هل يفشل انفتاح أنقرة على النظام السوري عبر المعابر؟

26 اغسطس 2024
من المعابر في الشمال السوري، 19 فبراير 2023 (بكر القاسم/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **رفض شعبي لفتح معبر أبو الزندين**: الضغط الشعبي المستمر أوقف إعادة فتح معبر أبو الزندين بين مناطق المعارضة والنظام السوري في ريف حلب، مما أدى إلى توقف حركة الشاحنات التجارية.

- **التوتر بين تركيا وسكان الشمال السوري**: المحاولة التركية للانفتاح على النظام السوري من خلال فتح المعابر التجارية فشلت بسبب الرفض الشعبي، مما يعكس عدم قدرة أنقرة على فرض سياساتها دون موافقة السكان المحليين.

- **التحديات السياسية والمجتمعية**: النقاش حول فتح معبر أبو الزندين يعكس تعقيدات سياسية ومجتمعية، حيث يلعب الحراك الشعبي ومؤسسات المجتمع المدني دوراً كبيراً في تعطيل القرارات السياسية المتعارضة مع مصلحة الأهالي.

أوقف الضغط الشعبي المتواصل إعادة فتح معبر أبو الزندين الرابط بين مناطق المعارضة السورية من جهة ومناطق النظام السوري من جهة أخرى في ريف حلب، شمالي سورية، في خطوة معطّلة للانفتاح الاقتصادي على النظام السوري على الأرجح، انطلاقاً من معابر الشمال السوري المعروف بكونه منطقة نفوذ تركية. وكان الجانب التركي قد أوعز لفصائل المعارضة السورية المرتبطة به قبل نحو أسبوع بفتح معبر أبو الزندين قرب مدينة الباب، شمال شرقي حلب، أمام حركة الشاحنات التجارية من مناطق النظام السوري وإليها، بهدف تعزيز مناخ التقارب بين أنقرة والنظام السوري بدفع وإشراف روسي. ولكن عموم سكان الشمال السوري رفضوا هذه الخطوة، ما دفع مجموعات محلية مسلحة إلى قصف المعبر بقذائف الهاون، مما أدى إلى توقف حركة الشاحنات، التي انطلقت من مناطق المعارضة إلى مناطق النظام السوري في البداية. ولم يتجلّ الرفض الشعبي في هذه الخطوة، بل أقيم اعتصام على الطريق المؤدي إلى المعبر، في دلالة واضحة على أن سكان الشمال السوري قرروا عدم السماح بفتح المعبر المفيد في إنعاش اقتصاد النظام السوري المتهالك. في المقابل، ظهرت دعوات للتظاهر مساء أمس الأحد، دعماً لفتح المعبر لـ"تحسين الواقع الاقتصادي ورفضاً لأي تدخّل خارجي".


معتز ناصر: ما حصل في مسألة إعادة فتح معبر أبو الزندين هو ممانعة شعبية غير مغطاة رسمياً

أنقرة والانفتاح على النظام السوري

وحتى اللحظة لم تنجح المحاولة التركية للانفتاح على النظام السوري من بوابات المعابر التجارية في الشمال السوري المكتظ بالفصائل والنازحين من مختلف المناطق السورية. وأظهرت المعطيات على الأرض في الشمال السوري أن أنقرة ليست مطلقة الصلاحية والتصرف في مناطق نفوذها في الشمال السوري، خصوصاً لجهة التطبيع والتقارب مع النظام السوري على حساب قوى الثورة والمعارضة في الشمال السوري، وهو ما جعل من أي تفاهمات تركية روسية غير ذات قيمة في حال رفضها من سكان هذا الشمال المثقل بالأزمات المعيشية والاقتصادية. فسكان الشمال السوري اعتبروا أن فتح المعبر مع النظام السوري تمهيد لسلسلة من التنازلات للنظام السوري الرافض حتى اللحظة المضي في العملية السياسية وفق القرار الدولي 2254. ولمناطق النظام السوري ارتباط مع مناطق المعارضة من خلال العديد من المعابر، ومنها معبر أبو الزندين في ريف حلب الشمالي الشرقي قرب مدينة الباب، وميزناز في ريف حلب الغربي، ومعبر الترنبه القريب من بلدة سراقب في ريف إدلب الشرقي. ودفع الجانب الروسي لفتح هذه المعابر والطرق الدولية لتوفير مناخات مناسبة للتقارب الذي ترعاه بين أنقرة والنظام السوري منذ أواخر عام 2022.

ورأى الناشط السياسي المقيم في الشمال السوري معتز ناصر، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "أنقرة تستطيع دائماً الاستثمار بحالة السيولة والفوضى الموجودة في ريف حلب الشمالي وتجييرها لصالحها عبر ضرب التشكيلات العسكرية السورية المعارضة بعضها ببعض". وتابع: "ما حصل في مسألة إعادة فتح معبر أبو الزندين هو ممانعة شعبية غير مغطاة رسمياً، فالموقف الرسمي مرتهن بشكل كامل للجانب التركي". وبرأيه أيضاً فإن "تركيا قادرة على تحريك أدواتها المحلية الرسمية ضد مجموعات الرفض الشعبي سواء بشكل خشن أو ناعم متى أرادت"، مضيفاً: لذلك اعتبر موضوع فتح المعبر مسألة وقت، وسينجم عنه شرخ مجتمعي بين الجيش الوطني المعارض وما يتبع له وبين الشعب.

من جهته، رأى الباحث السياسي أحمد قربي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "هنالك ثلاث نقاط يجب أخذها بالاعتبار قبل مناقشة قضية معبر أبو الزندين، الأولى: قضية فتح المعبر سياسية، بغض النظر عن موقفنا منها، ومن الطبيعي الخلاف في الملفات التكتيكية بعيداً عن التخوين من كلا الطرفين سواء الرافض لفتح المعبر أو المؤيد له. القضية في النهاية ليست مبدئية حتى توضع تحت عناوين (بيع دماء الشهداء)". وتابع: "النقطة الثانية أنه يجب التعاطي مع مصلحة الأهالي في المناطق المحررة من منظور سوري بحت بميزان المصالح والمفاسد الذي يفترض أن يكون هو معيار العمل السياسي، وذلك بعيداً عن تقاطعها مع مصلحة الأطراف الأخرى، ومن ضمنهم الطرف التركي. فمعيار المصلحة الوطنية للمناطق المحررة في قضية معبر أبو الزندين لا تكون من خلال مناكفة الطرف التركي أو غيره". وأضاف: "النقطة الثالثة أن لدينا إشكالا في تحديد الجهة التي يمكن أن تحدد هذه المصلحة. لدينا مؤسسات رسمية مثل الائتلاف والحكومة السورية المؤقتة ومجالس محلية وفصائل عسكرية ومؤسسات غير رسمية، منها مؤسسات المجتمع المدني بمختلف تشكيلاتها مثل النقابات والفرق والتطوعية والمنظمات الإنسانية والاتحادات الطلابية، إلى جانب التحركات الشعبية الموجودة على الأرض، ومن ثم هو صاحب الحق في التحدث باسم شمال غرب سورية وتحديد مصلحته؟".


هشام جوناي: سكان الشمال السوري غير قادرين على تعطيل الانفتاح التركي على النظام السوري

وبرأي قربي "إذا أخذنا هذه النقاط بالاعتبار، من الطبيعي أن يكون هناك اختلاف بين الآراء بخصوص إغلاق المعبر أو فتحه، خصوصاً في ظل وجود مشكلة الشرعية والتمثيل في مناطق انتشار الجيش الوطني، وفي ظل اختلاف معيار المصلحة الوطنية للمناطق المحررة الذي يريد البعض حصره في مناكفة الطرف التركي". وأشار إلى أن "تقدير المصلحة الوطنية للمناطق المحررة وفق المعطيات الحالية ليست حكراً على أحد، وإنما هي مرتبطة بمواقف كل من الحراك الشعبي والكيانات والفعاليات الرسمية منها وغير الرسمية، ولكن ضمن معيار مصلحة الأهالي في هذه المناطق بعيداً عن منطق المزايدة". ورأى أن هناك هامشاً كبيراً للحراك الشعبي ومؤسسات المجتمع المدني في منطقة سيطرة الجيش الوطني المعارض، و"المفترض أن يكون هذا الأمر إيجابياً لا سلبياً، بحيث لا تتحول الخلافات السياسية حول القضايا التكتيكية إلى انقسامات مجتمعية". ورأى قربي "أن ميزة التحرك الشعبي والنقابي المتاح حالياً في ريف حلب الشمالي القادرة على تعطيل أي قرار سياسي يتعارض مع المصلحة الوطنية لهذه المناطق، ليست بالمقابل مترافقة مع وجود مؤسسات أو كيانات تمتلك الشرعية قادرة في حال توفر المصلحة في قرار ما، على اتخاذه، الأمر الذي يجعلنا في حالة تعطيل من دون القدرة على المبادرة".

دور سكان الشمال السوري

في السياق، رأى المحلل السياسي التركي هشام جوناي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن سكان الشمال السوري غير قادرين على تعطيل التقارب والانفتاح التركي على النظام السوري، لأن جميع وسائل حياتهم مربوطة في تركيا من الكهرباء إلى المياه وحتى الخدمات التعليمية والصحية. وتابع: أي خطوة سيقدمون عليها في منع تنفيذ سياسات الحكومة التركية ستعرّضهم لضغوط كبيرة، لذلك لا أظن أن الحكومة التركية ستغير سياساتها حيال النظام السوري بعد هذه الخطوة (الحيلولة دون فتح المعبر) من سكان المنطقة. واتخذت أنقرة شريطاً حدودياً بعمق أكثر من 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، ممتد من ريف اللاذقية الشمالي الشرقي غرباً، إلى مدينة جرابلس على نهر الفرات شرقاً، منطقة نفوذ كامل لها. وفي شرق النهر، لديها منطقة نفوذ بطول 100 كيلومتر وعمق 33 كيلومتراً تضم تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، ورأس العين، شمال غربي الحسكة.

تقارير عربية
التحديثات الحية