يترقب التونسيون أن يصدر الرئيس التونسي قيس سعيّد مرسوماً انتخابياً إعداداً للانتخابات التشريعية المعلنة في 17 ديسمبر/كانون الأول، في ظل قلق أحزاب سياسية مؤيدة لسعيد من استبعاده لها من إرساء قواعد اللعبة الانتخابية، وعدم اكتراث معارضيه الذين يتوقعون الأسوأ.
وأمس الإثنين، استقبل سعيّد رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر، وبحث معه استعدادات الهيئة للانتخابات التشريعية. وبحسب بيان للرئاسة، أكد سعيد أنه سيوضع "مشروع نصّ جديد مع اعتبار الملاحظات والمقترحات التي سيتقدّم بها الذين دعّموا المسار الإصلاحي ليوم 25 يوليو/تموز وانخرطوا في عملية التأسيس الجديد، عكس الذين يظهرون ما لا يبطنون وتسلّلوا باسم هذا المسار دون أن تكون لهم أي علاقة به".
وتزيد هذه التصريحات الغامضة من مخاوف إصدار قانون انتخابي بشكل فردي، يتضمن مشكلات الدستور الفردي نفسها، بينما يكشف غضب سعيد من بعض مناصريه نوايا استبعادهم وإقصائهم، فضلاً عن معارضيه.
وشدد المتحدث الرسمي باسم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات محمد التليلي المنصري، في تصريح إعلامي، على "ضرورة أن يكون القانون الانتخابي الجديد جاهزاً قبل 17 سبتمبر/أيلول القادم حتى نتمكن من القيام ببقية أعمالنا".
وينتظر أن يصدر سعيد أمراً، في 17 سبتمبر/أيلول، بدعوة الناخبين استعداداً لانتخابات أعضاء مجلس نواب الشعب، على أن تنطلق الفترة الانتخابية يوم 25 من الشهر ذاته، وأن تنطلق الحملة الانتخابية التشريعية في 27 نوفمبر/تشرين الثاني، أي قبل 21 يوماً من تاريخ الاقتراع العام.
وتترقب الأحزاب الداعمة لمسار 25 يوليو/تموز بقلق كبير مضي الوقت سريعاً دون إشراكها في حوار حول المرسوم الانتخابي، فيما يتزايد هاجس مضي سعيد في إصدار هذا المرسوم بشكل أحادي على غرار كتابته دستور البلاد.
وعلى لسان رئيس مجلسها الوطني عبد الرزاق عويدات، عبّرت "حركة الشعب" (تدعم الرئيس سعيد) "عن قلقها لتأخر صدور المرسوم الانتخابي، والحال أننا على أبواب 17 سبتمبر/أيلول، وهي المدة القانونية لدعوة الرئيس الشعب التونسي للانتخابات التشريعية، وإلى حد الآن لا نعلم كيف ستكون قواعد اللعبة الانتخابية".
وأضاف عويدات، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "حركة الشعب عبرت في أكثر من مرة عن ضرورة توازي المسارات المتعلقة بالدستور والقانون الانتخابي، وشددت على ضرورة أن تكون صياغة القانون الانتخابي تشاركية، وهو ما لم يتم".
وبين "ضرورة إشراك كل الأطراف المعنية بالانتخابات والأطراف التي ستشرف وتراقب العملية الانتخابية من جمعيات مختصة، والأحزاب التي ستشارك في الانتخابات ينبغي أيضاً أخذ رأيها وهناك مختصون وخبراء كان يمكن الاستعانة بهم".
وبحسب المتحدث، لم يعد الوقت كافياً لإنجاز حوار حول القانون الانتخابي، وتخشى "حركة الشعب" من "صياغة قانون انتخابي بشكل فردي، يركز فقط على الجانب الإجرائي على الأفراد أو القوائم، في حين أن الهاجس الأكبر لحركة الشعب يتمثل في كيفية صيانة وحماية المناخ الانتخابي من جميع الإخلالات المتعلقة بالإعلام والتمويل وسبر الآراء وعلاقة الجمعيات بالأحزاب وهو ما يفسد الحياة السياسية والعملية الانتخابية".
وأمس الإثنين، دعت "حركة تونس إلى الأمام" (تساند الرئيس سعيد) إلى استصدار القانون الانتخابي باعتماد التشاركية وبنائه على مبادئ الحيلولة دون اعتماد المال الفاسد وسدّ منافذ التحايل والتزوير، والحيلولة دون اعتماد الدين والمساجد في الانتخابات، وتأكيد حيادية الإعلام، إلى جانب دور الأحزاب في التّأسيس لتونس الديمقراطية، بحسب بيان لها.
وكانت الولايات المتحدة الأميركية قد حثت "على اعتماد قانون انتخابي بشكل تشاركي يتيح أوسع مشاركة ممكنة في الانتخابات التشريعية المقبلة''.
أما معارضو سعيد فلا يبدون اهتماماً كبيراً بهذا الجدل، بسبب رفضهم المسار كاملاً، وتوقعهم الأسوأ من ناحية أخرى: الإقصاء مثلاً.
وقالت القيادية في "حركة النهضة" يمينة الزغلامي، في تصريح لـ"العربي الجديد": "إننا اليوم في وضع انقلاب وليس هناك برلمان ليصادق على قانون. انتهى عصر العمل التشاركي بين البرلمان والحكومة والمجتمع المدني والهيئة العليا المستقلة للانتخابات، ومع كل الفاعلين، حيث كان البرلمان يوسع الاستشارة في مسائل مفصلية على غرار القانون الانتخابي، بالاستماع إلى الخبراء ورجال القانون والجمعيات وكل الحساسيات".
واستدركت بالقول: "انتهى ذلك العصر، ومن يتخيل أن سعيد سيشرك أيّاً كان في صياغة هذا المرسوم فهو واهم، بل إنه لم يفهم ما حصل منذ 25 يوليو/تموز ولم يستوعب ما حدث من مسرحية حوار وثيقة قيس سعيد (الدستور) وما تعرض له المشاركون ورئيس الهيئة من احتقار".
وتابعت: "بين ساعة وأخرى سيصدر سعيد مرسومه الانتخابي وسيستكمل به مشروعه الذي يتمثل في برلمان شعب موالٍ ومتناسق مع رؤيته وسينهي به الحياة الديمقراطية التنافسية، وسيقع نسف الحياة الحزبية حتى ممن ساندوه".
وحذرت الزغلامي من أنه "عبر هذا المرسوم سيقع إقصاء واجتثاث كل من ساهم في العملية السياسية منذ 2011، ثم سيصدر مرسوم مجلس الجهات، وسينسف بها البلديات المنتخبة التي لا تتماشى مع برنامجه القاعدي".
ذهب عضو المكتب السياسي لـ"حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري" محمد الجلاصي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "لا يمكن الحديث عن معايير دولية انتخابية وآجال قانونية، فتونس منذ 25 يوليو/تموز 2021 تعيش خارج المنطق والقانون، وتسير وفق منطق قيس سعيد الذي كتب دستور البلاد عقداً اجتماعياً بمفرده، لا أتصور أنه سيشرك أحداً في صياغة مرسوم الانتخابات، ولا أظن أنه سيستجيب للمعايير الدولية والقواعد المتعارف عليها"، متسائلاً: "هل سيتم احترام الآجال في المرسوم الانتخابي؟".