أحدثت الحرب في أوكرانيا ثورة في عالم صناعة الطائرات بدون طيار، وصلت أخيراً إلى تطور نوعي تمثل بإدخال تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى هذه الآلة الحربية غير المأهولة والفتاكة في آن واحد.
الانتقال الحاسم في هذه الصناعة، جاء ضمن تطور متوقع، نظراً للفارق الذي أحدثته الطائرات المسيرة في الحرب الأوكرانية بدءاً من المسيرة التركية "بيرقدار" التي ذاع صيتها في بداية الغزو الروسي، انتقالاً إلى طرازات متعددة ومختلفة من الطائرات بدون طيار على طرفي القتال.
في حقل اختبار مفتوح في غرب أوكرانيا، فقدت طائرة بدون طيار مجهزة بقنبلة الاتصال بمشغلها البشري بعد تعرضها لتشويش إلكتروني، لكنها بدلاً من السقوط والتحطم، تسارعت نحو الهدف ودمرته، قبل أن تتحطم هي أيضاً. بهذا تكشف صحيفة "واشنطن بوست" عما وصفته "ثورة" في عالم الطائرات بدون طيار يجري الإعداد لها في شركات تصنيع أوكرانية باستخدام الذكاء الاصطناعي.
الطائرة الموجهة بالذكاء الاصطناعي والتي تجنبت مصير آلاف الطائرات بدون طيار، تستطيع تجنب التشويش الذي تستخدمه روسيا بشكل شائع في الحرب، وإكمال مهمتها نحو الهدف حتى لو تحرك من مكانه، "مما يمثل ترقية كبيرة في هذه الصناعة"، وفقا للصحيفة.
وحسب الصحيفة، تُعد تقنية الذكاء الاصطناعي هذه، التي يجري تطويرها من قبل عدد متزايد من شركات الطائرات بدون طيار الأوكرانية، واحدة من العديد من القفزات المبتكرة الجارية في سوق الطائرات بدون طيار المحلي في كييف، والتي تعمل على تسريع "الحرب غير المأهولة الفتاكة".
وقالت الصحيفة إن التحسينات في السرعة ومدى الطيران وسعة الحمولة والقدرات الأخرى للطائرات بدون طيار كان لها تأثير فوري على ساحة المعركة، ومكنت أوكرانيا من تدمير المركبات الروسية وتفجير مواقع المراقبة وحتى تحطيم أجزاء من جسر القرم.
ورغم أن أوكرانيا ليست مكانًا معروفاً لابتكار الطائرات بدون طيار، إلا أن مقتضيات الحرب حولت البلاد إلى نوع من المختبرات فائقة الاختراع، ومهدت الطريق لدخول أكثر من 200 شركة أوكرانية في إنتاج الطائرات بدون طيار.
ونقلت الصحيفة عن نائب رئيس الوزراء الأوكراني ميخايلو فيدوروف قوله: "هذا سباق تكنولوجي على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع. التحدي هو أنه يجب تغيير كل منتج في كل فئة يوميًا للحصول على ميزة".
وفيما يبدو التفوق الجوي الروسي واضحا في جبهة القتال، تسعى أوكرانيا لإحداث التوازن من خلال الطائرات بدون طيار.
وظهر جلياً الدور الحاسم للمسيّرات في الحرب الأوكرانية، إذ كبدت الأرتال الروسية الداخلة للتو إلى ميدان الحرب خسائر باهظة.
ورغم حمولة المتفجرات المنخفضة للمسيرات مقارنة بالمقاتلات الحربية، تعتبر تنمية صناعة الطائرات بدون طيار المحلية أولوية قصوى في أوكرانيا.
وقال دميترو كوفالتشوك، مؤسس مشارك في إحدى الشركات الأوكرانية المتخصصة في تصنيع الطائرات بدون طيار، إن وزارة الدفاع الأوكرانية شاركت تقنية التشويش الروسية مع شركات الطائرات بدون طيار، مما سمح لها باختبار منتجاتها ضد بعض أسلحة الحرب الإلكترونية الأكثر تطورًا في العالم، وهو امتياز لا تمتلكه الغالبية العظمى من شركات الطائرات بدون طيار الدولية.
وقال خبير آخر للصحيفة، إن "أوكرانيا لديها فرصة حقيقية للغاية لتطوير حل على مستوى عالمي" في مجال الطائرات بدون طيار، حيث يتلقى صانعوها ردود فعل مستمرة من الخطوط الأمامية للقتال، مما يسمح لهم بإجراء تعديلات فورية لتقليل نقاط الضعف وتحسين القدرة على القتل.
وتسمح تقنية الذكاء الاصطناعي المستحدثة بإبقاء المسيّرة منغلقة على هدفها حتى لو فقدت الاتصال بالمشغل البشري بسبب التشويش أو وجود جسم مادي كبير مثل التل، وفقا لروستيسلاف أولنتشين، أحد المشاركين في تطوير التقنية.
وأضاف أولنتشين للصحيفة: "بعد أن يتم تحديد الهدف، يتم توجيه الطائرة بدون طيار بواسطة هذا النظام. تتعرف مستشعرات الطائرة بدون طيار على السمات المادية للهدف وتضبط مسارها وفقًا لذلك".
وذهب خبير آخر إلى وصف الصواريخ الأميركية المحمولة على الكتف بـ"إنها رمح رجل فقير"، مقارنة بقدرات الطائرات بدون طيار التي يجري تصنيعها، والمتوقع أن تحل محل الأسلحة التقليدية.
وأعرب المدير التنفيذي السابق لشركة غوغل أريك شميدت عن تفاؤله بسوق الطائرات بدون طيار المحلي في أوكرانيا، مشيداً بالتقدم الأوكراني في هذه التكنولوجيا، بما في ذلك برامج الذكاء الاصطناعي.
وقال إن "الطائرات بدون طيار ستلعب دورًا مستقبليًا حاسمًا عن طريق البر والجو والبحر في إزالة الألغام وتشكيل "أسراب لا تعرف الرحمة من طائرات كاميكاز (انتحارية) بدون طيار مدعومة بالذكاء الاصطناعي".
ونقلت الصحيفة عن مطلعين على هذه الصناعة أن شميدت الذي التقى بوزير الدفاع الأوكراني خلال زيارة لأوكرانيا الخريف الماضي، مهتم بالمساهمة بملايين الدولارات في أوكرانيا لتوسيع نطاق تصنيع الطائرات بدون طيار.
على جانب آخر، فإن ثمة مخاطر تحملها تقنيات الذكاء الصناعي المدخلة للطائرات بدون طيار. ونقلت "واشنطن بوست" عن أحد الخبراء قوله إن تقنية الاستهداف الجديدة لا تزال تتطلب من المشغل البشري تحديد الهدف، ولكن بمجرد حدوث الاختيار، تلاحق الطائرة بدون طيار الهدف وتطلق الذخيرة، مما يؤدي إلى فجوة بين القرار البشري والعمل المميت.
إلا أن الأوكرانيين الذين اختبروا التقنية الجديدة يصرون على أن دورها محدود و"مقبول"، حسب الصحيفة.
وفي ذات السياق، أقر نائب رئيس الوزراء الأوكراني، وفق الصحيفة، بأن انتشار تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي يمثل "تهديدًا للمستقبل" ، لكنه شدد على أن كييف يجب أن تعطي الأولوية لمعركتها الفورية من أجل البقاء.
في مقابل ذلك، يبرز خبراء تحديات تواجه هذه الصناعة، إذ من غير المرجح أن توفر ميزة حاسمة في الهجوم الأوكراني المضاد بسبب نطاقها المحدود وحجم حمولتها، والتضاريس غير المستوية عبر أميال عديدة من حقول الألغام والخنادق الروسية الكثيفة.