بقي رد فصائل المعارضة السورية في الشمال الغربي من البلاد، حتى عصر أمس الثلاثاء، محدوداً على الضربة الجوية الروسية التي استهدفت، صباح الإثنين، معسكراً لـ"فيلق الشام"، أبرز هذه الفصائل في محافظة إدلب، إذ اقتصر على قصف صاروخي ومدفعي على نقاط يسيطر عليها النظام السوري. وعلى الرغم من تأكيد قادة في المعارضة وجود خطة للرد، إلا أن المعطيات الميدانية أظهرت أن فصائل المعارضة في إدلب، المرتبطة بالجيش التركي، ليست في وارد القيام بتحرك واسع على الأرض للرد على الضربة الروسية، لأن ذلك يعني انهياراً كاملاً للتفاهمات التركية الروسية حول الشمال الغربي من سورية، ما قد يفتح الباب حينها أمام كل السيناريوهات العسكرية، بما فيها قيام النظام بعملية واسعة النطاق تحت غطاء ناري روسي، وهو ما يبدو أن أنقرة تحاول تجنّبه في الوقت الحاضر.
وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن فصائل "الجبهة الوطنية للتحرير"، أكبر تجمّع لفصائل المعارضة في إدلب ومن ضمنها "فيلق الشام"، استهدفت، مساء الإثنين، مناطق سيطرة قوات النظام بمئات القذائف الصاروخية والمدفعية في بلدات: حزارين والملاجة وترملا والدار الكبيرة وكفرنبل وحنتوتين ومعصران، جنوبي إدلب، وسراقب وخان السبل وداديخ وجوباس وكفربطيخ، شرقي إدلب، بالإضافة إلى الحاكورة وطنجرة وجورين في ريف حماة الغربي، ومناطق أخرى في جبال اللاذقية وريف حلب الغربي. في حين عاودت قوات النظام حملة القصف الصاروخي والمدفعي على بلدات وقرى في محافظة إدلب تحت سيطرة فصائل المعارضة، منها: كنصفرة والموزرة والصحن وتل أعور وفريكة في ريف إدلب، ما أدى أيضاً إلى نزوح عشرات العائلات، وفق مصادر محلية.
وجاء ذلك بعد مقتل 78 مقاتلاً على الأقل، وإصابة 90، نتيجة قصف جوي روسي، صباح الإثنين، استهدف معسكر تدريب لفصيل "فيلق الشام"، التابع لـ"الجبهة الوطنية للتحرير"، المدعومة من تركيا، في جبل الدويلة، قرب مدينة كفرتخاريم، غربي إدلب. ويُعدّ هذا القصف أكبر خرق لاتفاق موسكو المبرم بين الروس والأتراك مطلع مارس/ آذار الماضي في العاصمة الروسية، والذي أرسى قواعد وقف لإطلاق النار تجاوزها الروس وقوات النظام والمليشيات الإيرانية التي تساندها العديد من المرات، ولكن ضربة الإثنين كانت، بحسب مصادر محلية، "مؤلمة لفصائل المعارضة التي لم تكن تتوقعها في ظل سريان الاتفاق التركي الروسي"، وتؤكد أن "الطرف الروسي لا يحترم تعهداته وخصوصاً في سورية"، وفق المصادر، التي أشارت إلى أن هناك تخوفاً لدى نحو 4 ملايين مدني في محافظة إدلب من عودة الأعمال العسكرية المتوقفة منذ عدة أشهر.
المتحدث باسم "الجبهة الوطنية للتحرير": هناك خطة للرد وسنوقع خسائر كبيرة في صفوف القوات المعادية
وأكد المتحدث باسم "الجبهة الوطنية للتحرير" النقيب ناجي مصطفى، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "هناك خطة لدى الجبهة للرد على هذه الجريمة التي ارتكبتها الطائرات الحربية الروسية"، مضيفاً: "سنوقع خسائر كبيرة في صفوف القوات المعادية".
وفي السياق، قال العميد فاتح حسون، وهو قيادي في فصائل المعارضة، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الردود لا تظهر كلها دفعة واحدة، خصوصاً ضمن المجال العسكري المرتبط بتفاهمات واتفاقيات". وأضاف: "الرد لن يتوقف وسيتم تنفيذه في مجالات عديدة ومتباينة، ولن يكون فقط من فيلق الشام بل من كافة فصائل وشرائح الشعب السوري الحر، فهذه المجزرة المتعمدة ستكون سلبية على روسيا بدرجة كبيرة".
لكن الباحث السياسي عباس شريفة، رأى في حديث لـ"العربي الجديد"، أن رد فصائل المعارضة على الضربة الروسية "غير مناسب وغير متكافئ"، مضيفاً: "يبدو أن هذه الفصائل ليست في وارد فتح معارك مع النظام لاعتقادها بأنها ستكون مع الجانب الروسي في ظل عدم تكافؤ القوة". وأعرب عن اعتقاده بأن هذه الفصائل "تريد المحافظة على قواعد الاشتباك، والتمسك بالتهدئة"، مشيراً إلى أن الجانب الروسي يهدف إلى قضم المزيد من الأراضي جنوب الطريق الدولي "ام 4" الذي يربط الساحل السوري بمدينة حلب، معتبراً أن الضربة لـ"فيلق الشام" استفزاز للفصائل لخلق الذرائع للتقدم على الأرض، مضيفاً: "يجب أن يكون رد الفصائل مؤلماً كي يتحقق توازن الرعب للمحافظة على قواعد الاشتباك".
أما من جهة تركيا، فكان مصدر في وزارة الخارجية التركية قد أوضح لـ"العربي الجديد"، أن أنقرة تقرأ الرسالة من جبهة أرمينيا، في ظل الانزعاج الروسي الكبير من عدم ترسيخ وقف إطلاق النار هناك. وأضاف "يبدو أن روسيا تحمّل تركيا مسؤولية عدم ترسيخ وقف إطلاق النار في ناغورنو كاراباخ، فوجّهت الرسالة عبر الساحة السورية للضغط على أنقرة". ويحتفظ الجيش التركي بوجود قوي داخل محافظة إدلب، ونشر منذ فبراير/ شباط الماضي آلاف الجنود في عشرات النقاط والقواعد العسكرية، إضافة إلى أسلحة نوعية.
الخلافات الروسية التركية تزداد اتساعاً مع تشابك الملفات المشتركة والمعقدة
ورأى الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية طه عودة أوغلو أن الضربة الروسية لـ"فيلق الشام"، الذي يأتي في مقدمة فصائل المعارضة السورية قرباً من تركيا، تؤكد أن الخلافات الروسية التركية "تزداد اتساعاً يوماً بعد يوم مع تشابك الملفات المشتركة والمعقدة على الساحة السورية وساحات أخرى بين البلدين". وأشار في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن القصف من طائرات روسية على مناطق سيطرة المعارضة "هو بمثابة رسائل تريد روسيا إيصالها إلى تركيا، فيما يبدو أن انسحاب الأتراك منذ عدة أيام من نقطة مورك (ريف حماة الشمالي)، المحاصرة من قبل النظام السوري، كانت خطوة استباقية لمنع استهدافها من قبل النظام أو الروس".
وحول طبيعة الرد التركي على الضربة الروسية، أشار عودة أوغلو إلى أنه "من الواضح أن أنقرة الرسمية تتابع التطورات عن كثب"، مضيفاً: "سيكون الرد عبر وكلائها على الأرض، إذ سمحت أنقرة للجبهة الوطنية بقصف مواقع عسكرية للنظام والروس بالصواريخ". وأعرب عن اعتقاده بأن "الأيام المقبلة مرشحة لتصعيد كبير بين الطرفين"، مؤكداً أن أنقرة "ستواصل دعمها المعنوي والعسكري لأذربيجان خلال الأيام المقبلة، في خطوة تهدف لتكثيف الضغوط على روسيا".