كشفت ثلاثة مصادر سياسية عراقية مطلعة في بغداد والنجف، لـ"العربي الجديد"، عن وساطة إيرانية جديدة من المرتقب انطلاقها خلال أيام قليلة، تقودها شخصيات عدة وصفتها المصادر بـ"المؤثرة"، يتصدرها السفير الإيراني الجديد ببغداد محمد آل صادق.
وتهدف هذه الوساطة إلى تخفيف حدة التوتر بين طرفي الأزمة السياسية المتواصلة منذ ما يزيد عن ستة أشهر في البلاد: التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، وتحالف "الإطار التنسيقي"، الذي يضم عدداً من القوى السياسية الحليفة لطهران، أبرزها "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، وتحالف "الفتح" بزعامة هادي العامري، الذي يقدم نفسه كجناح سياسي لفصائل "الحشد الشعبي" المسلحة.
لقاءات إيرانية مع قادة الإطار التنسيقي والصدر لإعادة المفاوضات
الحراك الإيراني المرتقب، الذي يأتي بعد أيام قليلة من بدء السفير الإيراني الجديد في العراق محمد آل صادق مهامه ببغداد، سيتركز على إجراء لقاءات منفردة مع قادة القوى السياسية العربية الشيعية في بغداد، قبل التوجه للقاء الصدر في النجف.
وحتى الآن لم تتضح ملامح الوساطة أو محاورها، لكن نائباً بارزاً في البرلمان العراقي عن تحالف "الإطار التنسيقي"، قال لـ"العربي الجديد"، إنها تهدف إلى "تخفيف التوتر وإعادة إطلاق المفاوضات بعدما توقفت كلياً منذ أسابيع"، معتبراً أن النجاح في إعادة المفاوضات السياسية "أمر مهم للغاية".
تهدف الوساطة الإيرانية لتخفيف التوتر وإعادة إطلاق المفاوضات
وأكد سياسي آخر من التحالف ذاته هذه المعلومات، وقال في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "الجميع يشعرون بقلق من التشنج السياسي الحالي في العراق"، مشيراً إلى أن "شخصيات إيرانية وازنة أصبحت ترى أن حل الأزمة ومنع تمددها إلى القواعد الشعبية للكتل السياسية الشيعية، واجب".
لكن المصدر نفسه رجح ألا تكون الوساطة الإيرانية الجديدة علنية أو على غرار وساطات قام بها قائد فيلق القدس بالحرس الثوري إسماعيل قاآني وشخصيات إيرانية أخرى في الأشهر الأولى من الأزمة، إذ إن الهدف، وفقاً للمتحدث ذاته، هو "إعادة الجميع لطاولة المفاوضات".
واعتبر المصدر أن "القوى السياسية العربية السنية والكردية تتحمل جزءاً من مسؤولية الأزمة، بسبب تحالفها مع الصدريين وكسر قواعد سارت عليها العملية السياسية منذ عام 2005 في ما يتعلق بتشكيل الحكومات".
وختم بالقول إن "الحراك الإيراني يسعى إلى إيجاد مساحة مشتركة جديدة بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري، والعقدة الرئيسة الحالية أن الأخير يرفض الجلوس لتشكيل كتلة شيعية كبرى تقوم بدورها بتشكيل الحكومة، ويعتبر ذلك مصادرة لحقه الذي أفرزته الانتخابات، على الرغم من موافقة الإطار التنسيقي على أن يرشح التيار الصدري رئيس الحكومة، لكن من خلال الكتلة الكبرى التي تمثل المكون الاجتماعي الأكبر بالعراق".
محمد آل صادق يقود الوساطة الإيرانية الجديدة في العراق
ويقود حراك إعادة أطراف الأزمة إلى طاولة الحوار مجدداً السفير الإيراني الجديد في بغداد محمد آل صادق، الذي أجرى سلسلة من اللقاءات والاتصالات في الأيام الماضية مع قيادات سياسية عراقية، وفقاً لما علمته "العربي الجديد".
وفي السياق، قال عضو في "التيار الصدري" في حديث مع "العربي الجديد"، إن "علاقة السفير آل صادق مع مختلف الأطراف العراقية ممتازة، بحكم إجادته للغة العربية وتجربته السابقة في العمل ضمن الطاقم الدبلوماسي الإيراني ببغداد، كما أن علاقته مع التيار الصدري أفضل من علاقة الأخير مع السفير السابق إيرج مسجدي التي كانت باردة".
استبعاد موافقة الصدر على عقد أي لقاءات قبل اكتمال مهلة الـ30 يوماً
واستبعد المصدر نفسه موافقة مقتدى الصدر على عقد أي لقاءات قبل اكتمال مهلة الـ30 يوماً التي طرحها على الأطراف الأخرى قبل أيام لتشكيل الحكومة، مضيفاً "لذلك الجهود ستتركز في بغداد نحو القوى السياسية الأخرى".
واعتبر أن الوساطة الإيرانية الجديدة "يجب أن تكون مشفوعة بقبول الطرف الآخر واعترافه بنتائج الانتخابات واحترام الاستحقاقات التي تمنح التيار الصدري حق تشكيل الحكومة بالطريقة التي يريدها".
صعوبات تواجه حراك الإيرانيين في العراق
وبشأن هذه المعلومات، قال العضو البارز في تحالف "الإطار التنسيقي" عائد الهلالي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الإيرانيين يسعون لتقريب وجهات النظر والمواقف داخل البيت السياسي الشيعي حالياً، وحراكهم يصب بمصلحة العملية السياسية، إذ تملك إيران علاقات طيبة وجيدة مع الأطراف كافة، بما في ذلك السنية والكردية".
لكن الهلالي تحدث عن "صعوبات تواجه الإيرانيين في توحيد البيت الشيعي، خصوصاً أن هذا البيت انقسم حالياً إلى ثلاثة أقسام؛ الأول التيار الصدري والثاني الإطار التنسيقي والقسم الثالث هم النواب المستقلون (عن الدوائر الانتخابية جنوبي العراق وبغداد)، ولهذا هناك صعوبة في لم شمل هذا البيت"، مشيراً إلى أن "المبادرة الإيرانية لا يتوقع منها أن تأتي بنتائج خلال هذه الفترة".
الهلالي: المبادرة الإيرانية لا يتوقع منها أن تأتي بنتائج خلال هذه الفترة
وختم بالقول إن "الوضع السياسي في العراق وصل لمراحل خطيرة من الانسداد، بسبب تزمّت التيار الصدري وتمسكه بمواقفه، لكن في النهاية لا بد من حلول حقيقية، والكل يدرك جيداً أن الحل يكون من خلال اتفاق التيار والإطار، وهذا ما تعمل عليه الأطراف الداخلية والخارجية الصديقة".
بدوره، قال عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني مهدي عبد الكريم، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الإيرانيين فقدوا الكثير من التأثير في المشهد السياسي العراقي بعد رحيل (زعيم فيلق القدس السابق قاسم) سليماني".
وأضاف عبد الكريم أن "الوساطات الإيرانية خلال الأشهر الماضية لحل أزمة تشكيل الحكومة العراقية، أخفقت بشكل غير مسبوق في تقريب وجهات النظر، ولهذا نتوقع فشل أي مبادرة إيرانية جديدة بسبب تمسك السيد مقتدى الصدر ومن معه من حلفاء، بمشروع حكومة الأغلبية".
وتابع عبد الكريم: "هناك خطان في العراق حالياً؛ الأول المتمثل بالتحالف الثلاثي (التيار الصدري والحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة)، والذي لديه مشروع وطني ويرفض أي تدخل خارجي، والخط الثاني المتمثل بالإطار التنسيقي ومن معه، وهو قريب من طهران ويسعى لحكومة توافقية لا تحمل أي تغيير أو إصلاح حقيقي".
التدخل الإيراني في العراق لم يتوقف
إلى ذلك، قال رئيس مركز "التفكير السياسي" في بغداد إحسان الشمري، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "التدخل الإيراني في العراق لم يتوقف، وطهران كانت فاعلة على مستوى المشهد السياسي بكل تفاصيله منذ تشكيل القوائم الانتخابية والتحالفات السياسية، وهذه التدخلات استمرت على أعلى المستويات من خلال الزيارات المتكررة لقاآني إلى العراق".
وأوضح الشمري أن "السفير الإيراني الجديد في بغداد محمد آل صادق لم يكن غائباً أو جديداً على المشهد السياسي، فهو يملك علاقات قوية مع أغلب الزعامات السياسية الشيعية وغيرها، وكان جزءاً من المبادرات والوساطات الإيرانية السابقة".
عبد الكريم: نتوقع فشل أي مبادرة إيرانية جديدة بسبب تمسك الصدر بمشروع حكومة الأغلبية
واعتبر أن "إيران تدرك جيداً أن أي لحظة احتكاك أو صدام شيعي – شيعي، ستفقدها الكثير في الداخل العراقي، ولهذا ستستمر في محاولة تقريب وجهات النظر بين التيار الصدري والإطار التنسيقي".
وختم الشمري بالقول: "أمام إيران حل واحد ممكن لنجاح وساطتها في حل الأزمة السياسية في العراق، وهو عدم مطالبة الصدر بتقديم أي تنازلات، وفي المقابل الضغط على الإطار التنسيقي ليقبل بطرح حكومة الأغلبية، وفق ضمانات، فنجاح المبادرة الإيرانية يكون من خلال توجيهها نحو الإطار لا نحو الصدر، وبخلاف ذلك صعب جداً تأثير طهران على الصدر".
وتتواصل الأزمة السياسية غير المسبوقة في العراق منذ ما يزيد عن ستة أشهر، عقب إجراء الانتخابات التشريعية في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والتي أدت لفوز التيار الصدري بفارق كبير عن أقرب منافسيه من قوى "الإطار التنسيقي".
ويُصر الصدر، الذي نجح في استقطاب قوى سياسية عربية سنية وأخرى كردية ضمن تحالف أطلق عليه اسم "إنقاذ وطن"، على تشكيل حكومة أغلبية وطنية، في الوقت الذي ترفض فيه القوى المدعومة من طهران، والمنضوية ضمن "الإطار التنسيقي"، هذا الطرح، وتطالب بتشكيل حكومة توافقية، على غرار الحكومات السابقة القائمة على نهج المحاصصة داخل مؤسسات الدولة وفقاً للأوزان الطائفية وليس الانتخابية.