تجتمع، ظهر اليوم الاثنين، لجنة الامتيازات المكوّنة من سبعة أعضاء بأغلبية محافظة، لوضع اللمسات الأخيرة على تقريرها الخاص بقضية رئيس الحكومة البريطانية الأسبق بوريس جونسون، المتّهم منذ عام بتضليل البرلمان عمداً.
ومن المتوقّع أن تنشر اللجنة نتائج تحقيقاتها منتصف هذا الأسبوع، وسط حالة غير مسبوقة من الارتباك والتشتّت والانقسام يعيشها "حزب المحافظين" الحاكم منذ نهاية الأسبوع الماضي، عقب إعلان جونسون تنحّيه من البرلمان في بيان صاخب نشره مساء الجمعة الماضي.
وفي مقابل الصخب الذي أثاره بيان جونسون، يبدو صمت رئيس الحكومة ريشي سوناك صاخباً أيضاً، إذ اكتفى بالإشارة عبر "تويتر" إلى "الأولويات" التي تشغله حالياً: "العمل على تخفيض قوائم الانتظار الطويل في القطاع الصحي، النمو الاقتصادي، إيقاف قوارب المهاجرين"، متجاهلاً التعليق على المأزق الذي يعيشه في مواجهة انتخابات فرعية مبكّرة خلّفتها استقالة جونسون إلى جانب استقالة حليفيه نايجل آدمز ونادين دوريس.
Whether in Westminster or Washington, I'm focused on your priorities.
— Rishi Sunak (@RishiSunak) June 11, 2023
This week we took action to:
✅ Cut waiting lists
✅ Grow the economy
✅ Stop the boats
Here's how 👇 pic.twitter.com/sNtQXpIUi1
إلا أن التجاهل لن يكون كافياً بالنسبة إلى سوناك للتملّص من التحديات التي ستفرضها الأيام القادمة، بدءا من الانتخابات الفرعية، إلى نتائج التحقيقات التي ستعلن عنها لجنة الامتيازات، وصولاً إلى فشله في تحقيق تغيير جوهري في الوعود الخمسة التي أطلقها مع وصوله إلى "داونينغ ستريت".
ومع أن بيان جونسون يأتي في مرحلة من انعدام اليقين بالنسبة للحزب والحكومة والناخبين معاً، إلا أنه يمنح القارئ فرصة نادرة لفهم كيفية عمل حكومات "المحافظين" المتعاقبة والحاكمة منذ 13 عاماً. ففي حين كان "القتال" متاحاً بالنسبة لرئيس الحكومة الأسبق المعروف بعناده وقدرته على المواجهة، إلا أنه اختار الهروب، مع معرفته بأن هذه الخطوة ستقود حتماً إلى المزيد من الانقسامات في صفوف الحزب، وإلى انتخابات فرعية مبكّرة، مما يقلّل من فرص الحزب (القليلة أصلاً) لخوض الانتخابات العامة المقبلة، والمقررة بعد عام ونصف على أبعد تقدير. كما أن الأفكار التي دافع عنها في بيانه الطويل نسبياً والفضفاض، تعكس العقلية التي يحكم عبرها المحافظون، والتي شبّهتها الصحافة المحلية بعهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وبخطاباته "الشعبوية".
يبدأ جونسون بيانه بالحديث عن "الدهشة" التي شعر بها لدى تلقيه رسالة من لجنة الامتيازات، ومنبع الدهشة هو "البراءة" بالتأكيد من كل التهم الموجهة إليه، ثم يغرق في الحديث عن "المؤامرة" التي يحيكها أعداؤه ضدّه مع أنهم يعلمون جيداً "أنني عندما خاطبت مجلس العموم، كنت صادقاً ولم أقل سوى الحقيقة".
يُذكر أن "الخصوم" المعنيين في البيان هم المحافظون أنفسهم وليس المعارضين مثلاً من "حزب العمال". ثم يطعن بنزاهة اللجنة، وهي واحدة من أهم مؤسسات البرلمان، عدا عن أنها مكوّنة من أغلبية محافظة، ويتّهمها بـ"التحيّز" ضده، علماً أن عمل لجنة الامتيازات والتحقيق الذي بدأته منذ العام الفائت هو الإنجاز الأبرز ربما بالنسبة لحكومة "المحافظين" من الناحية الدستورية، لأنه يعزز قدرة البرلمان على محاسبة الحكومة وعلى إقالة رئيس وزراء سابق ما يزال حزبه في السلطة.
كما أن التوقيت مهم للغاية، إذ فضل جونسون التنحّي قبل أن تنشر اللجنة نتائج تحقيقها، بما يتيح له "احتلال" الحيّز العام وطرح روايته الخاصة كـ"ضحية" والسيطرة على الحدث.
كما يلقي جونسون باللوم على كل الأطراف المعنية، من لجنة الامتيازات إلى الحكومة الحالية ورئيسها سوناك، إلى "حزب العمال" المعارض. ثم يختم بتعداد إنجازاته "خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والفوز بأغلبية غير مسبوقة، وتقديم أسرع لقاح يتم طرحه في أي دولة أوروبية كبرى، فضلاً عن الدعم العالمي الرائد لأوكرانيا"، معبّراً عن حزنه لمغادرة البرلمان "في الوقت الحالي على الأقل"، بما يوحي بنيّته العودة في وقت قريب ربما.
يبدو كل ما سبق مستوحى من سياسات المحافظين، فصوت "المؤامرة" يطغى على صوت العقل، حيث يتم تمرير قوانين جديدة بما يتيح للسياسيين التهرّب من المسؤولية والمساءلة والمحاسبة، وبما يتيح لهم ممارسة صلاحيات مستحدثة على مقاس مفاهيم التطرّف والعنصرية والعدوانية، إلى جانب تقمص المسؤولين أدوار الضحية والانقسامات تبدو أكثر حضوراً من الخطط والاستراتيجيات.
ويخيب بيان جونسون الآمال الأخيرة لسوناك في إلغاء فوضى السنتين الأخيرتين، وفي استعادة مكانة الحزب وثقة الناخبين، وسيمهّد الطريق لانتخابات فرعية مبكّرة وسط تقدّم "حزب العمال" المعارض بـ15 نقطة حسب استطلاعات الرأي الأخيرة. وليس مفاجئاً أن جونسون يبدو معنيّاً بالتفرّج على خصمه سوناك وهو يعارك وحيداً تلك النكسات والتحديات، أكثر بكثير من انشغاله بمستقبل الحزب وبقدرته على الفوز مجدداً في الانتخابات العامة، لا سيما وأن مقعد أوكسبريدج الذي تنحّى عنه سيكون الهدف الأسهل بالنسبة لحزب العمال المعارض.