هل تشهد الانتخابات التونسية عزوفاً واسعاً عن المشاركة وسط برلمان محدود الصلاحيات وشروط صعبة للترشح؟
يشتكي المشاركون في الانتخابات التشريعية منذ انطلاق الفترة الانتخابية في تونس الأحد الماضي، من إجحاف شروط الترشح وصعوبات جمع التزكيات، في مقابل مقاطعة غالبية الأحزاب الوازنة، ما زاد من تأزم المشهد الانتخابي، الذي ينذر بعزوف الناخبين وضعف في الإقبال.
واختارت غالبية القوى الحزبية وأكبر الأحزاب البرلمانية (حسب نتائج انتخابات 2019) مقاطعة الانتخابات التشريعية المعلنة ليوم 17 ديسمبر/كانون الأول 2022، مؤكدة رفضها إضفاء شرعية على هذا المسار الذي اعتبرته حلقة جديدة من حلقات انقلاب 25 يوليو 2021، بحسب بيانات المقاطعين.
ودعا الرئيس التونسي قيس سعيد منتصف شهر سبتمبر/أيلول التونسيين للتصويت لانتخاب برلمان جديد يتكون من 161 نائبا وفق قانون انتخابي جديد يقوم على الاقتراع للأفراد بدل القائمات الحزبية، التي كان معمولا بها منذ الاستقلال.
ويراهن سعيد على إقبال التونسيين في الانتخابات، لإضفاء مشروعية شعبية على البناء السياسي الجديد الذي اختاره في استفتاء 25 يوليو الأخير.
ويرى معارضو الرئيس سعيد أن مقاطعة الانتخابات كما حدث في الاستفتاء هي "التعبير النضالي ضد انفراد سعيد بالسلطات والتصدي لمشروعه السياسي التسلطي"، بينما يعتبر أنصار الرئيس أن سعيد "استجاب لطلب الشعب في بناء جمهورية جديدة".
ويحذر المجتمع المدني من تعكر المناخ الانتخابي وتأزمه، ما ينذر بضعف مشاركة المترشحين وعزوف الناخبين.
رهان فارغ
واعتبر المحلل السياسي شكري بن عيسى في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "الانتخابات التشريعية المقبلة، هي انتخابات جوفاء والرهان عليها فارغ، لأن رئيس الجمهورية استولى على كل السلطات والصلاحيات ووضع برلمانا بلا سلطات ولا صلاحيات، وسيكون برلمانا لا يشرّع تقريبا إلا ما يقدمه له الرئيس من مشاريع ولا يمكنه أن يحاسب الحكومة بشكل فعال ولا يمكن أن يعفي الحكومة في حالة خرقها، وهو مهدد في كل لحظة من قبل رئيس الجمهورية".
وتابع بن عيسى أن "هذا الأمر دفع الأحزاب المعارضة لمسار 25 يوليو، وحتى الأحزاب غير المعترضة بالكامل مثل آفاق تونس، إلى المقاطعة كما قاطعت غالبية الأحزاب، ما قد يجعل الإقبال ضعيفا، باعتبار أن عدم تشريك الأحزاب والشخصيات الفاعلة كما حصل في الاستفتاء جعلها فاترا، وكذلك هذه الانتخابات إذا لم يوجد تنافس حاد ينقله الإعلام، ويكون فيه صراع مواقف وبرامج فإنه لن يسترعي اهتمام المواطن أيضا".
وبيّن المحلل السياسي أن "عدم إيفاء سعيد بأغلب ما قدمه للشعب من وعود قاد إلى انتكاسة وخيبة أمل كبيرة، وبالتالي لن يقبل الشعب بكثافة على الانتخابات، لأنه لن يجد التغيير الذي يبحث عنه، باعتبار أن الواقع أصبح مزريا بافتقاد أغلب الأساسيات الغذائية وغلاء المعيشة".
وأوضح بن عيسى أن "الأحزاب الداعمة لسعيد كحركة الشعب والتيار الشعبي وتونس إلى الأمام، لن تقدر ولن تستطيع الترشح في كل الدوائر، فهذه الأحزاب لا قواعد لها لتستطيع المشاركة".
وشدد على أن "هذا الأمر سيفتح المجال للواجهات وأصحاب المال من المهربين للمشاركة، وهو ما سيزيد من العزوف لأن التجربة أثبتت أنهم لن يعملوا لفائدة الصالح العام ولن يستطيع المواطن محاسبتهم ولا مراقبتهم ولن يأمل منهم خيرا".
وضع انتخابي متأزم
من جهته، أكد مدير "مرصد شاهد لمراقبة الانتخابات ودعم التحولات الديمقراطية"، الناصر الهرابي في تعليقه لـ"العربي الجديد"، أن الوضع الانتخابي المتأزم ينذر بعزوف الناخبين عن المشاركة في الانتخابات، ويزيد من صعوبات هيئة الانتخابات والمجتمع المدني، الذي يحث المواطنين لتحقيق أوسع مشاركة، سواء للمترشحين أو للناخبين للإدلاء بأصواتهم والتعبير عن اختياراتهم".
وبين الهرابي أن "الوضع السياسي والانتخابي لا يشجع على الإقبال على صناديق الانتخابات باعتبار تزايد المقاطعين من الأحزاب والجبهات السياسية، والذين يتجندون للدعوة للمقاطعة كوسيلة للتعبير عن رفضهم الوضع القائم، كما أن عدم تشريك الأحزاب والمجتمع المدني ومختلف الفاعلين سواء في صياغة القانون الانتخابي أو في تحضير العملية الانتخابية زاد من إقصاء مختلف الفاعلين وعزز من خيار عدم التشاركية في المسار الانتخابي".
وبيّن أن "بنود المرسوم الانتخابي لا تشجع على الإقبال للترشح بسبب الصعوبات جمع التزكيات وغياب التمويل العمومي، كما أن طبيعة البرلمان القادم وصلاحياته الدستورية واختصاصاته تقلص من حجم التنافس أمام المترشحين".
وأصدرت هيئة الانتخابات يوم 20 سبتمبر/ أيلول الحالي، روزنامة الانتخابات التشريعية، حيث انطلقت بداية من يوم 21 سبتمبر/أيلول، في عملية التسجيل الآلي لكل الناخبين غير المسجلين، بإدراج من ستبلغ سنّهم 18 سنة كاملة يوم 16 ديسمبر/كانون الأول 2022 بالقائمات الانتخابية.
وتنطلق الحملة الانتخابية، يوم 25 نوفمبر/تشرين الثاني القادم لتتواصل إلى 15 ديسمبر/كانون الأول 2022، على أن يتم أيام 15 و16 و17 ديسمبر /كانون الأول القادم الاقتراع بالخارج، وسيكون يوم 16 ديسمبر هو يوم الصمت الانتخابي في تونس، واليوم الذي يليه (17 ديسمبر) هو يوم الاقتراع.
وسيتم الإعلان عن النتائج الأوّلية ما بين 18 و20 ديسمبر، أما الإعلان عن النتائج النهائية فسيكون يوم 19 يناير/كانون الثاني 2023، إثر الانتهاء من النظر في الطعون والبتّ فيها.