طرح إصدار 15 دولة أوروبية في مقدمتها ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، بياناً مشتركاً، أدان نشر شركة الأمن الروسية الخاصة "فاغنر" شبه العسكرية المدعومة من موسكو لعناصرها في مالي، أسئلة حول ضرورة تواجد البوندسفير (القوات الألمانية) هناك، وقدرة مالي على دفع 10 ملايين دولار سنوياً لخدمات قوات المرتزقة الروسية، بما في ذلك حقوق التعدين في المناجم، حيث يرسلها الكرملين عندما لا يرغب في الظهور بشكل مباشر، أو عندما يكون إرسال القوات النظامية الروسية مكلفاً للغاية.
وأبرزت صحيفة "بيلد"، أن هذا الواقع أعاد إلى الأذهان في برلين، التحذيرات التي أطلقت بعد الانقلاب العسكري الذي حصل الصيف الماضي في مالي، كما ويطرح على بساط البحث مدى التعاون بين الحكومة المالية و"فاغنر". ويترافق ذلك مع تشكيك ألماني في أساس تفويض البوندسفير بمهمة مكافحة الإرهاب في مالي، سيما وأن مصادر أمنية أوروبية، بينها فرنسية، أفادت بتحرك ميداني لطائرات نقل عسكرية تابعة للجيش الروسي في مطار باماكو، تنقل أعداداً كبيرة من مرتزقة فاغنر المعروفين بانتهاكاتهم لحقوق الإنسان، إلى جانب نشاط لعلماء جيولوجيين روس، معروفين بتعاونهم مع هذه المجموعة.
كل ذلك يطرح أسئلة جدية عن جدوى المشاركة الألمانية في بعثات السلام والتدريب التابعة للاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة في مالي، بأكثر من 1000 جندي ألماني، خاصة وأن فرنسا أنهت عملية "برخان" الموكلة بمواجهة الجهاديين في منطقة الساحل الأفريقي.
وبعدما بات الأمر أكثر حساسية من الناحية السياسية منذ الانسحاب من أفغانستان؛ أعرب جنود ألمان متمركزون في مالي، خلال تبادلهم وجهات النظر مع الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، عبر "إنستغرام" يوم الأربعاء الماضي؛ عن مخاطر العملية في البلد الأفريقي، وذكروا أن المهمة تعادل ما عايشه الجيش الألماني في أفغانستان سابقاً، موضحين أن الجنود ليسوا معرضين للخطر في الدوريات فقط، فلا يعني جلوسك في المعسكر أنك في أمان، وأن الوضع أصبح أكثر خطورة بالفعل. وبينت التعليقات أن المطلوب هو مواصلة العمل لحماية المدنيين ودحر الإرهابيين والمساعدة في تأمين الاستقرار لمنطقة الساحل الأفريقي. علماً أنه قيل إن دعوة "فاغنر" كانت رد فعل على إعلان فرنسا انسحابها من هناك، وادعى الحاكم المالي، أسيمي غويتا، أن تواجد مجرمي الحرب الروس في بلاده جاء لأن بعض السكان يعارضون الانتشار الدولي، وخاصة الفرنسي.
وفي تعليق على التهديد الأوروبي بحزم الأمتعة وإنهاء مهمة مكافحة الإرهاب؛ أشارت "دي فيلت"، إلى أن بوتين سيرى في الانسحاب الأوروبي دعوة لتوسيع نفوذه في مكان تزعجه فيه القوات الغربية، وسيحقق انتصاراً دون أن يطلق رصاصة واحدة. كاشفة أنه في السياسة الخارجية هناك العديد من القواعد التي يمكن للمرء أن يتصرف من خلالها، فالبعض يدافع عن السياسة الواقعية، بينما يتبع البعض الآخر نهجاً مثالياً، والثالث يراهن على سياسة توازن القوى، بينما يراهن آخرون على تعدد الأقطاب، وحلم الأمم المتحدة التي ستحكم الأرض يوماً ما، أما الآن فقد ابتكر الأوروبيون نهجاً جديداً، هو "سياسة نقانق الكبد المهينة"، وهو قول ألماني يعني أن الشخص ينسحب وينتقد، ويضرب به المثل للشخص الذي جُرحت كبرياؤه ويُسخر منه.
وعن الآثار التي يمكن أن يتركها نشر "فاغنر" في مالي على الانتقال الديمقراطي بعد الانتخابات المزمعة في فبراير/شباط 2022؛ قال أندرو آتا أزاموا، الذي يرأس برنامج حوكمة السلام والأمن الأفريقي في معهد الدراسات الأمنية في بريتوريا، جنوب أفريقيا، لموقع "فيلت زيشتن" أخيراً: "إن الحكومة في مالي مهتمة بعدم تدهورالوضع الأمني، لأن الماليين يريدون الأمن قبل كل شيء، ولكن ليس من الواضح المهام التي ستقوم بها (فاغنر)على الإطلاق، وإذا ما كانت مهام قتالية أو استشارية"، قبل أن يستدرك قائلاً: "إذا نظرت إلى ما فعلته (فاغنر) في دول مثل السودان وأفريقيا الوسطى وموزمبيق وليبيا؛ يغدو واضحاً أنها مجهزة لأعمال عدائية محتملة، والناس في هذه البلدان كانوا ضد وجود المرتزقة".
وكان المجلس العسكري المؤقت في مالي قد نفى مزاعم الحكومات الغربية بتوظيف قوة المرتزقة الروسية، وطالبهم بأدلة من مصادر مستقلة، لكنه لم ينفِ في بيان وجود مدربين روس في البلاد.