لا يمكن أخذ حالة "الهيستيريا" الإسرائيلية هذا الأسبوع، والتي ترجمت في التصريحات المتطايرة ضد احتمالات اقتراب التوقيع على اتفاق نووي جديد مع إيران، مأخذ الجد.
فلم تتعد هذه التصريحات ولم تغادر منطق الدعاية الإسرائيلي المعهود منذ بدأ بنيامين نتنياهو في ولايته الثانية عام 2009، الحديث عن الخطر النووي الإيراني، وبشكل أكثر حدة مع اقتراب التوقيع على الاتفاق النووي الأول وخوضه حرباً إعلامية وصلت إلى حد الصدام مع الرئيس الأميركي في ذلك الحين باراك أوباما.
وتبدو الهيستيريا الإسرائيلية نابعة من دوافع إعلامية وانتخابية داخلية، أكثر مما هي خوف حقيقي من الاتفاق الجديد المتبلور، بدلالة ما كشف عنه في اليومين الماضيين، من أن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، الحالي الجنرال أهرون حيلفا، ورئيس قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات العقيد عميت ساعر، يعتبران أن وجود اتفاق نووي مع إيران أفضل من عدمه.
ويرى الاثنان أن وجود الاتفاق يمنح إسرائيل الفرصة اللازمة لبناء "خيار عسكري" ضد إيران. وكان نتنياهو أقرّ بعد إبرام الاتفاق الأول، في العام 2015، مقترح رئيس الأركان الأسبق، غادي أيزنكوط بوقف بناء خيار عسكري وتوجيه الاستعدادات والطاقات والموارد المختلفة لمواجهة حزب الله.
وعليه يمكن القول إن هذه "الحرب الدعائية الإسرائيلية" ضد الاتفاق تخدم أمرين أساسيين. على المستوى الداخلي الانتخابي، تمنح كلا من رئيس الحكومة يئير لبيد ووزير أمنه بني غانتس، غطاء أمام الناخب الإسرائيلي، وفي وجه حملات الدعاية التي قد يشنها خصمهما نتنياهو، بأنهما لم يقدما أي تنازل، وإن كانا يختلفان في أسلوب تعاملهما الشكلي مع الملف، عبر الحفاظ على العلاقة مع الولايات المتحدة.
أما على المستوى الإسرائيلي العام، فإنها تشكل ورقة ضغط إسرائيلية هدفها ابتزاز الولايات المتحدة لتحقيق وتحصيل دعم سياسي وعسكري ومالي إضافي في كل ما يتعلق بسياسات الاحتلال في الأراضي الفلسطيني، أولًا، وفي تعزيز التفوق العسكري الإسرائيلي الإقليمي، مقابل تسليم إسرائيل بالاتفاق، وتخفيف حدة الهجوم ضده.
مع ذلك لا يمكن إغفال حقيقة أن اقتراب التوصل لاتفاق مع إيران، يعكس أيضا حجم الفشل الإسرائيلي من جديد، تماماً كما في حالة الاتفاق من العام 2015، في التأثير في القرار الأميركي والأوروبي لوضع اتفاق وفق المقاييس الإسرائيلية، من جهة وفشلها في ربط الملف النووي بمجمل مركبات القوة العسكرية الإيرانية الأخرى من جهة أخرى.