لليوم الرابع على التوالي، يتواصل الجدل في العراق بشأن الشخصية التي كشف رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، في حديث صحافي، عن طردها من العراق، ومطالبته لها بعدم التدخل في ملف اختيار الرئاسات الثلاث بالبلاد (الجمهورية والبرلمان والحكومة).
وجاء حديث المالكي بالتزامن مع بيان لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الأول من أمس السبت، قال فيه إن هناك أخباراً مؤكدة عن تدخل دول إقليمية في الملف الانتخابي، طالباً منها سحب يدها، من دون تسمية تلك الدول أو توضيح نوع هذا التدخل.
وتتواصل أزمة نتائج الانتخابات البرلمانية، التي أجريت في العاشر من الشهر الماضي، من دون وضوح أي بوادر تغيير بمواقف القوى الحليفة لإيران، الرافضة لنتائج الانتخابات والتي حلّت فيها بمراتب متأخرة، حيث تحشد أنصارها منذ أكثر من أسبوعين قرب المنطقة الخضراء، لرفض النتائج والمطالبة بإعادة عدّ وفرز الأصوات يدوياً في جميع المحطات في البلاد.
وفي لقاء مسجل مع محطة تلفزيون عراقية، قال زعيم ائتلاف "دولة القانون" ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، في معرض تعليقه على التدخلات الخارجية في مسألة تشكيل الحكومة والأزمة السياسية الراهنة في البلاد، إنه طلب من شخص يتدخل باختيار الرئاسات الثلاث، وغير ذلك، مغادرة العراق.
وقال المالكي إن "بعض القوى تراهن على الخارج وتعطي مجالاً للخارج للتدخل، وأنا لا أؤمن بتدخل الخارج بتشكيل الحكومة، وعندما كانوا يتدخلون، يعطوننا حكومات غير سليمة، والآن أيضاً نحن بحاجة إلى عدم تدخل دولي أو إقليمي". وتابع: "أنا أعلم واحداً من هذه الأسماء، وقلت له: اترك العراق ولا تدخل مرة أخرى"، ورداً على سؤال استفهامي حول تدخل هذا الشخص، قال: "لا أدري هل هو تكليف من دولة أو تدخل بشكل شخصي أو من حزب... ما أعرف". مستدركاً أيضاً "لا أدري... أعتقد أنه ترك العراق".
طرده دون تردد ... من هو الشخص الذي طلب منه المالكي مغادرة العراق لتدخله في اختيار الرئاسات.. #المناورة #الرابعة
— قناة الرابعة - Al Rabiaa TV (@alrabiaatv) October 28, 2021
تردد القناة 11678 27500 V pic.twitter.com/40smclgXzm
وتواصل "العربي الجديد" مع قيادات عدة بارزة في تحالفي "دولة القانون" و"الفتح"، للاستفسار حول الشخص المعني في تصريحات المالكي، لكن أياً منهم لم يوافق على التحدث عن الموضوع، وقال أحدهم عبر الهاتف إن "الموضوع زعل بين الحجي أبو إسراء (نوري المالكي) وهذا الشخص، وستتم مصالحتهما قريباً"، وفقاً لتعبيره. وحيال هوية الشخصية المقصودة، قال إنها "ليست إيرانية"، موضحاً أن سبب الخلاف يعود إلى "طروحات هذه الشخصية بين القوى السياسية"، وفقاً لقوله.
في المقابل، قالت صحيفة "العالم الجديد" العراقية، في تقرير موسع لها، إن الشخص المعني بالطرد من العراق هو ممثل "حزب الله" اللبناني في العراق محمد كوثراني، ونقلت الصحيفة عن مصادر خاصة، لم تذكر هويتها، قولها إن كوثراني "جرى طرده من بغداد من قبل أبرز القوى الشيعية، وتم إبلاغه بعدم تدخله في تشكيل الحكومة المقبلة، بل وعدم مجيئه للعراق"، على حدّ تعبير الصحيفة.
وأوردت الصحيفة الصادرة في بغداد أن انزعاج بعض القوى الشيعية في العراق من كوثراني "جاء بناءً على تنامي نشاطه داخل العراق، المرتبط ببعض السياسيين ورجال الأعمال الذين تحوم حولهم شبهات فساد، بالإضافة إلى دخوله في مشاريع تجارية كبيرة، فضلاً عن تقويته بعض الأشخاص ودعمهم لتسلّم مناصب عليا في البلد".
وتؤكد المصادر للصحيفة ذاتها أن "كوثراني هو من كان يقصده زعيم (ائتلاف دولة القانون) نوري المالكي في حوار متلفز قبل أيام، حيث أشار إلى طرده شخصية إقليمية من العراق، نظراً لتدخلها باختيار الرئاسات الثلاث في البلد، مبينة أن "المالكي كان يعلم أن كوثراني يحاول دعم مصطفى الكاظمي (رئيس الوزراء) للحصول على ولاية ثانية، وأن هناك تنسيقاً بينهما بهذا الشأن"، معتبرة حديث المالكي الأخير أنه "حاول إيصال رسالة قوية لرفض بقاء الكاظمي".
وأعلنت الولايات المتحدة في إبريل/نيسان 2020، عبر ما يعرف ببرنامج "مكافآت من أجل العدالة" التابع لوزارة الخارجية الأميركية، عن مكافأة بقيمة 10 ملايين دولار لمن يوفر معلومات عن محمد كوثراني، الذي اتهمته بأنه تسلم التنسيق السياسي للجماعات المسلحة المدعومة من إيران.
وفي حديث مقتضب، قال الناشط السياسي وعضو التيار المدني أحمد حقي إن المالكي مطالب بـ"الكشف عن تلك الشخصية، أو إن التصريح يبقى مشكوكاً بصحته مثل كثير من تصريحاته، خصوصاً أن العراق يشهد تدخلات كثيرة ليست من إيران أو الولايات المتحدة أو (حزب الله) اللبناني فقط، بل حتى من تركيا والسعودية ودول مختلفة، تحت غطاء المساعدة في تخفيف التوترات السياسية".
واعتبر في حديث لـ"العربي الجديد" أنه "حتى لو صحت الرواية، فإن قرارات الإبعاد من الدولة بهذه الصورة عبر زعماء الأحزاب تؤكد الفوضى التي تعيشها الدولة العراقية، وغياب الموقف الرسمي السيادي أمام مواقف وآراء الكتل السياسية".
وفي هذا السياق، قال الخبير بالشأن الأمني العراقي أحمد النعيمي إن "إشاعة فكرة طرد شخصية غير عراقية، تحت عنوان تدخلها في الشأن العراقي، تمثل دعاية ترويجية بطريقة غير مباشرة لقوى متهمة أساساً من الشارع بأنها مرتبطة بالخارج"، مضيفاً، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن من أبرز التهم التي تواجه القوى السياسية هي الارتهان للخارج بمختلف مكوناتها، القوى الشيعية والسنية والكردية، وهو ما ترجمه غضب الشارع في التظاهرات الأخيرة، وتحديداً التدخل الإيراني والأميركي وما خلفه من أضرار على الشأن الداخلي العراقي، لذا يمكن أن تكون فعلاً هناك شخصية دخلت إحدى القوى بمشادة معها لتقاطع مصالحها فقط، وليس من إطار وطني كما يصور المالكي، خصوصاً أن حالة الطرد جاءت بعد 18 سنة من تدخل فاضح من دون موقف واضح من تلك القوى".
واعتبر أن "الحادثة تبقى محصورة ضمن سياق حزبي أو سياسي، ولا يعتقد أنها ستخلف آثاراً أو تغييرات في المشهد العام المتعلق بتأثيرات الأطراف الخارجية في رسم شكل الحكومة المقبلة".