شهدت الأيام الماضية وساطة بين حكومة الاحتلال الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية بشأن الأوضاع في الضفة الغربية المحتلة. وبحسب مصادر فلسطينية تحدثت مع "العربي الجديد"، فإن المسؤولين بجهاز المخابرات العامة المصرية قادوا خلال الأيام الماضية جهوداً واسعة من أجل تهدئة الأوضاع في الضفة، التي تشهد تصعيداً كبيراً من جانب قوات الاحتلال، خصوصاً في المناطق الخاضعة للسلطة.
وبحسب المصادر الفلسطينية، فإن "رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس طلب أخيراً من القاهرة التوسط لدى حكومة الاحتلال من أجل البحث عن صيغة توقف الاقتحامات الإسرائيلية لبلدات الضفة الغربية، والتي تتسبب في إظهار السلطة في موقف الضعيف أمام شعبها، وفي مزيد من الإضعاف لتأثيرها ووزنها في المعادلة الفلسطينية لصالح فصائل أخرى مثل حماس والجهاد".
هدف الوساطة المصرية
وهدف الوساطة المصرية، بحسب المصادر، هو "إعادة تصحيح وضع السلطة في الضفة لمنع انفجار الأوضاع هناك بالشكل الذي يحدّ أيضاً من دور الأجهزة الأمنية التابعة لها". وتربط مصر بشكل وثيق في وساطتها بين الأوضاع في القدس المحتلة والضفة الغربية والتهدئة في قطاع غزة، وفق قناعتها بأن حركتي حماس والجهاد فرضتا معادلة منذ حرب مايو/ أيار 2021، بالربط بين المناطق الثلاث. وهي الرسالة التي أكدت عليها حركة الجهاد الإسلامي في مواجهتها الأخيرة مع جيش الاحتلال في قطاع غزة تحت شعار "وحدة الساحات"، الشهر الماضي.
الشيخ عرض على إسرائيل التوقف عن اقتحام الضفة 4 أشهر
وتوصّلت الوساطة المصرية الأخيرة إلى تنسيق لقاء رفيع المستوى بين رئيس جهاز المخابرات في السلطة الفلسطينية ماجد فرج، ووزير الشؤون المدنية حسين الشيخ، ومسؤولَيْن أمنيَّيْن بارزين في حكومة الاحتلال، بهدف البحث عن صيغة تضمن عودة الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية لممارسة دورها في الضفة الغربية وبالتحديد في مدن الشمال.
مع العلم أن القناة الإسرائيلية "كان 11" أول من كشف عن اللقاء قائلة إن المسؤولَين الأمنيَّين الإسرائيليين أحدهما من جهاز الأمن العام "الشاباك"، والآخر من جيش الاحتلال نفسه، من دون أن تشير إلى أي دور لمصر في ترتيبه.
كان الشيخ قد اتهم الاحتلال بـ"إضعاف السلطة الفلسطينية عبر الاقتحامات اليومية للمناطق الفلسطينية، ويأتي بعدها ويتبجح ويقول إن السلطة ضعيفة وعاجزة عن بسط سيطرتها على مناطقها"، وشدّد في تصريحات صحافية على أن السلطة "لا يمكنها أن تقبل بواقع تقتحم فيه قوات الاحتلال الأراضي الفلسطينية كل ليلة، وبعدها تطلب من السلطة العمل في النهار ضد المسلحين"، موضحاً أنه عرض على سلطات الاحتلال "التوقف عن اقتحام المناطق الفلسطينية كفترة اختبار لمدة أربعة أشهر، سعياً لتهدئة الأوضاع، إلا أن الاحتلال رفض العرض".
وحول اللقاء الذي توسطت القاهرة لتنسيقه بين الشيخ وفرج مع مسؤولي الحكومة الإسرائيلية، أكدت مصادر غربية في القاهرة، أن "المسؤولين الفلسطينيين تلقوا ردوداً غير إيجابية بشأن ثني الحكومة الإسرائيلية عن موقفها المتعلق بالاقتحامات اليومية للمدن الفلسطينية الخاضعة للسلطة".
ولفتت المصادر إلى أن "المسؤولين الأمنيين بالحكومة الإسرائيلية لم يغلقوا الباب أمام عملية التنسيق الأمني مع الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية خلال الفترة المقبلة"، مشيرة إلى أن "ممثلي حكومة إسرائيل أكدوا أنه سيتم حسم تلك الجزئية عقب عيد رأس السنة العبرية (بين 25 سبتمبر/ أيلول الحالي و27 منه)".
وأوضحت المصادر أن "المسؤولين شددوا على عدم التراجع عن القبضة الأمنية خلال الفترة الحالية لحين الانتهاء من فترة الأعياد، وذلك على الرغم من التحذيرات التي تلقتها حكومة إسرائيل من مصر في إطار الوساطة بشأن التصعيد الأمني في مدن الضفة، وخطورته على الوضع الفلسطيني بالكامل".
في المقابل، كشف مصدر في حماس عن نقل الحركة "رسائل تحذير شديدة اللهجة" لحكومة الاحتلال عبر الوسيط المصري بشأن الوضع في مدينة القدس ومحيط المسجد الأقصى خلال الفترة المقبلة التي تشهد الأعياد اليهودية. وبحسب المصدر الحمساوي، فإن الحركة "حذرت من السماح للمتطرفين اليهود باقتحام المسجد الأقصى وانتهاك حرمة المقدسات الإسلامية"، مشدداً على أن الحركة لا تزال تتمسك بمعادلة القدس وغزة.
وأرجأ وزير الأمن في حكومة الاحتلال بني غانتس، بطلب من الإدارة الأميركية، مداولات حول مخطط بناء استيطاني في المنطقة "إي 1"، شرقي القدس. ويُعدّ المخطط مشروعاً استيطانياً ضخماً، تم التصديق عليه في عام 1999، ويشمل قرابة 12 ألف دونم.
ويهدف المشروع إلى ربط القدس بعدد من المستوطنات الإسرائيلية، عبر مصادرة أراض فلسطينية وإنشاء مستوطنات جديدة في المنطقة الواقعة بين القدس الشرقية ومستوطنة "معاليه أدوميم". وهو الأمر الذي من شأنه أن يزيد من عزلة القدس الشرقية عن سائر أرجاء الضفة الغربية، وخلق سلسلة متصلة من المستوطنات غير الشرعية تمتد من القدس الشرقية إلى الحدود الأردنية، وهو ما يعيق التواصل الجغرافي بين شمال الضفة الغربية وجنوبها، وبالتالي يجعل إمكانية قيام دولة فلسطينية أمراً مستحيلاً.
وفي سياق آخر، طالب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط الحكومة الإسبانية بدعم الطلب الفلسطيني في الأمم المتحدة بالحصول على عضوية كاملة في المنظمة، وذلك خلال لقائه، أول من أمس الثلاثاء، وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس في مدريد.
وقالت مصادر في الجامعة إن حصول فلسطين على عضوية كاملة في الأمم المتحدة "كان المحور الرئيس لزيارة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى مصر، الأسبوع الماضي، ولقائه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي". وقال دبلوماسي بالجامعة إن "عباس يفكر جدياً في التقدم بطلب تغيير عضوية فلسطين من صفة مراقب إلى عضوية كاملة"، وأوضح أن "الطرح الذي ينوي عباس التقدم به خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة (المقررة بين 20 سبتمبر الحالي و26 منه)، قد لا يحظى بدعم أميركي أو عربي".
وكان البيان الرسمي المصري الذي صدر عقب اللقاء بين السيسي وعباس قد أشار إلى "تأكيد الرئيس المصري على الثوابت القائمة على مبدأ حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية"، مشدداً على "أهمية تكاتف كافة الجهود خلال المرحلة الحالية من أجل دعم الموقف الفلسطيني والحفاظ على التهدئة، خاصةً في قطاع غزة".
وأضاف المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية بسام راضي، عقب اللقاء، أن "الرئيسين اتفقا على مواصلة التشاور والتنسيق المكثف بينهما، سواء على المستوى الثنائي أو في إطار صيغة التنسيق الثلاثية المصرية الأردنية الفلسطينية والأطر المتعددة الأخرى، وذلك من أجل متابعة الخطوات المقبلة وجهود دعم القضية الفلسطينية".
دبلوماسي متقاعد: ينشغل المعنيون بالملف الفلسطيني بمرحلة ما بعد عباس
وتطرق اللقاء الذي جمع بين عباس ووزير الخارجية سامح شكري، قبل يوم واحد من لقاء السيسي، إلى التعامل الدولي مع القضية الفلسطينية، فأكد الرئيس الفلسطيني أن هناك حالة تجاهل دولي وأميركي على وجه الخصوص في الوقت الراهن للقضية الفلسطينية.
وسعى عباس خلال الفترة الماضية إلى حشد الدعم للطرح الذي يسعى لتقديمه، وقد حصل على مؤشرات إيجابية من كل من تركيا والجزائر في هذا الخصوص، لكنه في المقابل، ربما يواجه عدم مباركة أو ترحيب من جانب بعض القوى الخليجية المؤثرة.
مرحلة ما بعد عباس
من جانبه، رجح دبلوماسي مصري متقاعد أن "يكون سبب عدم التعاطي بجدية مع مقترحات وتحركات الرئيس الفلسطيني، هو أن الانشغال الأكبر خلال الفترة الراهنة منصب على التفكير في مرحلة ما بعده، إذ إن هناك حالة من القلق تنتاب كافة الدوائر المعنية بالملف الفلسطيني بما في ذلك الإسرائيليون أنفسهم".
وتابع: "على الرغم من أن عباس نفسه يسعى لتهيئة المشهد للوزير حسين الشيخ، وتمكينه من مجموعة من الملفات المؤثرة، إلا أن هناك أطرافاً أخرى فاعلة لم تعتمد هذا التوجه بعد، ولا تزال هناك مفاضلة بين أسماء متعددة"، واعتبر أن طلب تغيير صفة فلسطين ربما مسعى من عباس لتحقيق انتصار ولو معنوي لدعم موقفه، في ظل استبعاده من المشهد. ورجح الدبلوماسي أن يكون "الطرح الخاص بتعديل صفة فلسطين في الأمم المتحدة مناورة للحصول على ميزات أخرى، مثل رفع اسم منظمة التحرير الفلسطينية من لوائح الإرهاب الأميركية، وإعادة فتح مقر منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وإعادة فتح القنصلية الأميركية بالقدس وعودة الدعم الأميركي غير المشروط".
وفي 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، منحت الجمعية العامة للأمم المتحدة الفلسطينيين وضع "دولة مراقب غير عضو". وفي خطاب أمام الجمعية طالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس وقتها المجتمع الدولي بـ"إصدار شهادة ميلاد دولة فلسطين"، قائلاً "إن الجمعية العامة للأمم المتحدة مطالبة اليوم بإصدار شهادة ميلاد دولة فلسطين، ولهذا السبب بالذات نحن هنا اليوم"، مضيفاً أن "العالم مطالب بتصحيح الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني".
وأدت خطوة منح فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو، إلى انضمام الفلسطينيين إلى أكثر من 100 معاهدة واتفاقية دولية كدولة طرف. وقبل ذلك بعام، صوتت منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (يونسكو) لصالح منح العضوية لدولة فلسطين. وقد أدى ذلك إلى سن تشريع في الكونغرس يلزم بقطع التمويل الأميركي للمؤسسة.