لم يعد يفصل الليبيين عن الاحتفال بذكرى ثورة 17 فبراير/شباط 2011 إلا أيام معدودة. ذلك اليوم الذي لم يكن مخططاً له، ولم يدر بخلد النظام السابق أن يتفجر فجأة ومن دون سابق إنذار.
فهل يكرر الليبيون انتفاضتهم على ما تبقى من قيم وفكر وتقاليد ذلك النظام، التي لا تزال راسخة في أذهان من يسعون لانتزاع حق الشعب في الانتخابات، ويستخدمون ذات الآليات القديمة للالتفاف والبقاء في السلطة رغماً عنه.
اللافت أن مشهد فبراير تكرر بطريقة سلمية عام 2014، عندما خرج الليبيون في تظاهرات، اشتهرت إعلامياً باحتجاجات "لا للتمديد"، ومنعوا بذلك البرلمان السابق (المؤتمر الوطني العام) من التمديد لنفسه لأشهر أخرى.
وأرغم المتظاهرون وقتها البرلمان على تعديل قوانينه الانتخابية بواسطة "لجنة فبراير"، التي تألفت من فقهاء قانونيين من خارج البرلمان. وجرت الانتخابات بالفعل بعد أربعة أشهر.
ورغم ألم التجربة، إلا أنها قد تكون مفيدة بشكل كبير. فالبرلمان الذي كافح الليبيون من أجله، وتم انتخابه في 2014، لا يزال متشبثاً بالسلطة حتى الآن، ويريد التمديد لنفسه، عبر خريطة طريق لا نهاية لها، وإن حدد لها 14 شهرا مقبلاً.
يضاف إلى هذا سجله السياسي المليء بالمناكفات والتجاوزات، ليس أقلها شرعنة حروب جنرال متمرد متقاعد طاولت أغلب أجزاء البلاد، ورسمت صوراً لا تزال ماثلة في الأذهان، من نزوح وقتل وتشريد، وإخفاء ومقابر جماعية.
كما أن البرلمان الأول (المؤتمر الوطني العام) نجح هو الآخر في التحايل والالتفاف، وعاد من بوابة الحوار السياسي في ثوب جديد، ليمارس دور الغرفة الثانية للبرلمان، بدرجة جسم استشاري في الظاهر. لكنه شكل، طيلة السنوات الماضية، واجهة لطرف سياسي، خصماً تارة وشريكاً سياسياً للبرلمان في طبرق تارة أخرى.
وفي الخلفية، ظهر جلياً أن ملتقى الحوار السياسي، بصيغته الدولية المكونة من 75 ممثلاً ليبياً، لم ينه الانقسام السياسي في البلاد، بإنتاجه سلطة تنفيذية موحدة.
فالبلاد لا يزال برلمانيون يحكمونها، وحكومة لا تحمل من شعارات الوحدة الوطنية إلا اسمها. وبات جلياً أنها، هي الأخرى، تمثل طرفاً سياسياً، ينتقد تفرد مجلس النواب بالقرارات، ويعلن بشكل منفرد، في الوقت ذاته، عن مشروع مشاورات موسعة لخطة تقود إلى انتخابات خلافا لخطة البرلمان.
من قال إنّ الأنظمة المستبدة تسقط عبر الأشخاص ورموز الحكم. فأفكار وثقافة عقود من حكمها لا يمكن اجتثاثها بثورة واحدة. فهل يثور الليبيون في فبراير مجدداً على ثقافة وأفكار تلك الأنظمة، ويفرضون مجدداً ما تمكنوا من فرضه في 2011 و2014، ويستفيدوا من التجربتين، بإنتاج مشروع وطني يضمن أوسع مشاركة سياسية فيه.