توفي اليوم المدير السابق للمخابرات الجزائرية الجنرال محمد بتشين، والذي كان قد قاد الجهاز الأمني بعد دخول البلاد عهد التعددية السياسية الى غاية ما قبل بداية الأزمة الأمنية.
يُحسب بتشين على تيار من القيادات العسكرية التي كانت ترغب في إطلاق حوار مع الإسلاميين خلال الأزمة الأمنية، فيما لا يعرف مصير مذكرات كان تعهد بنشرها منذ عام 2016.
وتوفي بتشين إثر إصابته بمرض عضال في المستشفى العسكري بقسنطينة شرقي الجزائر، وعزّى الرئيس عبد المجيد تبون في وفاته، إضافة إلى قائد الجيش الفريق سعيد شنقريحة، وكان الجنرال محمد بتشين، على لائحة القيادات العسكرية التي كرمها الرئيس عبد المجيد تبون في حفل أقامته قيادة الجيش في الرابع من أغسطس/ آب 2022، بمناسبة عيد الاستقلال، لكنه غاب عن الحفل لدواع صحية.
ويعد بتشين رابع مسؤول لجهاز المخابرات الجزائرية بعد كل من قاصدي مرباح ونور الدين يزيد زرهوني ولكحل عياط، إذ قاد قبل ذلك جهاز أمن الجيش (فرع من المخابرات) من عام 1982 الى غاية أكتوبر/ تشرين الأول 1988، حتى عُين بعدها مديراً لجهاز المخابرات (كانت تسمى مندوبية الوقاية والأمن)، وينسب بتشين في شهادة مكتوبة نشرتها الصحافة الجزائرية عام 2016، لنفسه قيامه باصلاحات في المؤسسة الأمنية، إذ يقول إن "عام 1989 شهد تغييرات، وقمت بإنهاء ما كان يعرف بالشرطة السياسية، كما سحبت كل أعوان الأمن والمخابرات الذين كانوا يقبعون في الوزارات والمؤسسات العمومية، وأغلقت كل تلك المكاتب، وهو الأمر الذي جعل بعض الأشخاص في النظام يتوترون ويخلقون جبهة ضدي"، مشيراً إلى أن "بعض المشكلات حدثت بسبب قرارات جادة كنت اتخذتها داخل جهاز المخابرات، والتي كانت سبب تآمر البعض علي".
ويؤكد بتشين أنه استقال بمحض إرادته من قيادة جهاز المخابرات في سبتمبر/ أيلول عام 1990، بعدما رفضت السلطة السياسية والرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، الأخذ بمضمون تقرير أمني رفعه بتشين إلى الرئيس بن جديد فيما يخص الوضع الذي كان سائداً أنذاك، عقب لقائه قيادات الجبهة الإسلامية للإنقاذ (منحلة منذ 1992)، حيث كان قد طالب الرئيس شخصياً بعقد اجتماع طارئ يضم قادة الدولة، وهم 11 شخصية حينها، للبحث عن الحلول وتفادي الكارثة، مشيراً إلى أنه "لم يتم الأخذ بتقريري كمسؤول أول عن الأمن في البلاد، ولم تؤخذ الاحتياطات التي طرحتها بعين الاعتبار، والباقي الكل يعرفه، حدث الانزلاق فوقعت الكارثة الكبرى"، في إشارة منه إلى قرار الجيش وقف المسار الانتخابي ودفع الرئيس الشاذلي إلى الاستقالة، وأضاف: "رأيت أن الأمر فيه تلاعبات كثيرة، فقررت تقديم استقالتي بصفة نهائية".
ولعب الجنرال بتشين دوراً سياسياً وأمنياً في أكثر المراحل الدامية في تاريخ الجزائر، خلال التسعينات. وبعد استقالته من قيادة جهاز المخابرات عام 1991، عاد بتشين إلى السلطة كمستشار للرئيس ليامين زروال، بداية من عام 1994، وتولى بتشين حينها إنشاء حزب التجمع الوطني الديمقراطي، في فبراير/ شباط عام 1997، وهو الحزب الذي سيفوز بعد أربعة أشهر بانتخابات نيابية جرت في يونيو/ حزيران من عام 1997، كبديل لحزب جبهة التحرير الوطني الذي كانت قيادتها قد تمردت على السلطة وعارضت توقيف المسار الانتخابي منذ يناير/ كانون الثاني عام 1992، قبل أن تشن ضد بتشين حملة إعلامية مدعومة من الجهاز الأمني، دفعته إلى الاستقالة من الرئاسة.
واستثمر الجنرال بتشين في الإعلام، إذ أنشأ صحفاً صدرت باللغتين العربية والفرنسية، وعاد الجنرال إلى الأضواء بداية عام 2016، عندما كان طرفاً في سجال سياسي حاد، جرى على صفحات الجرائد والبيانات عام 2016، مع وزير الدفاع السابق خالد نزار، المهندس الرئيس في وقف المسار الانتخابي في 11 يناير/كانون الثاني عام 1992 في الجزائر، حيث نشر بتشين في يناير/ كانون الثاني 2016 إقرارات يتهم فيها نزار بالتورط في إفشال محاولات الحوار مع الإسلاميين عام 1994، وتعهد حينها بكشف كل تفاصيل تلك المرحلة الحساسة والدامية في تاريخ الجزائر في كتاب قيد التأليف بحسبه، غير أن هذه المذكرات لم تنشر منذ ذلك الوقت، ولا يُعرف مصيرها، وما إذا كانت ستنشر بعد وفاته.