ينتقل قطار التسويات بين بلدات الريف الغربي في محافظة درعا، جنوبي سورية، مع دخول قوات النظام إليها تباعاً لاستلام الأسلحة من الأهالي وإجراء تسويات لمدنيين وعسكريين، ضمن خريطة روسية من غير الواضح بعد ما إذا كانت ستشمل بلدات في ريف درعا الشرقي تحت سيطرة "اللواء الثامن" التابع للروس. حول هذه التطورات، ذكر الناشط الإعلامي أبو محمد الحوراني، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن قوات النظام قامت، أمس الأربعاء، بحملة تمشيط في بلدة زيزون، غربي درعا، في إطار الاتفاق مع اللجنة المركزية في محافظة درعا، وضمن اتفاقات التسوية وفق الرؤية الروسية، التي بدأت في مطلع شهر سبتمبر/ أيلول الحالي في منطقة درعا البلد. وأشار الحوراني إلى أن عدة بلدات وقرى في ريف درعا الغربي أجرت تسويات مع قوات النظام تحت إشراف روسي، وهي: تل شهاب وقرى في محيطها، والمزيريب، واليادودة، وطفس، موضحاً أنه بقيت في الريف الغربي خارج التسويات منطقة حوض اليرموك التي تضم 11 بلدة.
وفي السياق، قدّرت مصادر محلية عدد الأشخاص الذين أجروا تسويات في محافظة درعا حتى يوم أمس بنحو 3000 شخص، مشيرة إلى أن قوات النظام استلمت قطع السلاح الخفيف، كما انتشرت في العشرات من المواقع داخل البلدات. وبيّنت أن كل بلدات الريف الغربي في محافظة درعا ستدخل تباعاً ضمن اتفاق التسوية الروسية.
قوات النظام بدأت بإزالة السواتر الترابية من حاجز السرايا
في موازاة ذلك، أشار "تجمع أحرار حوران" إلى أن قوات النظام بدأت أمس بإزالة السواتر الترابية من حاجز "السرايا"، الفاصل بين أحياء درعا البلد وطريق السد والمخيمات ومركز مدينة درعا، لافتاً إلى أنها بدأت بإخلاء حاجز المخابرات الجوية الواقع بين المنطقة الصناعية ومخيم درعا، وفق اتفاق بين لجنة النظام الأمنية ولجنة درعا البلد، حصل يوم أول من أمس الثلاثاء. وكان النظام السوري قد بدأ في ذلك اليوم بتغذية أحياء درعا البلد بالتيار الكهربائي، بعد انتهاء الحصار الذي امتد لنحو ثلاثة أشهر قبل التوصل لاتفاق التسوية. ومع استمرار دخول قوات النظام إلى بلدات وقرى الريف الغربي في محافظة درعا، بقي الريف الشرقي لمحافظة درعا خارج التسوية الأخيرة، في ظلّ خضوعه لتسويات العام 2018، التي تمنع قوات النظام من الدخول إليه. والبلدات هي: صيدا، نصيب، الجيزة، المسيفرة، السهوة، الحراك، الكرك الشرقي، غصم، المليحة الغربية، المليحة الشرقية، الغارية الغربية، الغارية الشرقية، بصرى الشام، المتاعية، الطيبة، مليحة العطش، علما، معربه، أم ولد، أم المياذن، طيسيا. وتقع كل هذه البلدات تحت سيطرة "اللواء الثامن" التابع لـ"الفيلق الخامس"، الذي تشرف عليه وزارة الدفاع الروسية، ويضم مقاتلين سابقين في فصائل المعارضة السورية كانوا قد اختاروا البقاء في بلداتهم وإجراء تسويات مع النظام في منتصف عام 2018.
من جهته، أوضح الناشط الإعلامي يوسف المصلح، من "تجمع أحرار حوران" الذي يضم صحافيين وناشطين من جنوب سورية، أن الريف الشرقي من محافظة درعا يضم عشرات القرى، مرجّحاً أن يكون عدد سكان هذا الريف نحو نصف مليون شخص. وأشار في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "الوضع المعيشي سيئ باستثناء عائلات المغتربين"، مضيفاً أن هناك عدداً كبيراً من أبناء هذه المنطقة مغتربون منذ ما قبل الثورة السورية التي بدأت في ربيع عام 2011. وتوقع أن تدخل ضمن عمليات التسوية الجديدة البلدات والقرى البعيدة عن بلدة بصرى الشام. ويتاخم الريف الشرقي لمحافظة درعا الريف الغربي لمحافظة السويداء، والتي تشهد هي الأخرى اضطرابات بين وقت وآخر. وكثرت خلال السنوات الماضية عمليات خطف الأشخاص من الجانبين، وهو ما أدى إلى اشتباكات بين مجموعات محلية مسلحة من المحافظتين. وكانت قد جرت اشتباكات دامية في سبتمبر 2020 بين "اللواء الثامن" وحركة "رجال الكرامة" أدت إلى مقتل مسلحين من الطرفين بسبب خلافات محلية.
الوضع المعيشي سيئ باستثناء عائلات المغتربين
وأشار المحلل السياسي محمد العويد، وهو من أبناء محافظة درعا، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "ريف درعا الشرقي ضمن اتفاقات التسوية التي أبرمت تحت رعاية روسية في منتصف عام 2018"، لافتاً إلى أن مقاتلي هذا الريف انضووا في "اللواء الثامن" تحت قيادة أحمد العودة. وعن مصير هذا اللواء، ومستقبل ريف درعا الشرقي، أعرب العويد عن اعتقاده بأن "الأمور غير واضحة حتى اليوم"، مرجحاً أن يكون "الريف الشرقي أكثر استقراراً، لأن هناك علاقة ما مع الجانب الروسي. وبقاء الروس في سورية يعني بقاء الفيلق الخامس، ومن ضمنه طبعاً اللواء الثامن في بلدة بصرى الشام". وأضاف أنه "في حال التوصل لتسوية سياسية في سورية فذلك يعني انخراط أفراد اللواء الثامن ضمن المؤسسة العسكرية السورية".
ويقود "اللواء الثامن"، الذي يتخذ من بلدة بصرى الشام مكان تمركز له، أحمد العودة، الذي يُنظر إليه على أنه رجل روسيا في جنوب سورية، وكان له الدور الأبرز في التسويات التي جرت في منتصف عام 2018. وهي التسويات التي أنهت الحرب رسمياً بين فصائل المعارضة وقوات النظام بعد نحو 7 سنوات من الاشتباكات التي سيطرت خلالها الفصائل على الجزء الأكبر من محافظتي درعا والقنيطرة في جنوب سورية، قبل أن يستعيد النظام زمام المبادرة العسكرية مع بدء التدخل الروسي في 30 سبتمبر 2015. وغيّر هذا التدخل خريطة السيطرة في الجنوب السوري وصولاً إلى عام 2018، حين هدد الروس بعمليات عسكرية تتضمن قصفاً جوياً، ما دفع فصائل المعارضة إلى إبرام اتفاقيات تسوية، لم تجلب الاستقرار لمحافظة درعا مع تفشي حالة الفلتان الأمني وعمليات الانتقام من المعارضين من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للنظام.