طالب جيش الاحتلال الإسرائيلي بإخلاء مدينة غزة والبلدات ومخيمات اللاجئين التي تقع في محيطها وشمالها، بما يهدف إلى تهجير أكثر من مليون شخص يقطنون هذه المنطقة.
وقد عمل جيش الاحتلال على محاولة إجبار الأهالي في هذه المناطق على إخلاء منازلهم والتوجه إلى وسط وجنوب قطاع غزة عبر القصف العشوائي، الذي أفضى إلى تسوية مربعات سكنية بالأرض، فضلاً عن إنزال مناشير لتحذير الأهالي، سيما في المناطق التي تقع في التخوم الشرقية والغربية من شمال قطاع غزة، مثل بلدتي بيت حانون وبيت لاهيا. مع العلم أن عمليات القصف وتدمير المنازل على قاطنيها تتواصل بوتيرة عالية في جميع مناطق قطاع غزة.
وقد مهد رئيس الوزراء الإسرائيلي لتنفيذ خطة التهجير بمطالبته أهالي جميع قطاع غزة بإخلاء منازلهم، هو ما كرره عدد من قادة الجيش.
وعلى الرغم من أن جيش الاحتلال لم يشر إلى المسوغات العملياتية التي تقف خلف خطة التهجير في شمال غزة، التي يمكن أن تمتد إلى بقية مناطق القطاع، فإنه من الواضح أنها ترتبط بالأساس بأهداف حربه التي أعلنها على القطاع.
ونظرا لإعلان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أن هدف الحرب الرئيس يتمثل في "محو" حركة حماس في قطاع غزة، بمعنى إسقاط حكم الحركة والقضاء على بنيتها التنظيمية والعسكرية، فإن تحقيق هذا الهدف -لو كان بالفعل ما ستسعى إسرائيل لتحقيقه- يتطلب حتما شن عملية برية كبيرة في عمق قطاع غزة.
وفي ظل التخوفات التي أكدها الكثير من القيادات العسكرية الإسرائيلية من أن شن عملية برية سيقترن بسقوط عدد كبير من القتلى في صفوف جيش الاحتلال، فإن الأخير قد يرى في إخلاء غزة والشمال وتدمير أكبر قدر من الوجود العمراني في هذه المناطق وسيلة لتقليص فاعلية الخطوط الدفاعية لحركة حماس، سيما شبكات الأنفاق الدفاعية، التي تزعم تل أبيب أن "كتائب القسام" قد دشنتها في جميع مناطق القطاع.
وتخشى إسرائيل توظيف الأنفاق الدفاعية في تقليص تأثير سلاحي الجو والمدرعات في المعركة التي ستندلع في عمق القطاع.
من ناحية ثانية، وعلى الرغم من أن إسرائيل أثبتت أن في هذه الحرب وفي كل حروبها أن آخر ما يعنيها دماء المدنيين الفلسطينيين، فإنها تعي أن شن حرب برية سيقترن بسقوط عدد هائل من المدنيين الفلسطينيين مما قد يفضي إلى ردة فعل دولية تخصم من رصيد الدعم الكبير الذي تلقته تل أبيب، وهذا قد يقود إلى ضغوط عليها لتوقف المجازر والعدوان.
لذا فإن هناك مصلحة لإسرائيل في تهجير الفلسطينيين في مناطق القتال ومحاولة إنجاز المهمة قبل بدء العملية البرية.
إلى جانب ذلك، هناك هدف استراتيجي خلف خطة التهجير يتمثل في إحداث فجوة بين حماس والجمهور الفلسطيني في قطاع غزة، بحيث يحمل الناس الحركة المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع.
ونظرا لصعوبة الافتراض باكتفاء جيش الاحتلال بشن عملية برية فقط في غزة والشمال، يمكن أن تنفذ عملية مماثلة في المناطق الوسطى والجنوبية من القطاع حال اقتنع بتحقيق أهدافه في المرحلة الأولى من هذه العملية.
لكن على الرغم من ذلك، تبدو فرص إسهام خطة التهجير في تحسين قدرات الجيش العملياتية غير كبيرة، إذ إن الكثير من الفلسطينيين داخل مدينة غزة، سيما في الأحياء التي تقع في تخوم المدينة الشرقية والجنوب شرقية، مثل الشجاعية والزيتون، والدرج، وهي الأحياء التي يفترض أن تستهدفها العملية البرية أولا، ما زالوا يوجدون فيها رغم القصف والتحذيرات. وهذا ينطبق أيضا على مخيم وبلدة جباليا اللذين يقعان شمال غزة، حيث الأغلبية الساحقة من الأهالي ما زالوا في منازلهم.
وحتى لو تم إخلاء معظم الأهالي من حي "الرمال" الذي يقع وسط مدينة غزة، فإن قدرة جيش الاحتلال على الاستفادة عملياتيا من عملية الإخلاء ستكون محدودة بسبب بقاء الأغلبية الساحقة من الأهالي في الأحياء الواقعة في أطراف المدينة، وهي الأحياء التي تمتاز بكثافة سكانية عالية.
ولعل هذا ما يفسر انطلاق المزيد من الأصوات في إسرائيل التي تطالب بعدم الإقدام على تنفيذ العملية البرية. إذ توقع عيران تسيون، نائب رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق ألا يسهم شن العملية البرية في تمكن إسرائيل من تحقيق النصر في حربها على حماس.
وفي سلسلة تغريدات كتبها، السبت، على منصة "إكس"، لفت عيران إلى أن فرص تحقيق إسرائيل النصر في هذه الحرب "تؤول إلى الصفر"، مشيرا إلى أن إسرائيل "تُستدرج وتنجر إلى احتلال قطاع غزة بشكل غير مخطط له وفي ظروف بالغة السوء لم يتوقعها أحد".