على الرغم من أن تأشيرة الدخول إلى الولايات المتحدة تبقى مطمعاً لمعظم مواطني دول العالم التي تعيش أزمات وحروباً أو تراجعاً مزمناً في مسألة حقوق الإنسان، إلا أن تعامل وزارة الخارجية الأميركية مع الموظفين المحليين في بلدان عدة شهدت علاقاتها مع واشنطن تراجعاً أو حتى قطعاً لها، لطالما شكّل مادة للانتقاد، لا سيما إذا ما تمّت مقارنته بكيفية تشبث الولايات المتحدة بحماية مواطنيها العاملين في سفاراتها حول العالم، أو عدم نسيان ما يتعرضون له، ولو بعد وقت طويل.
وفي تقريرين منفصلين لها، نشرا أمس الخميس، أبرزت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية قضية الموظفين الروس والأوكرانيين، العاملين في السفارتين الأميركيتين في كل من موسكو وكييف، أو القنصليات الأميركية في كل من البلدين، ومصيرهم التي قالت إنه ترك "في مهب الريح"، خصوصاً في روسيا، حيث كانت العلاقات الدبلوماسية الأميركية – الروسية تسجّل تراجعاً لافتاً منذ ما قبل الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/ شباط 2022.
يواجه الموظفون الروس في السفارات الأميركية استهدافاً مزمناً من قبل أجهزة الأمن الروسية
وإذا ما كان طبيعياً أن يحاول الموظفون الأوكرانيون مغادرة بلادهم الغارقة في الحرب، إلا أن الموظفين الروس في السفارة الأميركية في موسكو، أو القنصليات الأميركية في روسيا، وجدوا، بحسب المجلة، قلّة اكتراث أميركي بمصائرهم بعدما أجبروا على ترك وظائفهم، خصوصاً أنهم لم ينفكوا يوماً يواجهون استهدافاً روسياً لهم على خلفية عملهم مع البعثات الدبلوماسية الأميركية.
تضييق مزمن على العاملين بالسفارات الأميركية
ويتشابه ما ذكره تقرير لـ"فورين بوليسي" أمس، مع ما كان قد نشره الإعلام الأميركي في أوقات سابقة عن تلكؤ وزارة الخارجية الأميركية كثيراً في فعل أي شيء لمساعدة وإخراج مواطنين أفغان عملوا مع بعثاتها الدبلوماسية في أفغانستان، لحوالي عقدين، قبل أن تغلقها القوات الأميركية وتغادر أفغانستان، إثر عودة حكم "طالبان".
لكن الوضع في روسيا كان مزمناً، إذ لطالما تعرض الموظفون الروس العاملون في السفارات والقنصليات الأميركية في هذا البلد للتضييق والضغط من قبل الأمن والاستخبارات الروسيين، وساء ذلك مع ضمّ روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014، ثم مع ارتفاع منسوب التوتر في العلاقات بين موسكو وواشنطن، مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 2016، والتحقيق الأميركي بالتدخل الروسي بالانتخابات.
ثم توالت الأحداث، مع فرض واشنطن عقوبات على روسيا، وتبادل طرد دبلوماسيين، لا سيما إثر حادثة اتهام موسكو بتسميم العميل الروسي السابق سيرغي سكريبال وابنته في بريطانيا (2018)، ولاحقاً اتهامها بتسميم المعارض الروسي البارز ألكسي نافالني ثم سجنه. وشهدت تلك الفترة، وصولاً إلى اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، فرض موسكو في 2021 قيوداً على توظيف مواطنيها في سفارات وقنصليات دول "غير صديقة"، ما جعل السفارة الأميركية في موسكو والقنصليتين الأميركيين في يكاترينبورغ وفلاديفوستوك تتخلى عن مئات الموظفين الروس.
ولطالما تعرض الموظفون الروس العاملون مع البعثات الدبلوماسية الأميركية في روسيا للتضييق من قبل الأمن والاستخبارات الروسيين، بحسب المجلة، لا سيما بعد ضمّ القرم، حيث كان جهاز الأمن الفيدرالي الروسي (أف أس بي)، يبلغ هؤلاء بأن من واجبهم مساعدة بلدهم، والتحول بشكل من الأشكال إلى مخبرين لدى أجهزة الدولة. ولفت الموقع إلى أن "التهديدات المبطنة، وأحياناً غير المبطنة"، لطالما كانت جزءاً مما عانى منه العاملون الروس مع الدبلوماسيين الأميركيين في روسيا، منذ نهاية الحرب الباردة، حيث كانوا يتعرضون للضغط مع عائلاتهم للعمل كمخبرين لدى الأجهزة الأمنية الروسية.
لم يتمكن معظم الموظفين من الحصول على تأشيرة دخول خاصة للولايات المتحدة
وكانت الحكومة الروسية قد أجبرت الخارجية الأميركية على تقليص وجودها الدبلوماسي في روسيا بحدود 60 في المائة في 2017، على خلفية التوتر إثر التحقيقات الأميركية بالتدخل الروسي في انتخابات الرئاسة عام 2016، ما جعل حوالي 600 موظف روسي كانوا يعملون مع البعثة الدبلوماسية الأميركية في روسيا يسرّحون، وقد ارتفع عدد المسرّحين في 2021.
مستقبل ضبابي للموظفين الروس
واليوم، مع تواصل الحرب، قالت المجلة إن الكثيرين من هؤلاء الموظفين السابقين تركوا "في مهب الريح، ويفتقدون للدعم من الخارجية الأميركية، ويواجهون مستقبلاً ضبابياً، إذ يعانون من الاستهداف والضغط من قبل الأمن الروسي". واعتبرت المجلة أن هذا النموذج يتكرر حول العالم، مشيرة إلى ما واجهه الموظفون المحليون في سفارات أميركا، من أفغانستان، إلى اليمن إلى أوكرانيا، حيث "تركوا وسط الفوضى والأزمات، على الرغم من أن عملهم مع الولايات المتحدة كان محفوفاً بالمخاطر".
ومن المعروف أنه يحق للعاملين الأجانب في السفارات الأميركية وعائلاتهم بالتقدم للحصول على تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة، وفق برنامج "تأشيرة الهجرة الخاصة"، إذا ما كانوا قد أمضوا 15 عاماً على الأقل في هذا العمل، وهو ما فعله الكثير من العاملين الذين يستحقون ذلك، أما الباقون فتركوا من دون دعم، علماً أنهم موضوعون على "اللائحة السوداء" الروسية، ما يصعّب عليهم الحصول في بلدهم على أي عمل، ويبقيهم في دائرة الملاحقة والمراقبة الروسية.
وقال دبلوماسي أميركي متقاعد عمل في السفارة الأميركية في موسكو للمجلة: "كنا نعلم أنهم سيواجهون أوقاتاً صعبة للحصول على عمل جديد، لأنهم أصلاً كانوا يواجهون مضايقات من جهاز الأمن الفيدرالي الروسي".
وقال موظفون أميركيون سابقون للمجلة إن الخارجية الأميركية حاولت المساعدة عبر إعادة توظيف المسرّحين بشكل غير مباشر ومنحهم تعويضات تسريح سخية، بما فيها إبقاؤهم على برنامج التأمين الصحي الذي تقدمه السفارة، كما أن السفارة حاولت توفير العمل لهؤلاء في سفارات أخرى لها في المنطقة، لجعلهم يكملون الأعوام الـ15 التي يحتاجونها للتقدم بطلب الدخول للولايات المتحدة.
لكن موظفين آخرين في الخارجية الأميركية أقرّوا بأن الوزارة لم تقم بما يكفي لدعم موظفيها الروس السابقين. وقال أحد المصادر: "لقد كانوا يضطهدون من قبل الأمن الروسي، ومعظمهم لم يتمكنوا من الحصول على التأشيرة الخاصة، والأمن الروسي يعمل جاهداً للتأكد من أنهم لن يحصلوا على عمل جديد، إنه لأمر مريع".
وتواجه الخارجية الأميركية عراقيل بيروقراطية تحد من قدرتها على التحرك للمساعدة. وقال مسؤول في الوزارة للمجلة: "نواصل مراجعة الوضع لتحديد أي نوع من المساعدة يمكننا تقديمها". لكن الدبلوماسي الأميركي السابق بريت بروان أكد للمجلة أنه "كانت هناك مناسبات عدة، أظهرت أن الموظفين المحليين لم يكونوا ضمن أولوياتنا، بل حتى أننا لم نعتبرهم من ضمن مسؤولياتنا حين تغرق بلدانهم في الفوضى".
(العربي الجديد)