تتحرك ألمانيا مجددا لحشد الدعم الدولي للعملية السياسية في ليبيا، من خلال استضافتها لمؤتمر برلين في نسخته الثانية، الذي حددت له تاريخ 23 يونيو/حزيران الجاري، ودعت إليه جل الأطراف التي شاركت في نسحته الأولى.
وأوضحت وزارة الخارجية الألمانية، في بيان لها أمس الثلاثاء، أن المؤتمر يستهدف تقييم الجهود المحرزة في العملية السياسية منذ مؤتمر برلين السابق، الذي انعقد في 19 يناير/كانون الثاني 2020، ومناقشة "الخطوات التالية لتحقيق استقرار مستدام في ليبيا".
وأشار البيان إلى أن المؤتمر سيركز على أولويات المرحلة، وعلى رأسها الاستعدادات الجارية لإجراء الانتخابات في موعدها المحدد نهاية العام الجاري، وملف انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة، وفقا للاتفاق العسكري الموقّع بين أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
كما أشار بيان الخارجية الألمانية إلى أن المؤتمر سيناقش إنشاء قوة أمنية ليبية موحدة، مؤكداً أن سعي برلين إلى استضافة هذا المؤتمر بالتنسيق مع الأمم المتحدة "يعد تعبيرا عن الدعم الدولي المتواصل لتحقيق الاستقرار والسلام في ليبيا".
في غضون ذلك، كشفت مصادر مقربة من وزارة الخارجية الليبية في طرابلس، المزيد بخصوص أجندة المؤتمر، منها مناقشة ملف استمرار تدفق السلاح والمقاتلين والبلدان المتورطة فيه، وكذا نتائج مشاورات المسار الاقتصادي الذي تراعاه الأمم المتحدة، كأحد مسارات الحل الثلاثة في ليبيا، والنظر في أثرها على جهود السلطة الليبية في توحيد المؤسسات الاقتصادية، لا سيما البنك المركزي.
كما كشفت المصادر، التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، شريطة عدم ذكر اسمها، عن طلب ليبيا توسيع البند المتعلق بإنشاء قوة أمنية مشتركة ليشمل جهود توحيد المؤسسة العسكرية كاملة، لاتصاله الوثيق باتفاق الوقف النهائي لإطلاق النار وإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة.
ولا تبدو مطالب الجانب الليبي متوافقة مع أجندة المؤتمر المعلنة، بحسب الباحث الليبي في الشأن السياسي، الجيلاني ازهيمة، متوقعا أن نتائجه لن تتعدى سعي الأطراف الخارجية لحماية مصالحها وتحقيق أهدافها من دون مساعدة الليبيين في تخطي عقبات العملية السياسية.
وفي حديث لـ"العربي الجديد"، أوضح ازهيمة أن أجندة المؤتمر المعلنة تكشف شكل الأهداف والمصالح الدولية المرتبطة بالأزمة الليبية، وقال "عزل ملف المرتزقة والمقاتلين الأجانب عن جهود توحيد المؤسسة العسكرية يعني الاقتصار على ما يخدم مصالح تلك الدول الساعية إلى عزل تركيا وروسيا وإجبارها على التنازل لأهداف أخرى". كذلك اعتبر بند إنشاء قوة أمنية مشتركة تجاوزا واضحا لعملية توحيد المؤسسة العسكرية، من دون أن يستبعد أن يكون ذلك بطلب من داعمي اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، للإبقاء عليه في المشهد كورقة احتياطية.
وتابع ازهيمة قائلا "كيف يمكن فهم شعار أن برلين الثاني يهدف إلى تعزيز الاستقرار ونجاح العملية السياسية وهم يصرّون على إجراء الانتخابات في موعدها من دون الالتفات إلى عمق الأزمة الدستورية التي تقف عقبة أمامها"، معتبرا أن الأساس الدستوري للانتخابات غير مهم للمجتمع الدولي بقدر اهتمامه باستمرار فترات الانتقال السياسي.
وشدد بالقول "كما كان برلين الأول لقاء لتسوية خلافات المتدخلين في الملف الليبي، كذلك فإن الحديث عن تقييم مخرجاته في النسخة المقبلة يعني تصميم نتائجه على مقاس مصالحهم، وفرض حلول لا تخدم أزمة البلاد إلا بقدر ما تخدم حل خلافاتهم".
واعتبر ازهيمة أن انعقاد المؤتمر على مستوى دولي بعد أشهر من الانفراجة السياسية يعني أن المسار السياسي في مستواه الدولي ما يزال يمر بعديد التعقيدات والخلافات بين كل تلك العواصم.
من جهتها، ترى الباحثة الليبية في العلاقات الدولية، إيناس محمود، أن الآمال المرتبطة بالمؤتمر في هذا التوقيت الحساس كبيرة، موضحة أن "كل العراقيل الداخلية أسبابها وحلولها في الخارج".
وقالت محمود، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "المؤتمر سيكون حاسما في مسألة مغادرة القوات الأجنبية والمرتزقة، ما يعني حلحلة أكبر عقبة أمام المخاوف من عودة الاحتراب وتوحيد المؤسسة العسكرية"، مرجحة أن يكون اللقاء الذي جمع حفتر بالمبعوث الأممي لدى ليبيا، يان كوبيتش، أمس الثلاثاء، في مقره العسكري، على صلة بذلك، وأن حفتر ربما تلقّى رسالة واضحة بأنه لن يكون ممثلا في المؤتمر المقبل، بخلاف المؤتمر السابق.
وتابعت قائلة "قد يكون لقاء كوبيتش بحفتر على صلة أيضا بالموقف الدولي من المعرقلين، والذي سيكون ترجمة واقعية لقرارات مجلس الأمن الأخيرة التي أكدت أن المعرقلين سيلاحقون"، مشيرة إلى أن الأمر المختلف في المؤتمر المقبل أن الحضور الليبي سيكون ممثلا بسلطة موحدة نالت اعتراف المجتمع الدولي بها، وهو ما يعني أنه ملزم بالاستماع لمطالبها.