توفي المناضل السياسي والرئيس السابق للحزب الشيوعي الجزائري الصادق حجرس، الليلة الماضية، عن عمر ناهز 94 سنة، بعد مسيرة حافلة في الحركة الوطنية والثورة الجزائرية.
ونشط حجرس في الكشافة الإسلامية الجزائرية، بعد دراسته الثانوية بكلية الطب في العاصمة الجزائرية، والتحق بحزب الشعب الجزائري الذي تحول لاحقا إلى حركة انتصار الحريات الديمقراطية عام سنة 1944، قبل أن يقرر الانضمام إلى الحزب الشيوعي الجزائري عام 1949، في أعقاب ما يعرف بالأزمة الأمازيغية التي اندلعت بين قيادات الحركة الوطنية.
ولم يكن الحزب الشيوعي الجزائري حينها حزبا جزائريا خالصا، إذ كان يضم أيضا مناضلين فرنسيين، يدعمون حقوق الشعب الجزائري، وشكل تنظيما مسلحا باسم "مكافحي الحرية"، مستفيدا من شحنة أسلحة كان هربها ضابط فرنسي متعاطف مع جبهة التحرير، هنري مايو، من ثكنة فرنسية، لكن جبهة التحرير الوطني التي كانت تقود الكفاح المسلح، كإطار موحد للقوى الجزائرية، أقنعت الحزب الشيوعي والصادق حجرس، بضم أعضاء التنظيم المسلح وأسلحتهم الى جيش التحرير الوطني.
بعد استقلال الجزائر في يوليو 1962، استمر الصادق حجرس في شغل منصب الأمين عام الحزب الشيوعي الجزائري، إلى غاية الانقلاب الذي أطاح الرئيس أحمد بن بلة في يونيو 1965، حين أقام الرئيس هواري بومدين نظام حكم يقوم على الحزب الواحد (جبهة التحرير الوطني)، بينما كان الحزب الشيوعي الجزائري قد أنشأ منظمة معارضة للانقلاب (منظمة المقاومة الشعبية)، اعتُقل أعضاؤها لاحقا، وهو ما دفع الحزب الشيوعي عام 1966 للتحول إلى حزب الطليعة الاشتراكية، والعمل في السرية.
لكن مفاوضات جرت بين الصادق حجرس ونظام بومدين، دفعت بالسلطة إلى السماح بنشاط غير معلن للحزب في الجامعات والفضاءات الثقافية خاصة، بعدما أقر الحزب بالتوجهات الاشتراكية التي انتهجها الرئيس بومدين، وعلاقاته الوثيقة التي أقامها مع موسكو، واتخذ حجرس من "المشاركة النقدية"، عنوانا لخط الحزب في علاقته بالسلطة. وتؤكد الباحثة في التاريخ السياسي مليكة رحال، في دراسة نشرتها عن مسارات الحزب الشيوعي في الجزائر، أن "الرئيس بومدين اعتمد على حزب الطليعة الاشتراكية كي يعزز إصلاحاته ذات الطابع اليساري مثل الثورة الجزائرية وتأميم النفط والغاز سنة 1971، وكتائب المتطوعين التي أُرسلت إلى المناطق الريفية من أجل دعم الفلاحين في أعمالهم ونشر أيديولوجية تدعم الإصلاح الزراعي".
وبعد انتفاضة أكتوبر 1988، والتي سمحت بالتعددية السياسية، بقي الصادق حجرس في رئاسة الحزب حتى عام 1991، حين قرر الانسحاب من الحياة السياسية، وتسلم الراحل الهاشمي شريف رئاسة الحزب. وتفرغ بعدها الصادق حجرس لكتابة مذكراته السياسية التي حملت عنوان "لما تصحو أمة"، تطرق فيها إلى مجموع المحطات التاريخية في مساره وفي تاريخ البلاد.