ولادة جديدة للحرب الإثيوبية: مسلحو تيغراي على طريق العاصمة

02 نوفمبر 2021
مقاتلون موالون للحكومة بمدينة ديسي، أغسطس الماضي (إدواردو سوتيراس/فرانس برس)
+ الخط -

لا شيء يشير إلى أن الحرب بين قوات الحكومة الإثيوبية و"جبهة تحرير شعب تيغراي" ستنتهي في المدى القريب، لا بل إن الصراع يزداد تعقيداً مع انضمام أطراف جديدة إليه، وإصرار الجبهة على عدم الاستسلام، على الرغم من تهديدات رئيس الوزراء أبي أحمد المتواصلة. وبينما يحاول الجيش مجدداً طرد الجبهة من إقليم تيغراي الذي كانت عادت إليه في يونيو/ حزيران الماضي، بعد حرب طاحنة، لا بل وسّعت رقعة وجودها لتمتد إلى المناطق المجاورة، تبدو الجبهة في موقع مريح إلى الآن، مع إعلانها التقدم نحو مدينتين استراتيجيتين على طريق سريع رئيسي باتجاه العاصمة أديس أبابا في اليومين الأخيرين. وأثارت هذه التطورات قلق الولايات المتحدة، بينما لم يجد أبي أحمد أمامه سوى الاستنجاد بالسكان ودعوة الإثيوبيين لاستخدام "أي سلاح... لصدّ جبهة تحرير شعب تيغراي المخربة وإسقاطها ودفنها". وتزداد متاعب الحكومة مع انضمام متمردين من أوروميا، أكثر أقاليم البلاد سكاناً، إلى القتال ضدها كذلك، بعدما كانوا قد أعلنوا تحالفاً منذ أشهر مع "جبهة تيغراي".
وأعلنت "جبهة تحرير شعب تيغراي"، أول من أمس الأحد، استحواذها على مدينة كومبولشا الاستراتيجية في إقليم أمهرة المجاور لتيغراي في شمال البلاد، غداة إعلانها بسط سيطرتها على مدينة ديسي في الإقليم نفسه، في حين كذبت الحكومة الإثيوبية هذه المزاعم، مشيرة إلى أن قواتها ما زالت تخوض "معارك عنيفة" مع المتمردين. وعلى الرغم من هذا النفي الحكومي، إلا أن المؤكد أن قوات جبهة تيغراي باتت في المدينتين وتخوض معارك مع قوات الحكومة والمليشيات الموالية لها هناك.

الحكومة الإثيوبية: قوات تيغراي أعدمت 100 في بلدة كومبولتشا

وكتب المتحدث باسم الجبهة، غيتاشيو رضا، في تغريدة عبر تويتر، "السيطرة تماماً على كومبولشا". وفي حال تأكد الأمر، سيكون ذلك انتصاراً مهماً للمتمردين في حربهم ضد الحكومة الفيدرالية المتواصلة منذ عام، خصوصاً أن المدينة تقع على طريق سريع يربط أديس أبابا بميناء جيبوتي. وسعى متمرّدو تيغراي منذ أغسطس/ آب الماضي إلى قطع الطريق الدولي مع جيبوتي، بهدف تسهيل حصولهم على المساعدات الدولية، وقطع الطريق الوحيد للتجارة الخارجية الإثيوبية عبر ميناء جيبوتي، لخنق حكومة أبي أحمد. كما حاول المتمردون منذ أشهر الوصول إلى مدينة ديسي، ثاني أكبر مدينة في إقليم أمهرة، والواقعة على الطريق الرئيسي المؤدي إلى العاصمة أديس أبابا جنوباً.

لكن المتحدث باسم الحكومة ليجيسي تولو، قال في مؤتمر صحافي الأحد "ثمة معارك عنيفة حالياً على جبهتي ديسي وكومبولشا". من جهته، قال مركز الاتصالات الحكومي عبر "تويتر" أمس إن "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي الإرهابية أعدمت أكثر من 100 شاب من سكان كومبولشا من دون محاكمة في المناطق التي تسللت إليها"، مضيفاً أنه "يجب على المجتمع الدولي ألا يغضّ الطرف عن مثل هذه الفظائع". ولم يتضمّن البيان تفاصيل أكثر.

والجزء الأكبر من شمال إثيوبيا مغلق أمام الصحافة، ما يجعل من الصعب جداً التحقق من معلومات الطرفين بشكل مستقل. وعززت المعارك في كومبولشا التكهنات حول احتمال وصول قوات الجبهة المتمردة إلى العاصمة أديس أبابا.

وصرّح سكان مذعورون في كومبولشا لوكالة "فرانس برس" بأنهم أمضوا (يوم الأحد) في منازلهم في حين دارت معارك بين متمردي جبهة تحرير تيغراي من جهة والجيش الإثيوبي ومليشيات محلية من جهة ثانية. وأفادت سميرة (36 عاماً) بأنها شاهدت المتمردين في الشوارع، وقالت "رأيت العسكريين يغادرون المدينة في بضع شاحنات". بدوره، أكد التاجر حمديو أنه رأى قوات فدرالية تغادر على ظهر شاحنات، وصرح لوكالة "فرانس برس" أن "المدينة هادئة بشكل مخيف، كل الناس في منازلهم"، مضيفاً أنه يستطيع رؤية مقاتلي جبهة تحرير شعب تيغراي في الشوارع من النافذة.

حضّ أبي أحمد الإثيوبيين على استخدام "أي سلاح لصد جبهة تحرير شعب تيغراي"

كذلك، شهدت مدينة ديسي تجدداً للمعارك وتبادلاً للقصف المدفعي الأحد. وعادت القوات الإثيوبية التي قال العديد من الشهود إنها تراجعت في الليلة السابقة إلى المدينة وأمرت السكان بالبقاء في منازلهم، بحسب سكان في المنطقة. وقال أحد قاطني ديسي الذي عرّف عن نفسه باسم محمد لوكالة "فرانس برس": "أبلغنا الجنود بأنهم يقاتلون لاستعادة المدينة... وقالوا لنا إنه يجب ألا يخرج أحد من منزله".

وفي منشور على فيسبوك، حضّ رئيس الوزراء أبي أحمد الإثيوبيين على استخدام "أي سلاح... لصد جبهة تحرير شعب تيغراي المخربة وإسقاطها ودفنها". وأضاف أن قواته تقاتل على أربع جبهات ضد قوات تيغراي. وتابع: "يجب أن نعرف أن قوة عدونا الرئيسة هي ضعفنا وعدم استعدادنا"، وأكد أن "الموت من أجل إثيوبيا واجب علينا جميعاً"، مردداً النداء الذي وجهته حكومة إقليم أمهرة إلى السكان للتعبئة والدفاع عن أراضيهم.

كذلك، جاء في بيان لمكتب الاتصالات العسكرية الإثيوبي الأحد "ستواصل القوات المسلحة على الجبهة تطهير (المنطقة) من مجموعة الإرهابيين"، فيما حضّ المتحدث باسم الحكومة ليجيس تولو المواطنين على حشد صفوفهم استعداداً للمعركة، وقال "على كل مواطن إثيوبي قادر على القتال التحرّك". بدورها، دعت إدارة إقليم أمهرة السكان إلى حماية أحيائهم. وقالت في بيان الأحد إنها "تدعو جميع المواطنين في المنطقة القادرين على القتال لتسجيل أنفسهم، في الأيام الثلاثة المقبلة". وأضافت "على كل المؤسسات الحكومية وقف أنشطتها المعتادة وعليها أن توجه ميزانيتها وكل مواردها لحملة النجاة... المسؤولون على كل المستويات عليهم الحشد والقيادة... إلى الجبهة". وأعلنت حظر تجول من الثامنة مساء بالتوقيت المحلي وحثت المواطنين على تقديم سياراتهم الخاصة لدعم الحملة.

ودفعت هذه التطورات المهمة الولايات المتحدة إلى التعليق، إذ أبدى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أمس الإثنين، قلقه حيال تقارير عن سيطرة قوات إقليم تيغراي على مدينتي ديسي وكومبولشا الرئيسيتين في إقليم أمهرة. وقال بلينكن في تغريدة عبر "تويتر" إن "استمرار القتال يطيل أمد الأزمة الإنسانية المؤلمة في شمال إثيوبيا. يجب على جميع الأطراف وقف العمليات العسكرية والبدء في مفاوضات لوقف إطلاق النار من دون شروط مسبقة".

بلينكن: على جميع الأطراف وقف العمليات العسكرية والبدء في مفاوضات لوقف إطلاق النار

في هذه الأثناء، برز تطور لا يقل خطورة على صعيد معركة المتمردين ضد الحكومة، إذ قال متمردون من أوروميا، أكثر أقاليم البلاد سكاناً، إنهم سيطروا بدورهم على مدينة كميسي التي تبعد نحو 53 كيلومتراً إلى الجنوب من كومبولتشا على ذات الطريق السريع المؤدي للعاصمة أديس أبابا، ما يشير إلى احتمال تمدد القتال إلى منطقة أوروميا المجاورة للعاصمة.

وقال متحدث باسم "جيش تحرير أورومو" إن الجماعة سيطرت على المدينة التي تبعد عن أديس أبابا حوالي 325 كيلومتراً وتشتبك مع قوات حكومية. وكانت قوات تيغراي قد قالت لـ"أسوشييتد برس" نهاية الأسبوع الماضي إنها على استعداد للاندماج مع "جيش تحرير أورومو"، الذي أبرم معها تحالفاً عسكرياً في أغسطس/ آب الماضي، مما زاد الضغط على الحكومة المركزية.

ويؤذن تحرك المتمردين نحو أديس أبابا بمرحلة جديدة من الحرب التي أودت بحياة آلاف الأشخاص منذ اشتعالها قبل نحو عام، بين قوات الحكومة الإثيوبية وقوات تيغراي في الإقليم الواقع شمالي البلاد. ويهدد اتساع نطاق الصراع بزعزعة استقرار ثاني أكبر دول القارة الأفريقية من حيث عدد السكان، والتي كانت تعتبر في وقت من الأوقات دولة مستقرة حليفة للغرب في منطقة مضطربة، كما يهدد الصراع استقرار منطقة القرن الأفريقي برمتها.

في الأثناء لا يزال إقليم تيغراي يتعرض إلى قصف جوي يومي تقريباً منذ نحو أسبوعين، فيما يزداد اعتماد الجيش على سلاح الجو في النزاع. وأعلن الجيش الإثيوبي أنه شن غارة جوية على تيغراي الأحد، بحسب بيان صادر عن الحكومة عبر "تويتر"، مشيراً إلى أن الغارة استهدفت "منشأة تدريب عسكرية (كانت) بمثابة مركز للتجنيد والتدريب" لجبهة تحرير تيغراي، من دون الإفادة عن سقوط ضحايا.

(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز، أسوشييتد برس)

تقارير دولية
التحديثات الحية
المساهمون