واشنطن بعد اغتيال السنوار.. "ارتياح عارم" يعزز تمادي إسرائيل في حروبها

18 أكتوبر 2024
أنصار الاحتلال يحتفلون في نيويورك باغتيال السنوار، 17 أكتوبر 2024 (Getty)
+ الخط -

لقي اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحيى السنوار أمس الخميس من الترحيب الأميركي ما ناله مقتل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله وأكثر، لارتباط اسم الزعيم الفلسطيني بعملية "طوفان الأقصى" يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 غير المسبوقة، وبالتالي فإن إزاحته عن المسرح بدت بمثابة "انتكاسة فلسطينية"، لدى الأوساط الإسرائيلية ومن يواليها. وهذا ما يفسر الارتياح العارم الذي أبدته كافة تلك الأوساط تناغماً مع النشوة الإسرائيلية التي عبّر عنها رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في كلمته بعد العملية، ولو أنه كان هناك بعض العارفين والمتبصرين بتجارب التاريخ وبخاصة تاريخ القضية الفلسطينية، الذين سارعوا إلى التحذير من التسرع في الاعتقاد بأن مقتل قيادي "لا يعني نهاية تنظيمه"، على غرار العميد المتقاعد والباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، مارك كنسيان.

لم تكن إدارة جو بايدن أقل المرحبين بالحدث. الرئيس الأميركي أعرب عن ذلك من على طائرته وهو في طريقه إلى ألمانيا. نائبته كامالا هاريس تلت بياناً مماثلاً خلال جولتها الانتخابية في ولاية ويسكنسون، وكذلك بيان وزير الخارجية أنتوني بلينكن المرافق للرئيس. فاحتضان الحدث في هذا التوقيت مادة انتخابية وفي الوقت ذاته هو محاولة لضبط نتنياهو في فترة الأسبوعين ونصف المتبقية من الحملة الانتخابية، لئلا تجرفه النشوة فيقوم بالرد على إيران بصورة قد تؤدي إلى التأثير سلباً في حسابات هاريس الانتخابية، وبالتالي تقليص حظوظها في الفوز على غريمها الجمهوري دونالد ترامب في السباق الرئاسي.

ربما لهذا السبب يعتزم بلينكن إجراء زيارته الحادية عشر إلى إسرائيل والمنطقة في الأسبوع القادم. فوضع هاريس على حاله، ولا يتحمل أي تراجع في رصيدها الذي تخشى حملتها من ارتدادات مصرع السنوار ضدها في ولايات مثل ميشغن التي يملك الصوت الفلسطيني والعربي حصة مؤثرة في ميزانها الانتخابي، سيما وأن شريحة من هذه الأصوات ما زالت حتى اللحظة عازمة على مقاطعة الانتخابات وحرمان هاريس من الحصول عليها.

"عقبة" السنوار وقد زالت

في تبريرها للترحيب تقول الإدارة الأميركية إن السنوار كان "العقبة" في طريق إرساء اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، علما أنه ليس سراً في واشنطن بأن نتنياهو هو الذي تولى نسف التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بإضافة شروط تعجيزية في كل مرة على مسودة المشروع. كما لم يكن سرا أن الإدارة أعربت أكثر من مرة، سواء بالتلميح أو بالتسريب الإعلامي، عن "غيظها" من تحايل نتنياهو المتكرر لعرقلة الوصول إلى أي صيغة من هذا القبيل. مدير وكالة الاستخبارات المركزية "سي أي إيه" المفاوض وليام بيرنز، يعرف ذلك تماماً وأظهر أكثر من مرة إشارات التذمر من تلك العراقيل. مع ذلك حرص المسؤولون اليوم على إعفاء نتنياهو من الملامة وحصرها بالسنوار.

الآن غاب السنوار ومن المفترض حسب تعليل الإدارة، أن تكون العقبة قد زالت وبالتالي أن تكون الطريق قد انفتحت أمام وقف وقف إطلاق النار. لكن الإدارة الأميركية لا تعرف "ما الذي تنوي إسرائيل عمله" بعد الاغتيال، حسب ما قال أمس الخميس المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر. كل ما تقوى عليه الإدارة أنها "ستضاعف جهودها لاغتنام الفرصة"، مع تلميحها الخجول إلى أن "الوجهة بعد الآن ليست مواصلة الحرب".

لكن الأمر في ذلك متروك لنتنياهو. أما هي فتعول في ذلك على الدبلوماسية "للدفع في هذا الاتجاه"، علما بأنها جربت أسلوبها الدبلوماسي في زيارات الوزير بلينكن العشرة السابقة التي لم تفض لشيء، لأنها كانت دبلوماسية بلا أسنان. حتى المساعدات الإنسانية لم تقو على تمريرها بصورة روتينية لأهالي غزة الذين ضربتهم المجاعة مراراً وتكراراً. في اليومين الأخيرين صحت على هذا الموضوع وزعمت أنها "حذرت إسرائيل بوقف تسليحها" إن لم تعمل على ضمان مرور المعونات. تحذير ليس هناك في واشنطن من يأخذ به جدّياً، خصوصا وأنه جاء في اللحظة ذاتها التي كانت ترسل فيها صواريخ "ثاد" الأميركية المضادة للصواريخ الباليستية إلى إسرائيل.

الاختلاف في الإخراج

عدم الجدّية كان السمة الطاغية على تعامل إدارة بايدن مع إسرائيل، طوال السنة الماضية من حربها على غزة وتوابعها. الرئيس بايدن ترك المبادرة عموما بيد نتنياهو مكتفياً باطلاق النعوت السيئة على هذا الأخير (كذاب ولعين...) من دون تدفيعه أي ثمن على تجاوزاته وانتهاكاته وإحراجاته. على العكس، أفاض عليه بايدن بالدعم والتسليح مقابل "استماع إسرائيل" لواشنطن، والذي لا يخرج عملياً عن توزيع الأدوار، لكنها أي إسرائيل "تقرر ما تراه مناسبا لها"، كما قال نتنياهو بخصوص رد إسرائيل المرتقب على إيران.

ورغم ما تسرب من معلومات في الأيام الأخيرة حول إقلاع إسرائيل عن ضرب المنشآت النووية والنفطية في إيران نزولا عند رغبة الرئيس الأميركي على الأقل قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني القادم، إلا أنه ليس هناك من يراهن على وعود نتنياهو الذي لا يستبعد أن تدفع به نشوة اللحظة إلى "الدوبلة" على حروبه المفتوحة والتي لا يخفي نواياه في توسيع وتعميق مدياتها والتي واصلت الإدارة تبني ودعم حلقاتها التصعيدية الواحدة بعد الأخرى. وكأن هناك توافق عليها مع الاختلاف في الإخراج لا غير.

المساهمون