كالتي شكلتها تسريبات قيصر، لجهة البناء عليها لإصدار قانون مشابه، أو اتخاذ أي إجراء من قبل دولة على هذا النحو، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن هناك الآلاف من الوثائق لدى الكثير من الجهات والمنظمات السورية والدولية، تحمل أهمية من حيث القوة القانونية، أكثر من الوثائق التي قدمها الائتلاف.
ويضيف عبد الغني أن "الاختلاف بين قيصر وهذا الملف، يكمن في أن قيصر قدم صورا من داخل المشافي والأفرع لآلاف الضحايا تثبت تعرض الضحايا للتعذيب، وتلك الصور معززة بالأرقام التسلسلية، وهي أقوى بكثير من الوثائق الورقية".
ويشير إلى أن الوثائق التي عرضها الائتلاف، "لها أهمية بكل تأكيد، وتشكل أدلة إضافية على تورط النظام، ومن الممكن الاستفادة منها بتزويدها للجان التحقيق الأممية والمنظمات الدولية الحقوقية من أجل البناء عليها في إعداد التقارير التي تدين النظام، واستثمارها كذلك مع وسائل الإعلام الدولية لمزيد من تعرية النظام وجرائمه".
وينصح عبد الغني، بعدم قيام الائتلاف بعملية الذهاب بالوثائق إلى الجهات القانونية والقضائية والحقوقية الدولية، لكونه جهة سياسية وطرفا من أطراف الصراع، وتسليم هذه المهمة لجهة مستقلة تستطيع التحرك بأريحية في تلك الأروقة".