إذا كان الرئيس الأفغاني أشرف غني قد أتى إلى واشنطن ليأخذ ضمانات موثوقة وصلبة تكفل صمود حكومته بعد الانسحاب الأميركي، فإنّ زيارته برفقة رئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية عبد الله عبد الله كانت مخيبة لهما.
ما سمعه المسؤولان الأفغانيان من البيت الأبيض والكونغرس لا يُصرف في سوق المعادلة الأفغانية، والمحبط أكثر أنه متضارب، ويعكس خلافات السياسات الداخلية أكثر مما يتعلق بكيفية طي صفحة أطول حرب أميركية، إذ إنّ كل جهة تحدثت بلسان وبحسابات مختلفة.
ولجأ الرئيس الأميركي جو بايدن إلى تبسيط الانسحاب الأميركي، ووضعه في إطار أنّ "مستقبل أفغانستان يقرره أهلها".
وحاول وزير الخارجية أنتوني بلينكن من باريس تغطية الانسحاب بحرص ضبابي على ما يعقبه، من باب أنّ الإدارة "تنظر بعمق في ما إذا كانت حركة طالبان جادة في البحث عن حل سلمي"، من غير أن يفصح عن البديل إذا كانت غير جدية.
كما بقي وزير الدفاع لويد أوستن في هذه الدائرة من الخطاب، عند تعليقه على اللقاء مع القيادة الأفغانية، والتأكيد على "مواصلة العمل لتحقيق الهدف بطرق أخرى".
الحزب الجمهوري في الكونغرس وقف عموماً ضد الرئيس ودعاه "إلى التراجع عن قرار الانسحاب"، كما قال زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ السناتور ميتش ماكونيل، عقب اجتماعه مع الرئيس أشرف غني، بينما اغتنم الفرصة لتسجيل موقف ضد الرئيس المصطدم معه حول أجندة هذا الأخير المحلية.
وكان لقاء رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي مع الرئيس غني، الجمعة، أقرب إلى صورة تذكارية، أبدت خلاله اهتمامها "بمستقبل المرأة في أفغانستان وبالمساعدات الإنسانية للبلاد".
ورافقت ذلك وعود من الإدارة لاستمرار "الشراكة والمساعدات" الأميركية للحكومة الأفغانية، وطلب الموافقة من الكونغرس على تخصيص دعم لأفغانستان بقيمة 3,3 مليارات دولار للسنة المقبلة.
كل هذه التطمينات والمصوغات، التي دارت في نفس الفلك، بدت أنها لا تسمن ولا تغني من جوع بالنسبة للزائرين، وانعكس ذلك في ابتعاد رئيس المجلس عبد الله عبد الله عن الأضواء والتصريحات وبصورة لافتة، كما استوقف، في هذا السياق، كلام الرئيس غني عندما قارن بين واقع الحال اليوم في بلاده وبين "ما كان عليه عشية الحرب الأهلية الأميركية عام 1861".
وكانت ملاحظته بمثابة توقّع العارف بوجهة الرياح بعد الانسحاب، لكن الإدارة، التي لا تستبعد هي الأخرى هذا الاحتمال، أوضحت أنها لا تقوى على تحمّل "التوسع في الدور العسكري لغاية أن تصبح الظروف سانحة للانسحاب"، بحسب الرئيس بايدن.
ويستند تعليل بايدن إلى حالة "التعب" العام من حرب ترى الإدارة أن لا أفق لها، لكن هذا التعليل أثار تحفظات وتحذيرات من مخاطره اللاحقة، "إذ من المرجح أن ينهار الوضع الحكومي... وربما عودة طالبان إلى الحكم وما يشكله ذلك من مدخل لعودة تنظيم القاعدة وغيرها من المنظمات المتطرفة، التي ستجد في أفغانستان ملاذها مرة ثانية"، وفق تحذير الجنرال المتقاعد جاك كين، الذي سبق وشغل مهمات ميدانية في أفغانستان، والذي نعت قرار الانسحاب بأنه "متهور"، ولو أنّ الإدارة تردّ بأنها اتخذت التدابير اللازمة "لإحباط أي عودة من هذا النوع إلى أفغانستان".
ولا يقتصر مثل هذا التحذير على جهات محافظة مثل الجنرال المذكور، وتشارك فيه أوساط أخرى تتخوف "من الأداء الميداني غير الكفوء للقوات الأفغانية، الذي كشفه تقدم طالبان مؤخراً في أكثر من منطقة، ربما بسبب غياب الغطاء الجوي الذي كانت توفره قوات التحالف، خاصة الأميركية".
وغلب على زيارة غني وعبد الله الطابع الرمزي، خاصة من ناحية التطمين، فيما اقتصر حرص الإدارة على تأمين الحراسة للسفارة الأميركية في كابول بترك حوالي 650 جندياً للقيام بهذا الدور، وكذلك حماية المطار وتسريع معاملات "التأشيرة الخاصة"، لإخراج المتعاونين الأفغان قبل انتهاء الانسحاب و"ضمان هجرتهم إلى أميركا"، والباقي "شبيه بأواخر أيام الانسحاب الأميركي من فيتنام" ولو بصيغة مختلفة، وفق التشبيهات الرائجة في واشنطن.