يحتدم السجال داخل المجتمع الأميركي وفي الحوارات التلفزيونية حول التعديل الرابع عشر في دستور الولايات المتحدة، وما إذا يمكن أن يتحوّل إلى "السلاح" الذي سيطيح بالمستقبل السياسي للرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب، لا سيما في ظل لائحة الاتهام الطويلة التي تطارده وتمسّ آماله بالعودة إلى البيت الأبيض في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2024. وبينما يعد الديمقراطيون أول المدافعين عن إمكانية الاستناد للتعديل 14 مقابل معارضة الجمهوريين، إلا أن ثمة تحديات يواجهها الحزب الديمقراطي ومن يناصر خيار استخدام هذا التعديل.
التعديل 14 وأهلية ترامب للترشح
عُدِّل الدستور الأميركي 27 مرة. وللتعديل 14 حادثة تاريخية جُبل فيها الدم بالتراب، إذ شكّلت الحرب الأهلية في الولايات المتحدة، بين عامي 1861 و1865، ركيزة أساسية لتقريره.
شكّلت الحرب الأهلية في الولايات المتحدة، ركيزة أساسية لتقرير التعديل 14
عام 1868، تمّت المصادقة على التعديل بفقرة نصّت على أن "جميع الأشخاص المولودين في الولايات المتحدة والخاضعين لولايتها القضائية، هم مواطنون للولايات المتحدة وللولاية التي يقيمون فيها". ويتكون التعديل 14 من خمس فقرات، ورد في الثالثة النص التالي: "لا يجوز لأي شخص أن يصبح شيخاً أو نائباً في الكونغرس، أو ناخباً للرئيس أو أن يشغل أي منصب، مدنياً كان أو عسكرياً، تابعاً للولايات المتحدة أو تابعاً لأي ولاية، إذا سبق له أن أقسم اليمين كعضو في الكونغرس، أو كموظف لدى الولايات المتحدة، كعضو في مجلس تشريعي لأي ولاية، أو كموظف تنفيذي أو عدلي في أي ولاية، بتأييد دستور الولايات المتحدة، واشترك بعد ذلك في أي تمرد أو عصيان ضدها، أو قدّم عوناً ومساعدة لأعدائها".
ولكن التعديل حمل استثناءً للمانع، بنصه على أنه "يمكن للكونغرس، بأكثرية ثلثي الأصوات في كل من المجلسين أن يزيل مثل هذا المانع". وأُكد على ذلك في فقرته الخامسة: "إذ تكون للكونغرس سلطة تنفيذ أحكام هذه المادة بالتشريع المناسب".
من يقرر الحكم بالتعديل الرابع عشر؟
في مقابلة مع صحيفة "لوس إنجليس تايمز" في 6 سبتمبر/أيلول الحالي، قال أستاذا القانون ويليام بود من جامعة شيكاغو، ومايكل ستوكس بولسن من جامعة سانت لويس، عن أعمال التعديل 14: "إن تنفيذ شرط عدم الأهلية لا يعتمد على الكونغرس أو وزارة العدل فحسب؛ بل هي سلطة تقع على عاتق المئات من مسؤولي الولاية أو المقاطعة أو المسؤولين الفيدراليين الذين يمكنهم تحديد ما إذا كان المرشح مؤهلاً لشغل المنصب".
إذاً، هناك جهات عدة يمكنها البت في أهلية ترامب للترشح لانتخابات 2024. يمكن للولايات فرادى، إذا حكمت المحكمة العليا على مستوى الولاية، أن تمنع ظهور ترامب على بطاقة الاقتراع في ذات الولاية، وبالتالي لا يُمكن التصويت لترامب في تلك الولاية. كما يمكن، على مستوى فيدرالي أكبر وليس على مستوى الولاية فحسب، من خلال المحكمة العليا للولايات المتحدة، والتي تتألف من تسعة أعضاء، الحكم على أهلية ترامب للترشح للانتخابات انطلاقاً من التعديل 14. والمحكمة الفيدرالية هي الهيئة القضائية العليا في البلاد، وقرابة ثلثي أعضائها من المحافظين الأقرب للحزب الجمهوري.
تنفيذ شرط عدم الأهلية لا يعتمد على الكونغرس أو وزارة العدل فحسب، بل هي سلطة تقع على عاتق المئات من مسؤولي الولاية
في حين يمكن للكونغرس أن يصوّت، بمجلسيه، النواب والشيوخ، على عدم أهلية ترامب للترشح لانتخابات 2024. ولكن، في ظل غالبية جمهورية في مجلس النواب (225 عضواً من أصل 435) وعضوية جمهورية تمثل 49 مقعداً من أصل 100 في مجلس الشيوخ، فإن موضوع تصويت الكونغرس يمكن أن يصبح أكثر تعقيداً.
على الرغم من ذلك، يمكن للتعديل 14 أن يكون لترامب "كالقشة التي قصمت ظهر البعير"، إذ قال السيناتور الديمقراطي تيم كين، في مقابلة مع قناة "أي بي سي" هذا الأسبوع، "إن هناك حجة قوية يمكن تقديمها، بأن التعديل 14 يحرم الرئيس السابق ترامب من الترشح في عام 2024".
وأضاف كين: "من وجهة نظري، كان الهجوم على مبنى الكابيتول (في 6 يناير/كانون الثاني 2021 من قبل أنصار ترامب لمنع المصادقة على فوز جو بايدن بالرئاسة في انتخابات 2020) مصمماً لغرض معين في لحظة معينة. وكان ذلك لتعطيل التداول السلمي للسلطة على النحو المنصوص عليه في الدستور". ولهذا فإن السيناتور كين أوضح: "إحساسي هو أنه من المحتمل أن يتم حل المشكلة في المحاكم". وفي سياق توظيف ذلك لصالح حسابات الحزب الديمقراطي في انتخابات 2024، قال كين: "كما تعلمون، أعتقد أن ما يتعين علينا التركيز عليه من جانبنا هو أننا يجب أن نفوز".
تعديلٌ وسجالٌ ومحكمة
متابعة الحدث على مختلف وسائل الإعلام في الولايات المتحدة، تظهر أن السجال ليس جمهورياً - ديمقراطياً فحسب؛ بل هو سجال عام، وأصبح شغلاً شاغلاً لمعظم المتابعين لمحاولة الكشف عما يمكن أن تؤول إليه مرحلة ما قبل الانتخابات.
وتعقيباً على توظيف التعديل 14 ضد ترامب، أشار أستاذ القانون في جامعة جورج واشنطن، جوناثان تورلي، في مقابلة مع "فوكس نيوز" في 6 سبتمبر الحالي، إلى أنه "تمت كتابة هذا الحكم (أي التعديل 14) بعد الحرب الأهلية، والتي تُعتبر (الحرب) تمرداً حقيقياً مات فيه مئات الآلاف من الأشخاص". وأضاف: "من الجدير بالملاحظة أن ترامب لم يُتهم حتى بالتحريض، ناهيك عن التمرد، ومع ذلك يقولون إن هذا واضح ولا يتطلب حتى قراراً من الكونغرس، وأن أي قاضٍ يمكن أن يعلن ببساطة أن ترامب كان يدعم التمرد فهو غير مؤهل".
جوناثان تورلي: ترامب لم يُتهم حتى بالتحريض، ناهيك عن التمرد
في حين رد على ذلك الأستاذ الفخري في جامعة هارفرد، لورانس ترايب، في مقابلة في اليوم نفسه على قناة "سي أن أن" بالقول "إن تورلي لا يعرف عن ماذا يتحدث". وأضاف: "حقيقة عدم وجود تهمة تحريض أو إدانة، هي نقطة لا جدوى منها. تمت كتابة التعديل 14، على وجه التخصيص، كبديل يوضح ما إذا كنت مُداناً أم لا. لم يتوقعوا إدانة الأشخاص في عهد الرئيس أندرو جونسون بعد الحرب الأهلية. سواء تمت إدانتك أم لا، فهذه مسألة منفصلة، ولكن إذا شاركت في محاولة لقلب الحكومة، فلا ينبغي أن يُعهد إليك بالسلطة مرة أخرى".
وجادل أيضاً: "يقولون إن مئات الآلاف من الناس ماتوا آنذاك (أي في الحرب الأهلية). كم يجب أن يموت من الناس اليوم قبل أن نفرض هذا الحكم؟ كان هناك العديد ممن ماتوا في مبنى الكابيتول أثناء التمرد. هذا كله لا معنى له". ودعم حجته وأهمية تطبيق حكم التعديل 14 بالقول: "إن المحافظين، مثل القاضي (جي مايكل) لوتيج وأعضاء الجمعية الفيدرالية، يتفقون معي".
والجمعية الفيدرالية هي جمعية قانونية غير ربحية، تأسست عام 1982، تجمع محافظين وليبراليين مختصين بدراسات القانون والسياسة العامة، ويدعون إلى الإصلاح القانوني والقضائي، وإلى تفسير نصي وأصلي لدستور الولايات المتحدة من أجل ضمان الحريات.
أما القاضي جي مايكل لوتيج فهو قاضي استئناف فيدرالي سابق ومحافظ بارز أصبح من أشدّ المنتقدين لسلوك ترامب بعد انتخابات 2020. وكتب لوتيج في مجلة "ذا أتلانتك" (في 19 أغسطس/آب الماضي)، إن "الدستور الأميركي يمنع ترامب من أن يكون رئيساً للولايات المتحدة مجدداً".
تحديات إجرائية وليست جوهرية
بينما يحتد السجال بين مؤيد ومعارض لفرض التعديل 14 على حالة ترامب، تستعد بعض الولايات، مثل نيوهامشير، أريزونا، بنسلفانيا، جورجيا ونيفادا، للطعن في أهلية ترامب للترشح ارتكازاً على التعديل 14 والحكم بضلوعه في أعمال التمرد في 6 يناير 2021. وهذا يتماشى مع خيار أن تقوم بعض الولايات، كل منها على حدة، من خلال المحاكم العليا فيها، بإزالة ترامب عن بطاقات الاقتراع في ذات الولايات. وتقدمت ولاية ميشيغان بأول دعوى قضائية متعلقة بالطعن.
وحول ما إذا كانت تلك الولايات تستطيع أن تشكل كتلة مانعة لترشح ترامب، قال سكرتير ولاية أريزونا الديمقراطي، أدريان فونتس، في مقابلة مع "أي بي سي"، إنه "بعيداً عن الاعتبارات السياسية، فهذه (أي تطبيق التعديل 14) مسألة إدارية. هي نقطة زمنية لا يمكن تجنبها. ليس لدينا ترف الانتظار حتى نوفمبر 2024. وأي شخص يسيء فهم الجدول الزمني وما يعنيه إجراء الانتخابات، عليه أن يحرر نفسه من فكرة أن لدينا الوقت الكافي للتحرك نحو هذا القرار". في حين ثمة ولايات أخرى، مثل أوهايو، أطلقت اسم "النظرية القانونية الهامشية" على محاولات إحباط ترشح ترامب، أي أنها لا تدعم تطبيق التعديل 14 لمنع ترامب من الترشح لانتخابات 2024.