كشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية تفاصيل جديدة عن هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، مشيرة إلى أن الحركة منحت الاحتلال نوعاً من الشعور الزائف بالأمان، في أثناء تخطيطها لعملية "طوفان الأقصى".
ونشرت الصحيفة تفاصيل بالاعتماد على ما قاله أحد ضباط الاستخبارات الإسرائيلية، في أثناء حديثه لمجموعة من الصحافيين هذا الأسبوع في مقر "عمشات" - وحدة استخبارات كانت موجودةً سابقاً في الجيش الإسرائيلي، وكانت مكلّفة جمع الوثائق والمواد التقنية الأخرى ذات الصلة بالحرب.
وقالت الصحيفة إن تعقيد هجوم أكتوبر على إسرائيل والأدلة المتزايدة على التخطيط الاستراتيجي طويل المدى من قبل حركة حماس يشير إلى القدرات العالية على الوصول التي تتحلى بها استخبارات الحركة.
وأشارت الصحيفة إلى أن الهجوم أذهل الإسرائيليين، الذين ظل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والقادة العسكريون يؤكدون لهم لسنوات عديدة، أن حماس قد تم ردعها، وأن مقاتليها أصبحوا معزولين داخل غزة، لافتة إلى أن محللين في مختلف وحدات الجيش الإسرائيلي، حذروا منذ أشهر من هجوم متعدد الجوانب يجري الإعداد له؛ تسلل غير مسبوق إلى إسرائيل من طريق البر والجو والبحر.
خطط قتالية دقيقة لدى مقاتلي حماس
وقال ضابط الاستخبارات الإسرائيلية، في مقر "عمشات"، إن العديد من مقاتلي حماس، الذين اقتحموا السياج الحدودي الإسرائيلي مع غزة، الذي تبلغ تكلفته مليار دولار في صباح 7 أكتوبر، كانوا يحملون خططاً للمعركة تتضمن تعليمات دقيقة، مشيراً إلى أن بعضها تضمنت خططاً لمهاجمة قواعد عسكرية في أقصى الشمال مثل رحوفوت، وفي الشرق حتى بئر السبع، بالإضافة إلى موقعين، يحملان رمزي النقطتين 103 و106، في عمق البحر الأبيض المتوسط.
وقال الضابط، الذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته، وفقاً للبروتوكول العسكري، إنهم لم يعرفوا هدف خطط حماس من عمق البحر الأبيض المتوسط، لافتاً إلى أن فريقه أمضى الشهرين الماضيين في فحص العديد من الوثائق بشأن ذلك.
وحسب "واشنطن بوست"، فإن مقاتلي حماس جاؤوا إلى إسرائيل ومعهم خطط قتالية مفصلة تتضمن خرائط للهياكل الداخلية للقواعد العسكرية الإسرائيلية والمدن، ولديهم قوائم واسعة عن الأسلحة والمعدات التي تستخدمها كل وحدة من وحداتها، مشيرة إلى أن "تعليمات صدرت لهم بقتل الرهائن إذا واجهوا الكثير من المتاعب".
وذكرت الصحيفة أن العديد من الأوراق والدفاتر، التي تتضمن خطط المعركة كانت "مكتوبة بخط اليد ومليئة بالكلمات المشفرة، ما أدى إلى تعقيد الجهود المبذولة لرقمنتها وتنظيمها. وحُمِّل بعضها على أجهزة كمبيوتر جُمعَت من مناطق القتال في جنوب إسرائيل؛ وعُثِر على بعضها خلال الاجتياح البري الإسرائيلي لغزة".
وأضافت الصحيفة: "تؤكد خطط المعركة ما كان الجنود في عدة وحدات في الجيش الإسرائيلي يحذرون منه منذ أشهر، وفي بعض الحالات لأكثر من عام، وهو أن مسلحي حماس لم يجروا مجرد تدريبات عبر الحدود في غزة، كما ادعى العديد من قادة الجيش الإسرائيلي، بل كانوا يستعدون بنشاط لأكبر عملية عسكرية على الإطلاق".
وأكد ضابط أمن لـ"واشنطن بوست"، اشترط عدم الكشف عن هويته، أن استخبارات الجيش الإسرائيلي جمعت أدلة على وجود خطط لهجوم واسع النطاق لحماس منذ أكثر من عام، لافتاً إلى أن الجيش أصدر في إبريل/نيسان إنذاراً داخلياً بشأن تسلل مقاتلي حماس واستهداف المستوطنات القريبة من قطاع غزة. واستشهد بأدلة ملموسة على أن العملية من المرجح أن تتضمن مئات المسلحين.
خداع حماس
وقال ضابط الأمن إنه في أغسطس/آب، قبل أسابيع من الهجوم، أشارت معلومات استخباراتية جديدة إلى وجود هجوم وشيك. وأشار إلى أن الجيش رفع من جاهزيته حينها، وأنه تراجع عن ذلك، بعد الاعتقاد أن ذلك جزء من خداع حماس.
وقالت "واشنطن بوست": "رُفضَت التحذيرات مرة أخرى، ولم يجرِ إخطار المستوطنات على الجانب الإسرائيلي إطلاقاً". وأضافت: "أصدرت السلطات الأمنية الإسرائيلية تصاريح لإقامة حفل موسيقي على بعد أميال قليلة من حدود غزة.
وقال أحد منظمي الحفل، رامي صموئيل، لـ"واشنطن بوست" إن عدم إخبارنا بأن هناك معلومات عن هجوم هو "خيانة" كلفت حياة 1200 شخص.
ولسنوات عديدة، ادعت حماس، في تصريحاتها العامة ودبلوماسيتها الخاصة، أنها مهتمة ببناء غزة اقتصادياً أكثر من اهتمامها بتجديد الصراع مع إسرائيل.
وأحجمت حماس إلى حد كبير عن إطلاق الصواريخ على إسرائيل بعد عام 2021. وفي مايو/أيار، نأت بنفسها بعيداً حينما انخرطت حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، في صراع قصير الأمد مع إسرائيل.
تزويد إسرائيل بمعلومات استخباراتية عن الجهاد
ونقلت "واشنطن بوست" عن مسؤول أمني إسرائيلي، اشترط عدم الكشف عن هويته، قوله إن مسؤولي حماس زودوا إسرائيل بمعلومات استخباراتية عن حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين لتعزيز الانطباع بأنهم مهتمون بالتعاون معها.
وفي الأشهر الأخيرة أيضاً، "نُظمت مظاهرات كبيرة عند السياج في غزة هدفت إلى تعويد الجيش الإسرائيلي رؤية الحشود على الحدود"، وعلى نطاق أوسع، "لتهدئة إسرائيل وجعلها تشعر بالرضا عن النفس"، كما قالت للصحيفة ضابطة استخبارات سابقة في الجيش الإسرائيلي، ميري آيسين.
وقالت آيسين إن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، والعديد من حلفاء إسرائيل، صبوا جلّ اهتمامهم على حزب الله، الذي أعلن في عام 2018 خططه للسيطرة على منطقة الجليل.
وكان بعض الجنود الذين حذروا من هجوم حماس من بين أوائل الجنود الذين انتشروا صباح يوم 7 أكتوبر.
وقُتل العقيد عساف حمامي، قائد اللواء الجنوبي التابع لفرقة غزة، في أثناء قتاله مع عناصر حماس يوم 7 أكتوبر، وغيّر الجيش الإسرائيلي حالته من "مفقود" إلى "قُتل في أثناء المعركة"، وأبلغ عائلته أن جثته محتجزة لدى حماس في قطاع غزة.
وقالت والدته، كلارا، إن محاولات ابنها لتحذير الجيش مما سيأتي قوبلت بالرفض مراراً وتكراراً. وأضافت والدته في أثناء تأبينه في مقبرة عسكرية في تل أبيب يوم الاثنين: "لقد حذرتهم، لقد حذرتهم، أخبرتهم، ورأيت ما كان على وشك الحدوث، وأنه لا ينبغي لنا أن نكون مستهترين".
"جدار أريحا"
كذلك تطرقت "واشنطن بوست" إلى ما أوردته قناة "كان" التابعة لهيئة البث الإسرائيلية الأسبوع الماضي، بشأن تقديم وثيقة استخباراتية تحمل اسم "جدار أريحا"، مكونة من أكثر من 30 صفحةً، إلى رئيس قسم الاستخبارات، أهارون هاليفا، ورئيس القيادة الجنوبية، إليعازر توليدانو في مايو/ أيار 2022.
وحسب "واشنطن بوست"، فإن الوثيقة لم تحدد تاريخاً لهجوم حماس، لكن ضباط المخابرات استخلصوا أنّ حماس كانت تخطط لإطلاق قواتها في يوم سبت، السبت اليهودي، أو في عطلة يهودية، عندما يكون هناك عدد أقل من الجنود لحراسة الحدود.
وفقاً لأيالا حسون، الصحافية في قناة "كان"، كانت تفاصيل الهجوم (في الوثيقة) واضحة بشكل مذهل: سيتضمن الهجوم وابلاً أولياً من الصواريخ ليكون بمثابة غطاء لاقتحام المستوطنات الإسرائيلية والقواعد العسكرية، وستُستخدَم الطائرات دون طيار والقناصون لتعطيل كاميرات المراقبة.