بعد فشل القوات الروسية في تحقيق نصر سريع على أوكرانيا، رأى مسؤولون أميركيون تحدثوا إلى صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، اليوم الاثنين، إشارات إلى أنّ الكرملين ينتقل إلى استراتيجية جديدة لتأمين الأهداف الإقليمية الرئيسية، مع سعيه إلى الضغط لإجبار الحكومة الأوكرانية على قبول الحياد بين روسيا والغرب.
وكانت الولايات المتحدة وحلفاؤها قد تبنّوا اعتقاداً بأنّ الأهداف الأولية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين تشمل الاستيلاء على كييف في غضون أيام واستبدال حكومة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بنظام موالٍ لروسيا، ولكن لم يتحقق أي من هذا. وأشار مسؤول أميركي كبير إلى أن المؤشرات تدلّ على أنّ أكثر من ثلاثة أسابيع من القتال الشاق - الذي أبدت فيه أوكرانيا مقاومة شرسة للقوات الروسية - دفعت بوتين إلى تعديل تكتيكاته.
التقييم الجديد لنوايا بوتين، الذي يتشاركه كبار المسؤولين داخل إدارة بايدن، هو إجبار كييف على قبول المطالبات الروسية بالأراضي الجنوبية والشرقية لأوكرانيا. فبعد أن استولت روسيا على كلّ من شبه جزيرة القرم ومناطق دونباس في عام 2014، تسعى الآن إلى تأمين "جسر بري" بين غرب روسيا وشبه جزيرة القرم، وتوسيع السيطرة الروسية على منطقة دونباس. وسيواصل بوتين ضغطه العسكري، بما في ذلك ضرب المدن الأوكرانية، معتبراً أن ذلك سيدفع زيلينسكي إلى التخلي عن آماله في الانضمام إلى الغرب، والموافقة على وضع محايد ومطالب روسية أخرى.
Russia is shifting its strategy after faltering in Ukraine, U.S. officials say, seeking to compel Kyiv to accept its territorial claims and neutrality. https://t.co/dyRhaxrGe8
— The Wall Street Journal (@WSJ) March 21, 2022
وتحدث مسؤولون أميركيون عن أنه في حال رفض مطالب بوتين بالأرض والحياد، فمن المتوقع أن يحاول الاحتفاظ بكل الأراضي التي استولت عليها قواته والقتال عليها. وقال مسؤول أميركي آخر: "بناء على تقييماتنا عسكرياً، يبدو أنه يعود إلى تكتيكات الحصار".
أما بالنسبة إلى المواطنين الأوكرانيين المحاصرين، فإن الاستراتيجية المتغيرة تعني أسابيع، وربما أشهراً، من هجمات الجيش الروسي الضعيف، الذي غالباً ما يكتفي بإطلاق الصواريخ والمدفعية من مسافة بعيدة. ويهدف هذا التحول إلى الضغط على حكومة زيلينسكي للتخلي عن الأراضي والتنازل عن الترتيبات الأمنية.
"أسلوب ستالينيّ"
تقييم "الخطة ب" التي وضعها بوتين، كما وصفها أحد المسؤولين، يترافق مع محاذير مهمة عدة. ويشير مسؤولون أميركيون إلى أن بوتين قد يوسع أهدافه الحربية إذا بدأ جيشه في تحقيق نجاحات أكبر ضد القوات الأوكرانية. ويضيفون أن وضع العاصمة ما زال مفتوحاً على كلّ الاحتمالات، فبالنظر إلى المقاومة الأوكرانية القوية، ليس واضحاً ما إذا كان بإمكان الجيش الروسي حشد قوات كافية لتطويق كييف بإحكام والاستيلاء على العاصمة الأوكرانية.
ويشير بعض المحللين، وفق الصحيفة، إلى صعوبة تقييم أهداف بوتين وغاياته، ويحذرون من المبالغة في قراءة ساحة المعركة، لأن "هدفه لم يتغير على الإطلاق"، كما قال دانييل فريد، وهو مسؤول كبير سابق في وزارة الخارجية عمل سفيراً للولايات المتحدة في بولندا. ويوضح أنّ "تكتيكاته هي التي تغيرت. بما أنّ قطع الرأس السريع للحكومة الأوكرانية لم ينجح، فسينتقل الآن إلى ضربهم لأنهم قاوموا، وبالتالي يجب تطهير المنطقة. هذا أسلوب ستالينيّ".
وتواجه القوات الروسية الآن تحديات هائلة، بما في ذلك خدمات لوجستية ضعيفة، وتقلّص إمدادات الذخائر الموجهة بدقة، وتزايد عدد الضحايا، والذي قد يصل إلى 7000 جندي روسي قتلوا في المعركة، وفقاً للحسابات الأميركية.
وفي ماريوبول ومدن أخرى، عادت القوات الروسية إلى بعض تكتيكات الحصار التي استخدمتها في غروزني في عامي 1999 و2000 خلال الحرب الشيشانية الثانية، عندما صعد بوتين إلى السلطة رئيساً للوزراء، ثم رئيساً للبلاد. في الشيشان، سعت القوات الروسية إلى السيطرة على مدينة رئيسية في إقليم روسي أصغر من نيوجيرسي. وفي أوكرانيا، تواجه روسيا تحدياً يتمثل في محاولة السيطرة على مدن متعددة في بلد أكبر من فرنسا، وكان عدد سكانه 44 مليون نسمة قبل أن يفر نحو 3.4 ملايين شخص من أوكرانيا.
وبعد أسابيع من القتال العنيف، دخلت القوات الروسية شوارع مدينة ماريوبول الساحلية، وهو هدف استراتيجي مهم لموسكو في سعيها لإنشاء ممر من شبه جزيرة القرم إلى غرب روسيا. ويمكن للاستيلاء على المدينة أن يمنح الروس نصراً في ساحة المعركة، مع أنه قد يكون انتصاراً بتكلفة باهظة.
وبعد جولات أولية من المفاوضات، لا تزال أوكرانيا وروسيا متباعدتين بشأن القضايا الرئيسية، بما في ذلك مطالب الكرملين بأن تعترف حكومة زيلينسكي بالسيادة الروسية على شبه جزيرة القرم، وأن تتنازل رسمياً عن السيطرة على منطقة دونباس، وأن تتخلى عن طموحها على المدى الطويل للاندماج مع الغرب، بما في ذلك هدفها المتمثل في الانضمام في نهاية المطاف إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وفي غضون ذلك، سيسافر الرئيس الأميركي جو بايدن إلى بروكسل لحضور قمة حلف شمال الأطلسي يوم الخميس، وسيشارك أيضاً في اجتماع للمجلس الأوروبي، في وقت يواصل بعض المشرعين الدفع بخطة من شأنها تزويد أوكرانيا بطائرات مقاتلة سوفييتية الصنع من طراز "ميغ 29"، وهي فكرة رفضها بايدن ومستشاروه.
وكان زيلينسكي قد كرر ممارسة الضغط على بايدن وقادة في دول أخرى، لإنشاء منطقة حظر جوي لحماية بلاده من الهجمات الجوية، إلا أن الولايات المتحدة ودول حلف "الناتو" رفضت هذا الاقتراح، وتتحرك لإرسال أنظمة دفاع جوي إلى أوكرانيا، حتى يتمكن الأوكرانيون من الدفاع عن مجالهم الجوي بمفردهم.
وأكد بايدن، الأسبوع الماضي، أن الولايات المتحدة سترسل مساعدات أمنية إضافية بقيمة 800 مليون دولار إلى أوكرانيا، بما في ذلك أنظمة "ستينغر" المضادة للطائرات، لمساعدة أوكرانيا في الدفاع عن مجالها الجوي، وصواريخ "غافلين" المضادة للدبابات.
ولفت خبراء إلى أن روسيا ادّعت أنها أطلقت صاروخين اخترقا سرعة الصوت في الأيام الأخيرة، في محاولة على ما يبدو لإظهار أنها قادرة على التغلب على منطقة حظر الطيران وأي دفاعات جوية قد تنفذها أوكرانيا. وقال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إنه لن يؤكد أو يشكك في أن الروس استخدموا سلاحاً كهذا، لكنه أضاف أن الصاروخ "لن يغير قواعد اللعبة".