تبحث وزيرة الخارجية الفرنسية، كاثرين كولونا، يوم غد الجمعة، مع نظيرها المغربي ناصر بوريطة، سبل تجاوز "الأزمة الصامتة" التي تخيم على علاقات البلدين منذ ما يقارب السنتين، وكان من أبرز مظاهرها تجميد زيارات مسؤولي البلدين وغياب أي اتصال بين قادة البلدين، وحدوث فراغ دبلوماسي في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول المنصرمين، بعد تكليف سفيري باريس والرباط بمهام أخرى.
وينتظر أن تنصبّ مباحثات كولونا، التي تقوم بأول زيارة رسمية لمسؤول فرنسي رفيع المستوى للرباط منذ أشهر، بدرجة أولى على القضايا الخلافية التي عكرت صفو العلاقات بين البلدين خلال الأشهر الماضية، والإعداد والاتفاق على الخطوط العريضة لزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، المرتقبة بداية العام 2023، الرباط.
وكانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية، آن كلير ليجيندر، قد استبقت زيارة كولونا إلى الرباط، بالإعلان، خلال تصريحات لها الأسبوع الماضي، أن الجانبين الفرنسي والمغربي سيناقشان جميع قضايا العلاقات الثنائية، منها ملف التأشيرات.
وفيما أشارت ليجيندر إلى أن الهدف هو "تحديد وجهات نظر طموحة ومبتكرة لهذه العلاقة التي هي استثنائية"، أوضحت أن "فرنسا والمغرب شريكان رئيسيان في مجالات الاقتصاد والتعليم والأمن والتعاون، وبالتالي سيتم التطرق إلى كافة القضايا خلال هذه الزيارة".
ويعد ملف التأشيرات من أبرز الملفات الشائكة التي ستثار خلال المحادثات، لا سيما في ظل قرار الحكومة الفرنسية، في سبتمبر/أيلول من عام 2021، "تشديد شروط منح تأشيرة الدخول" للمتقدمين من تونس والجزائر والمغرب. وخفضت العدد السنوي المسموح به بنسبة 30% للتونسيين و50% للجزائريين والمغاربة.
لكن بعد مرور نحو عام على تلك الإجراءات، خففت القيود المفروضة عن التونسيين والجزائريين، فيما ازدادت حدة بالنسبة إلى المغاربة، الأمر الذي أثار غضبا متصاعدا في البلاد، وصل إلى حد المطالبة بمقاطعة المنتجات الفرنسية، وتنظيم وقفات احتجاجية أمام مقر بعثة الاتحاد الأوروبي بالرباط.
وإلى جانب أزمة التأشيرات سيكون ملف الصحراء على رأس المباحثات بين كولونا وبوريطة، في وقت ينتظر المغرب من حليفه التقليدي توضيح موقفه بشأن سيادته على الصحراء في ظل التحولات الكبرى التي عرفها الملف منذ اعتراف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بمغربية الصحراء وما تلاه من تأييد قوى دولية أخرى كان من أبرزها إسبانيا وألمانيا.
وبينما تريد باريس الاحتفاظ بالأمور كما هي، من خلال السعي إلى الحفاظ على علاقات متوازنة مع المغرب والجزائر على حد سواء، والاكتفاء بدعم الموقف المغربي حول الصحراء في مجلس الأمن، تبدو الدبلوماسية الفرنسية في علاقتها مع الرباط أمام امتحان صعب.
وكان العاهل المغربي، الملك محمد السادس، قد عبر عن توجه يقضي بمراجعة شاملة للأسس التي تقوم عليها علاقة بلاده بحلفائه، من خلال تأكيده، في خطاب في 20 أغسطس/ آب الماضي، على أن ملف الصحراء هو "النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم. وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات".
إلى ذلك، تشكل مباحثات كولونا وبوريطة مناسبة للإعداد والاتفاق على الخطوط العريضة لزيارة الرئيس الفرنسي المنتظرة إلى المغرب، والتي سيكون عنوانها البارز "تبديد سوء الفهم بين البلدين" وتصفية الأجواء بعد أشهر من الأزمة الصامتة بين البلدين الحليفين.
وكانت صحيفة "أفريكا أنتلجنس" الفرنسية، قد كشفت، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أن ماكرون سيقوم بزيارة رسمية إلى المغرب في يناير/كانون الثاني المقبل.
ومنذ وصول ماكرون إلى قصر الإليزيه سنة 2017، تعرف العلاقات المغربية الفرنسية تذبذبا ومدا وجزرا، وعاشت على وقع توتر صامت تحول إلى "مواجهة مفتوحة" دارت رحاها على جبهات عدة، سياسية ودبلوماسية واقتصادية، وحتى إعلامية.
وكان العنوان الأبرز للأزمة الصامتة بين باريس والرباط تأجيل، عدة مرات، الزيارة الرسمية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التي كانت تترقبها العاصمة المغربية منذ يناير/كانون الثاني 2020.
وتعتبر باريس الرباط شريكا مثاليا في المجالات الأمنية والاستخبارية والعسكرية، وتمثل فرنسا الشريك التجاري الثاني للمغرب بعد إسبانيا في عام 2020 بحسب وزارة الاقتصاد والمال المغربية. كما أن المغرب هو الوجهة الأولى للاستثمارات الفرنسية في أفريقيا، عبر أكثر من 950 فرعا لشركات فرنسية.
غير أن باريس لا تنظر بعين الرضى للخطوات التي اتخذها المغرب خلال السنوات الماضية لتنويع شركائه الاقتصاديين والسياسيين، والتقليل من تبعيته الاقتصادية لها، وكذلك تثبيت أقدامه في أفريقيا جنوب الصحراء كأحد الشركاء الاقتصاديين للعديد من الدول، حتى بات يحتل المرتبة الثانية من حيث الاستثمار.