تداولت وسائل إعلام محلية في الكويت، خبر ضبط وزارة الداخلية تنظيم "انتخابات فرعية" المحظورة، قبل أيام من موعد انتخابات مجلس الأمة (البرلمان) المقررة في 6 يونيو/ حزيران المقبل، وذلك في الدائرة الرابعة، وإحالة أفرادها على النيابة العامة، من بينهم نائب في مجلس 2022، المُبطل أخيراً.
وكشف مصدر مطلع لصحيفة "القبس" الكويتية، واسعة الانتشار في البلاد، أن "وزارة الداخلية ضبطت أول فرعية في انتخابات مجلس الأمة 2023 في الدائرة الرابعة وأحالتها على النيابة العامة"، مُضيفاً أن الأخيرة "قررت حجز 9 مواطنين على ذمة القضية، بينهم نائب سابق في مجلس 2020 المُبطل".
من جانبها، قالت مصادر صحيفة "الراي"، إحدى كبرى الصحف في الكويت، إن وزارة الداخلية ضبطت المتهمين "بعد معلومات مؤكدة وموثقة عن إجراء الفرعية"، وتابعت: "النيابة العامة استمعت لأقوال المتهمين حول ما نُسب إليهم، ورفضت طلبات إخلاء سبيلهم المقدمة من المحامي، وتم تجديد الحبس إلى يوم الأحد المُقبل".
وتُجري العديد من القبائل في كل موسم انتخابي، في الدوائر الانتخابية التي تمتلك فيها كُتل تصويت كبيرة، انتخابات فرعية فيما بين أبناء القبيلة، قبل موعد الانتخابات الرسمي، بهدف عدم تشتيت أصواتهم بين عدة مرشحين، والتركيز على مرشح واحد أو أكثر، بحسب أعدادها التي تتفاوت ما بين قبيلة وأخرى وما بين كل دائرة انتخابية، لضمان وصول ممثل لمصالحهم إلى مقعد البرلمان.
ويُجرّم القانون الكويتي، وفق قانون أقرّه البرلمان عام 1998، تنظيم الانتخابات الفرعية على أساس قبلي أو عائلي أو طائفي، خلال الفترة ما بين صدور مرسوم الدعوة إلى الانتخابات وموعد الاقتراع، ولكنّ معظم القبائل تتحايل على القانون في كل مرة، فأحياناً تجري انتخابات فرعية في غير مواسم الانتخابات، أو بالتكتم الإعلامي الشديد والحفاظ على السرية التامة باقتصار معلوماتها على أبناء القبيلة فقط، أو إجرائها تحت مسميات أخرى تُبعد شبهات سلطات الأمن، مثل الجمعيات الخيرية أو سباقات الإبل والخيول.
وأكّد مصدر أمني لـ"العربي الجديد"، أن القبيلة التي ضُبط أفرادها من قِبل الداخلية هي بني غانم، موضحاً أن من بينهم النائب السابق يوسف البذالي.
وأشارت صحيفة "الراي" إلى أن القبيلة استخدمت هذه المرة تكتيكاً جديداً لتفادي المحاذير القانونية، حيث جرى التصويت في الانتخابات الفرعية خارج دولة الكويت، مضيفة أن "الأشخاص المسؤولون عنها نظّموها في مصر"، وذلك "عبر استخدام تقنيات الاتصال المرئي والمسموع عن بُعد".
ولم يصدر بعد من وزارة الداخلية أي نفي أو تأكيد رسمي للحادثة، ووفق مصادر "العربي الجديد" فإن "الإعلام الأمني في الوزارة في هذا الصدد ينتظر توجيهاً من السلطات العليا".
وينصّ القانون على أنه "يُعاقب بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات، وبغرامة لا تقلّ عن ألفي دينار ولا تزيد على خمسة آلاف دينار، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من نظّم أو اشترك في تنظيم انتخابات فرعية أو دعا إليها، وهي التي تتم بصورة غير رسمية قبل الموعد المحدد للانتخابات لاختيار واحد أو أكثر من بين المنتمين إلى فئة أو طائفة معينة".
وبدأ ظهور الانتخابات الفرعية أول مرة في الكويت في انتخابات مجلس الأمة 1971، حين نظّمتها قبيلة العجمان في الدائرة الانتخابية العاشرة (منطقة الأحمدي) آنذاك، ما مكّنها من الظفر بكافة مقاعد الدائرة الخمسة وفق نظام العشر دوائر، وعادت إلى تكرارها في الانتخابات التي تلتها عام 1975، الذي شهد أيضاً تنظيم قبيلة عنزة انتخابات فرعية، ثم توسعت التجربة بعد ذلك لتشمل مختلف القبائل، أبرزهما قبيلتا العوازم ومطير، اللتان تحتلان المركز الأول والثاني من ناحية أعلى أعداد الناخبين على مستوى البلاد، ومن حينها استمر تنظيم الفرعيات إلى اليوم.
وعلى الرغم من صدور قانون تجريم الفرعيات عام 1998، إلا أن ظاهرة الفرعيات استمرت بعده برعاية حكومية، لكون أغلب نتائجها كانت تُسفر عن نوّاب موالين لها أو يرجون دعماً يُقدم منها عند وصولهم إلى البرلمان، خصوصاً أن المرشحين القبليين المحسوبين على التيار الوطني يتجنبون المشاركة بمثل هذه الانتخابات الفرعية، ومنهم من صوّت على قانون التجريم، أبرزهم النائب السابق والمعارض السياسي البارز مسلّم البراك، الذي ينتمي إلى قبيلة مطير.
وفي أغلب المرات، وإلى وقت قريب، عندما كانت وزارة الداخلية ترصد عدداً من الانتخابات الفرعية، وتُحيل أفرادها المُنظمين أو المشاركين فيها على النيابة العامة، تصدر بحقهم أحكام من القضاء بالبراءة، لعدم كفاية الأدلة لإثبات التهم أو جرّاء أخطاء إجرائية وخلافهما. وفي عام 2009 حصلت اشتباكات طفيفة بين قبيلة العوازم والسلطات الأمنية، في أثناء تنظيم القبيلة انتخابات فرعية في الدائرة الخامسة، ولكن انتهت بشكل عاجل بعد تدخل شخصيات نافذة في البلاد لوقف المواجهة، وسُمح لهم باستئناف الانتخابات فيما بينهم بلا أية مشاكل تُذكر.
لكن وزارة الداخلية أحكمت قبضتها على قضايا الفرعيات خلال العامين الماضيين، وتحديداً منذ تقلّد الشيخ نواف الأحمد الصباح منصب أمير الكويت، أواخر سبتمبر/ أيلول 2020، خصوصاً بعد أن شهد موسم الانتخابات الأخيرة التي جرت في 29 سبتمبر/أيلول الماضي، إجراء انتخابات فرعية واحدة في الدائرة الثانية، ما زالت منظورة في القضاء ولم تُحسم بعد، وعززه تمكّن وزارة الداخلية من جمع الأدلة الكافية ضد قبيلة شمر بعدما أجرت انتخابات فرعية في الدائرة الرابعة لانتخابات مجلس 2020، وإدانة 28 شخصاً اشترك فيها، من بينهم النائبان السابقان مرزوق الخليفة وسلطان اللغيصم، عقب حكم نهائي صادر من محكمة التمييز، في أكتوبر/ تشرين الماضي، بالسجن سنتين ضد المتهمين كافة.
ووافق مجلس الوزراء الكويتي، يوم الاثنين الماضي، على مشروع مرسوم بالعفو عن جميع المُدانين في "قضية تشاورية شمر"، باستثناء النائب السابق سلطان اللغيصم لعدم تنفيذه الحكم بالسجن، الذي ما زال متوارياً عن الأنظار بإقامته غير المعروفة خارج البلاد، بعدما قضى بقية المُدانين نحو 8 أشهر في السجن.