تخوض الهيئة المستقلة للانتخابات ثاني تجربة إشراف انتخابي لها، منذ إنشائها في سبتمبر/أيلول 2019، بعدما كانت قد أشرفت للمرة الأولى على الانتخابات الرئاسية التي جرت في ديسمبر/كانون الأول من السنة نفسها. وبقدر سعي هذه الهيئة إلى ربح رهان تحقيق أكبر نسبة مشاركة في استفتاء الأحد؛ فإنها تسعى في الوقت نفسه إلى خوض معركة على قدر كبير من الأهمية، تتعلق بضمان نزاهة الاستفتاء لتعزيز ثقة المجتمع بالهيئة، وتأمين مصداقيتها في الاستحقاقات المسبقة التي ستجري بداية العام القادم.
بفرح ظاهر أعلن رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات محمد شرفي في تصريح صحافي، أن القائمة الوطنية للناخبين باتت تحت سلطة الهيئة، بعد استعادتها من وزارة الداخلية، في خطوة وصفها "بالقفزة النوعية المهمة في بناء الإدارة الانتخابية المحايدة وضمان نزاهة الانتخابات"، إذ ظلت قوى المعارضة السياسية في الجزائر، تطالب لعقود بسحب تنظيم الاستحقاقات الانتخابية من وزارة الداخلية، بسبب التزوير والتلاعب بنتائج الانتخابات، ووضعها تحت إشراف سلطة مستقلة لتنظيم الانتخابات.
وعزز نجاح تجربة الهيئة المستقلة في الجارة تونس، في تنظيم ستة انتخابات نزيهة منذ الثورة التونسية؛ مطلب المعارضة الجزائرية، التي ضمّنت "الأرضية السياسية" التي صدرت عن مؤتمر المعارضة في يونيو/حزيران 2014، هذا المطلب. وقد رفضت السلطات حينها هذا المطلب، وأنشأت بدلاً من ذلك هيئة مستقلة لمراقبة الانتخابات برئاسة الإسلامي عبد الوهاب دربال، فشلت في حماية الانتخابات النيابية والمحلية التي جرت عام 2017 من التزوير والتلاعب بالنتائج.
وانتظرت المعارضة الجزائرية حتى سبتمبر/أيلول 2019 ليتحقق هذا المطلب التاريخي، تحت ضغط الحراك الشعبي الذي اندلع في فبراير/شباط 2019، والذي أربك السلطات، ومع رحيل نظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وبدء مسار الحوار الوطني في شهر أغسطس/آب من السنة نفسها برئاسة رئيس البرلمان الأسبق كريم يونس، تم التوافق على إنشاء هيئة مستقلة للانتخابات، مستقلة عن الحكومة والإدارة، وفي الفترة نفسها تم سنّ قانون خاص للهيئة، بيّن تركيبتها وصلاحياتها، وصادق عليه البرلمان، ليتم إنشاء الهيئة وتعيين وزير العدل السابق محمد شرفي رئيساً لها، وباشرت منذ تلك الفترة تشكيل فروعها في الولايات، وسن تشريعاتها الداخلية، وتوفير كامل الإمكانات الفنية واللوجستية واستعادتها من وزارة الداخلية، خاصة أن السياقات السياسية وضعت الهيئة مباشرة ودون أي فاصل زمني أمام استحقاق مصيري أول، بحجم الانتخابات الرئاسية التي جرت في 12 ديسمبر/كانون الأول 2019.
المهم بالنسبة للقوى السياسية هو قدرة الهيئة على السيطرة على العملية الانتخابية واستبعاد أية تدخلات فيها، وضمان نزاهة الصندوق
من الناحية الدستورية، توجد الهيئة حتى الآن في وضع غير دستوري، إذ ينص الدستور الساري المفعول (2016) على وجود "لجنة لمراقبة الانتخابات"، كانت ستتولى مراقبة الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة على التوالي في إبريل/نيسان، ثم يوليو/تموز 2019، قبل أن يتم حلّها واستبدالها بالسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، والتي باتت، وفق قانونها الأساسي سلطة تتمتع بالاستقلال الإداري والمالي، وتحوز بموجب تعديلات سريعة أدخلت على قانون الانتخابات، عشية الانتخابات الرئاسية، على كامل الصلاحيات المتعلقة بمراحل تنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية والبلدية وإدارتها والإشراف عليها ومتابعتها والرقابة عليها. وكذلك على الاستفتاءات، من التسجيل في القوائم الانتخابية إلى إعلان النتائج الأولية، مررواً بكل تحضيرات العملية الانتخابية واستلام ملفات المترشحين، والتنسيق مع الأجهزة الأمنية لحماية الانتخابات، وتنظيم الحملة الانتخابية، والبتّ في المنازعات وعمليات التصويت والفرز، وتم إبعاد الإدارة نهائياً عن أي تدخل في الانتخابات.
وبغض النظر عن الظروف التي جاءت فيها الهيئة الفتية، فإن المهم بالنسبة للقوى السياسية هو قدرتها على السيطرة على العملية الانتخابية واستبعاد أية تدخلات فيها، وضمان نزاهة الصندوق والاستفتاء، ومراكمة ثقة الناخبين وتشريف عقدها السياسي والأخلاقي.