هل يعرقل بوتين تشكيل ائتلاف "إشارات المرور" الحكومي الألماني؟

14 نوفمبر 2021
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو (Getty)
+ الخط -

يبدو أن مسار ائتلاف "إشارات المرور" الحكومي الألماني لن يكون معبّدا كما كان متوقعا، فبعد انطلاقة المحادثات الاستكشافية بين الأحزاب الثلاثة الاشتراكي الديمقراطي والخضر والليبرالي الحر، برزت الخلافات حول ملفات داخلية؛ كحماية المناخ والسياسات المالية والضريبة، وهما عاملان أساسيان قد يعرقلان المضي قدما في المفاوضات بشأن الاتفاق على التحالف المستقبلي بزعامة الاشتراكي أولاف شولز بعد الخسارة التي مُني فيها الحزب المسيحي الديمقراطي، الذي غادرت زعيمته أنجيلا ميركل الحياة السياسية، وحلّ ثانيا، وربما يحجز لنفسه خلال هذه الدورة التشريعية مقعدا في صفوف المعارضة.

صحيفة "تاغس شبيغل" ذهبت إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ربما يكون مساهما في عرقلة المفاوضات، في ظل النزاع القائم بين حليف الكرملين الديكتاتور البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو ودول الاتحاد الأوروبي على خلفية اتهامه بالسماح عمدا بتدفق المهاجرين إلى دول الاتحاد، بعد وصولهم جوا من دول الشرق الأوسط وأفريقيا إلى مينسك بتأشيرات سياحية لأيام معدودة، ويقبع الآلاف منهم على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا، بعد عمليات الصد من قبل الجيش البولندي عند الحدود، في ظروف إنسانية صعبة ودرجات حرارة منخفضة أدّت إلى وفاة العديد منهم. وعلى خلفية تَوَجُّه الاتحاد الأوروبي لفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية عليه، ألمح لوكاشينكو إلى احتمال إقفال خط الغاز الذي يمرّ عبر بيلاروسيا إلى أوروبا إذا ما فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات جديدة على بلاده.

نقل الغاز الروسي إلى ألمانيا وأوروبا

ومع تفاعل الأزمة على الحدود البيلاروسية البولندية، يحتدم النقاش بين الخضر والاشتراكي الديمقراطي حول أهمية نقل الغاز الروسي إلى ألمانيا وأوروبا بعد أن تم الانتهاء من خط نورد ستريم 2 الذي يمر عبر بحر البلطيق، لا سيما أن الأخير يؤيد منح التراخيص والشهادات المطلوبة لتشغيل الخط بأقصى سرعة ممكنة، وذلك بعد أن ارتفعت أسعار الغاز هذا العام إلى مستويات قياسية مقارنة بالأعوام الماضية، فيما يعتقد الخضر أن شركة "غاز بروم" الروسية لا تفي بالشروط المطلوبة، وبالأخص البيئة اللازمة، ويرى ضرورة تقليل الاعتماد على الغاز الروسي، مع أن منشآت تخزين الغاز الاستراتيجي في ألمانيا لا تحتوي سوى على 70% من قدراتها الاستيعابية.

وتعزو روسيا أسباب نقص الإمدادات إلى أوروبا إلى زيادة الطلب من الصين وعودة الدورة الاقتصادية بعد الركود خلال جائحة كورونا، عدا عن حاجتها إلى تعزيز مخزونها بحكم عمليات الاستهلاك الكبيرة خلال العام الماضي. يأتي ذلك وسط الحديث عن أن موسكو لجأت إلى هذه الخطوة بغية الضغط على ألمانيا والاتحاد الأوروبي لاستصدار التراخيص المطلوبة لتشغيل نورد "ستريم 2"، وما لذلك من مردود مالي ضخم على اقتصادها.

قضايا المناخ والهجرة

وفي ما خص المناخ والهجرة، هناك اختلاف في وجهات النظر في مفاوضات الائتلاف، إذ يرى الاشتراكي أن الحاجة إلى الغاز الروسي بمثابة "تقنية الجسر"، وهو تعبير لوصف تقنية معينة تتم الاستعانة بها في فترة انتقالية ريثما يتم الوصول إلى التكنولوجيا المأمولة في المستقبل - أي الطاقة المتجددة.

أما بخصوص الهجرة، ففي حين يريد كل من الاشتراكي والليبرالي الحر تعزيز أمن الحدود وسيادة القانون، بما في ذلك ترحيل طالبي اللجوء المرفوضين، يريد الخضر منح المزيد من الحقوق للاجئين. وعلّقت "تاغس شبيغل" بأنه لا يمكن حل النزاع بتنازلات لغوية منمّقة في أوراق التحالف الاستكشافية، فيما يتصاعد، حاليا، النزاع حول كلٍ من تشغيل خط الغاز وأزمة اللاجئين بشكل حقيقي.

الباحث في شؤون الهجرة ومعدُّ اتفاق اللاجئين بين الاتحاد الأوروبي وتركيا غيرالد كناوس يعتقد أن "الصراع بين بيلاروسيا وبولندا يعتبر نجاحا لكل من لوكاشينكو وبوتين، بعد استدراج المهاجرين من قبل لوكاشينكو، وهذا ما يمكن أن يصيب دول الاتحاد الأوروبي بالذعر، فالأخير يظهر أبشع جوانبه، وهذا يعدّ بالفعل هزيمة وكارثة استراتيجية.

بوتين يتدخل في أزمة المهاجرين

بوتين كان قد دعا الحكومة الألمانية أمس السبت، في مقابلة مع التلفزيون الرسمي، للدخول في حوار مباشر مع لوكاشينكو للتعاون في أزمة المهاجرين، مستنتجا بعد مكالماته المتكررة في الأيام الأخيرة مع ميركل التي طالبته بالتدخل لدى حليفه، ووعده لها بأنه سيسعى لحل، وبعد تواصله مع لوكاشينكو، أن الطرفين مستعدان للتحدث بعضهما مع بعض، ويأمل أن يتم ذلك.

تعتقد "تاغس شبيغل" أن بوتين قادر على إجبار لوكاشينكو على حل الأزمة، لا سيما أن الأخير يتّكل على زعيم الكرملين سياسيا واقتصاديا، وأشارت إلى أنهما "يتعاونان حاليا في لعبتهما الشريرة المتمثلة في استخدام إمدادات الغاز الروسي عبر بلاده، وضغط الهجرة كرافعة ضد ألمانيا وأوروبا إذا ما شدد الاتحاد الأوروبي العقوبات عليه على خلفية أزمة المهاجرين عبر الحدود مع بولندا".

المساهمون