رغم التزامها الصمت إزاء التوقيع على وثيقة "التعاون الشامل" بين إيران والصين، فإن هذا التحول يمثل مصدر قلق كبير لإسرائيل؛ على اعتبار أنه يقلص من قدرتها على إملاء مواقفها على الإدارة الأميركية التي تتجه للعودة إلى الاتفاق النووي مع طهران. فوثيقة "التعاون الشامل" التي تمهد لاستثمارات صينية هائلة في قطاع الطاقة الإيراني بشكل خاص، تحسن من قدرة طهران على المناورة وتعزز من موقفها في أي مفاوضات مستقبلية مع واشنطن بشأن العودة لاتفاق 2015.
ورغم أن إسرائيل طالبت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بعدم رفع أي من العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب قبل أن ترضخ طهران لقيود جديدة على برنامجها النووي، مثل تقييد ترسانتها الصاروخية وكبح حضورها الإقليمي، إلا أن وثيقة "التعاون المشترك" تفتح الباب واسعا أمام الاستثمارات الصينية في إيران ما سيؤدي إلى توسع هامش المناورة أمام طهران بشكل يجعلها قادرة على رفض المطالب التي تحاول إسرائيل إملاءها عبر واشنطن.
وإن كانت إسرائيل ظلت تراهن على دور عقوبات الحد الأقصى التي فرضتها إدارة ترامب في شل الاقتصاد الإيراني لدرجة دفع طهران للخضوع والموافقة على التوصل لاتفاق جديد يلبي شروطها، فإن تطبيق وثيقة "التعاون المشترك" مع الصين يسمح لطهران بالتعافي تدريجياً من تأثير العقوبات الأميركية، مما قد يجعلها في غير عجلة من أمرها للتفاوض مع واشنطن بشأن العودة للاتفاق الأصلي.
وثيقة "التعاون المشترك" التي تفتح الباب واسعا أمام الاستثمارات الصينية في إيران ستوسع من هامش المناورة أمام طهران بشكل يجعلها قادرة على رفض المطالب التي تحاول إسرائيل إملاءها عبر واشنطن
ومما يفاقم الأمور تعقيدا بالنسبة لإسرائيل حقيقة إدراكها أن إدارة بايدن، التي تجاهر بتفضيلها العمل الدبلوماسي كمسار للتعاطي مع النووي الإيراني وليس فرض المزيد من العقوبات أو التلويح بالعمل العسكري، ستزيد وثيقة "التعاون المشترك" من حماسها للعودة إلى الاتفاق خشية أن تندفع إيران إلى خروقات كبيرة بشكل يقربها من إنتاج السلاح النووي؛ لا سيما أن إيران شرعت بالفعل في التراجع عن بعض التزاماتها في هذا الاتفاق وتحديداً عبر زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم وكميته وإدخال أجهزة طرد مركزي متطورة إلى المنشآت النووية.
وعلى الرغم من أن مراكز التقدير الإستراتيجي في إسرائيل، ومن ضمنها "مركز أبحاث الأمن القومي" التابع لجامعة تل أبيب، سبق أن حذرت من تبعات اتفاق التعاون بين الصين وإيران عندما شرعت طهران وبكين في التفاوض بشأنه، فإن التوقيع الفعلي على الاتفاق يفرض واقعاً إقليمياً جديداً، ويضيف المزيد من المصاعب على قدرة تل أبيب على ممارسة الضغوط على واشنطن بشأن العودة للاتفاق الأصلي.
وقد حاولت إسرائيل التأثير على موقف إدارة بايدن من الاتفاق النووي عبر إطلاق التهديدات باستخدام العمل العسكري بشكل منفرد، كما فعل رئيس الأركان أفيف كوخافي وطال كالمان، الذي كلفته هيئة الأركان بقيادة المواجهة ضد إيران، والذي زعم بأن لدى جيشه قدرات تؤهله لتدمير كل المنشآت النووية الإيرانية.
وجاءت هذه التهديدات في الوقت الذي أشارت فيه وسائل الإعلام الإسرائيلية، وتحديدا "هآرتس"، إلى أن إسرائيل لا تملك خيارات عسكرية فعلية في مواجهة النووي الإيراني، وأنها في كل الأحوال لن تكون قادرة على استخدام الخيار العسكري في حال توافقت إدارة بايدن وإيران على العودة للاتفاق النووي بهذه الصورة أو تلك.
يشار إلى أن إسرائيل قد شرعت بالفعل في إجراء اتصالات مباشرة مع إدارة بايدن بشأن الشروط الواجب توفرها في الاتفاق مع إيران؛ ويقود الفريق الإسرائيلي الذي يتولى الاتصالات مع واشنطن مئير بن شابات، رئيس مجلس الأمن القومي في ديوان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، والذي تباحث أكثر من مرة مع جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي لبايدن.
ويتضح مما سبق أن وثيقة التعاون بين الصين وإيران تعمق ارتباط إسرائيل بإدارة بايدن، لأن تل أبيب تعي أن قدرتها على إقناع الأميركيين بمنطقية مواقفهم باتت محدودة بعد التوقيع على وثيقة التعاون الصينية الإيرانية.
وبات في حكم المؤكد أن التوقيع على وثيقة "التعاون المشترك" بين بكين وطهران سيجعل إسرائيل أكثر حذرا في الموافقة على مزيد من الاستثمارات الصينية في مرافقها الحيوية، سيما في مجالات البنى التحتية والتقنيات المتقدمة. اللافت أن التوقيع على الوثيقة جاء في أوج الأزمة السياسية التي تعاني منها إسرائيل والتي أسفرت عنها نتائج الانتخابات غير الحاسمة، والتي قد تدفعها إلى جولة انتخابات خامسة؛ وهذا يضفي المزيد من العقبات على التحرك الإسرائيلي الهادف إلى مواجهة تبعات تطبيق هذه الوثيقة.