منذ اندلاع الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منتصف إبريل/نيسان الماضي، ظل الكثير من الأسئلة عالقاً في أذهان السودانيين حول غرابة المواجهات التي انطلقت فجأة وتسارعت وتيرتها حتى قاربت الشهر، واختلافها عما عهدوه من حروب وصراعات في بلادهم.
من بين تلك التساؤلات التي أثارت حيرة السودانيين، سرعة سيطرة قوات الدعم السريع على مواقع استراتيجية ومقار حكومية، واعتقال بعض الضباط في اليوم الأول للمواجهات، وعدم قصف الجيش لمنزل حميدتي في حي جبرة حتى اليوم، إلى جانب قدرة قوات الدعم السريع التي شكلت رسمياً عام 2013 على الصمود أمام الجيش السوداني الذي تأسست نواته في عام 1925.
يقول الكاتب والمحلل السياسي صلاح مصطفى لـ"العربي الجديد"، إن هذه الحرب برمتها "غريبة" لأنها اندلعت بعد تحذيرات متكررة للطرفين من تطور صراعهما منذ أشهر، لا سيما حين أقرّ حميدتي بخطأ مشاركته البرهان في انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، مضيفاً: "عندما بدأ الاشتباك صباح 15 إبريل/نيسان بهجوم غريب لم يكن ضباط في الجيش على علم به، بدليل القبض على بعضهم وإطلاق النار على ضباط شرطة كانوا متوجهين لعملهم، ثم سيطرة الدعم السريع على مقار حكومية بسرعة". وأرجع مصطفى هذا الأمر إلى وجود الدعم السريع أصلاً بالقرب من المؤسسات السيادية ومشاركتها في تأمينها.
وأشار مصطفى إلى أن حميدتي يشغل حتى اليوم منصب نائب رئيس مجلس السيادة، "لسبب غير مفهوم"، معتبرا أن "أيادي داخلية وخارجية" تحرك هذا الصراع، "ولا يعرف الناس حتى اليوم حقيقة ما يحدث". وقال: "قوات الدعم السريع تحتمي بالأحياء السكنية، لهذا لا تزال صامدة وهي غير قادرة على مواجهة المدرعات وسلاح الجو، وصمودها مربوط بوجود منازل وسكان تستخدمهم كدروع".
من جهته، رأى الصحافي والمحلل السياسي ماهر أبو الجوخ، أن ما حدث من تطورات في الأيام الأولى للاشتباكات وسيطرة الدعم السريع واعتقال الضباط نتيجة طبيعية لحالة التعاون المشترك بين جنرالات الجيش مع الدعم السريع، وجعلها طرفاً أساسياً في تأمين كل المواقع الاستراتيجية أو التواجد في محيطها، بالتالي تسهيل مهمتها في السيطرة عليها.
وأضاف أبو الجوخ لـ"العربي الجديد"، أن اعتقال عدد كبير من الضباط نتج بتقديره عن تقليص درجة الاستعداد في الجيش في الأسبوع الأخير قبل بدء الاشتباكات إلى أقل من 100%، وبقاء كل الضباط والجنود في وحداتهم مسلحين إلى درجة 50%، "وهذا يعني وجود أعداد كبيرة خارج مكاتبها".
وقال: "لو اندلعت الحرب يوم الأحد، فإن عدد الضباط الأسرى كان سيبلغ أكثر لأن السبت يوم عمل بنسبة ضعيفة".
كما تطرق إلى مسألة "عدم تخطيط الجيش المسبق للحرب". وقال إن "الرواية المتداولة تفيد بأن عناصر عسكرية ذات صلة بتنظيم حزب عمر البشير المحلول هي التي أشعلت شرارة الحرب".
ورأى أن "الأمر واضح من خلال الوقائع والحيثيات السابقة والتالية في الحرب إعلامياً وسياسياً وعسكرياً.. الجيش نفسه فوجئ بهذه الحرب، ولم يكن مستعدا لها بشكل كامل".
ولفت أبو الجوخ إلى أن "قوات الدعم السريع ظلت لشهور متوجسة من تحركات عسكرية تستهدفها، وكانت هذه المخاوف واضحة في الاجتماعات التي عقدت بين البرهان وحميدتي قبل أقل من أسبوعين من اندلاع الحرب، لذلك ظل الأخير يحشد قواته داخل الخرطوم، وحينما اندلعت الحرب كان مستعدا لها"، مبينا أن الدعم السريع سيّرت المعركة كما خططت لها، إلا أن الأمر الذي لم تتحسب له هو إمكانية استخدام سلاح الطيران لمطارات كانت خارج سيطرتها، وهو الأمر الذي أثر على سير عملياتها.
وأعرب عن اعتقاده بأن قوات الدعم السريع كانت على علم مسبق بنقطة ضعف الجيش والمتمثلة في قلة قوات المشاة واستخدامه لتكتيكات وتشكيلات عسكرية غير متوائمة مع حرب المدن بالمقارنة مع الدعم السريع التي أجادت استخدام تكتيك حرب السيارات ونقله من الصحراء إلى شوارع المدن، بالإضافة لاستخدام الدرجات البخارية في الأنشطة الهجومية والدفاعية والاستخباراتية داخل الأحياء، وعدم اتباع استراتيجية التمسك بالأرض واللجوء للكر والفر، بالإضافة إلى تحييد الطيران من خلال الاحتماء بالأحياء السكنية. وقال: "هذه التكتيكات مكّنت الدعم السريع من الصمود لفترة طويلة".
وبرأيه، فإن مسألة عدم قصف منزل حميدتي أو عزله من منصبه الدستوري والعسكري يمكن تفسيرها بأن أطرافاً داخل الجيش لا تريد أن تصل مع حميدتي لوضعية القطيعة الكاملة، على الرغم من "وجود مؤشرات تظهر وجود تيار يقوده الرجل الثاني في الجيش الفريق أول شمس الدين الكباشي على علاقة متوترة مع حميدتي منذ فترة طويلة".
وقال: "لكن لا يمكن اعتبار عدم تطبيق هذه الخطوات التصعيدية دلالة على عدم حدوثها، فهي واردة الحدوث لكن من المؤكد أنها ستؤدي إلى رد فعل بشكل عنيف على الأرض".