يملك دونالد ترامب الكثير من الحوافز لإبقاء دراما الانتخابات الرئاسية الأميركية مفتوحة إلى يوم التنصيب. فالرئيس الأميركي الـ45، لم يصبح "رئيساً سابقاً" بعد، وهو لا يريد أن يحصل ذلك في موعد تنصيب الرئيس جو بايدن، عندما تدق الساعة 12:00 ظهراً في 20 يناير/كانون الثاني المقبل، من دون الكثير من الإثارة التي ستكون غير مسبوقة في التاريخ الأميركي. وحده ترامب، يستطيع خلق فيلم رئاسي مشوق، يتضمن الكثير من مشاهد الشغب والعبث، لكن ذلك لن تكون كلفته منخفضة على أمّة أميركية منهكة، أو حتى عليه هو نفسه، ويبقى رهناً بالكثير من "الحلفاء" الذين بدأوا يبتعدون عنه، ومن بينهم سلاحه الفتاك "تويتر".
ترامب: يجب أن ندقق في الأصوات وبدأنا العد والتسجيل
قد تكون هذه خلاصة تصورات خبراء، باتوا يجمعون على أن دونالد ترامب لن يخرج من أضواء السلطة السياسية، بليونة، وبطريقة منتظمة، متبعاً المسار البروتوكولي ذاته الذي سار عليه الرؤساء الأميركيون السابقون: اتصال تهنئة منه بالرئيس المنتخب، ثم لقاؤه معه بعد فترة وجيزة في البيت الأبيض، وتسهيل الانتقال الإداري حتى موعد التنصيب. وإذا كان لقاء الخصمين لا يزال مؤجلاً، فيما لم تصادق بعد إدارة الخدمات العامة الحكومية على اسم الفائز في انتخابات الرئاسة الأميركية للعام 2020، وقالت أول من أمس السبت إنها لم تتخذ قراراً بعد حول ذلك، تبدو سيناريوهات عملية انتقال السلطة الرئاسية في الولايات المتحدة مشرعة أمام العديد من الاحتمالات، أكثرها استبعاداً أن يكون ترامب ذلك الرجل "الذي ينسحب بسلاسة في عتمة الليل"، على حدّ تعبير دوغلاس برينكلي، أستاذ التاريخ في جامعة رايس. وبعض التكهنات يصل إلى حدّ تدخل الجيش، في وقت أبرزت حملة بايدن عضلاتها، بالقول الجمعة إن "لصبرها حدودا". وسط ذلك، سيكون أمام الأميركيين 10 أسابيع من العبث الترامبي، بحسب العارفين بشخصية الرئيس.
وأكد ترامب في تغريدة أمس توجهه لعدم الاستسلام قائلاً "يجب أن ندقق في الأصوات، وبدأنا للتو العدّ والتسجيل، وعلمنا بشهادات بوجود تزوير في التصويت". وبحسب الإعلام الأميركي، وما يرشح عنه من كواليس الحلقة الضيقة المحيطة بترامب، فإن الأخير ليس على ما يرام، وهو قد يكون مكتئباً، لكن صهره جاريد كوشنر، نصحه بالانصياع لخيارات الناخبين. وإذا بدا الإعلام الأميركي التقليدي "شامتاً" بالرئيس الجمهوري، إلا أن أي رئيس خاسر سينتابه الحزن. أما إذا كان ترامب، فيصبح رفض الهزيمة مشروعاً خطراً، لم يتوان حتى دبلوماسيون أجانب يقيمون في واشنطن من التحذير منه، وسط الحديث عن ضبابية ما ستؤول إليه الأمور حتى يوم التنصيب. إذ أن بعد ذلك، يصبح التكهن بمآلات الوضع أسهل إذا ما تمكن بايدن من تسلم السلطة، حتى لو مع مجلس شيوخ جمهوري. إذ أن ترامب يدرس الكثير من الخيارات السياسية والإعلامية، منها عودته للترشح في 2024، وبناء امبراطورية إعلامية، واستمرار التحريض، وستكون بوصلة ذلك استمرار الرهان على قاعدة "لنجعل أميركا عظيمة مجدداً". أما ما يتحدث عنه الإعلام عن استمرار حجّ الجمهوريين إلى مارالاغو في فلوريدا، لنيل بركة ترامب في "منفاه الاختياري"، فيبقى رهن المراقبة.
لكن حتى ذلك الحين، يبقى الشغل الشاغل للكثير من المراقبين، كيفية انتقال السلطة، المرهونة بما ستتمخض عنه ساعات التأمل التي يقضيها ترامب حالياً في البيت الأبيض، منذ إعلان الإعلام فوز بايدن. وبانتظار خروج الدخان الأبيض أو الأسود من الجناح الغربي، دخل المسار القضائي لدى الجمهوريين لنقض تصويت بعض الولايات المتأرجحة، أرض الواقع، وأكد ذلك البيت الأبيض، السبت، ببيانٍ مقتضب جاء فيه أن الرئيس "سيقبل نتائج انتخابات حرة ونزيهة"، وأن الإدارة "تتبع جميع المتطلبات القانونية". التأويل المتشائم لهذا البيان، عزّزته آراء مقربين من ترامب، ومنهم مستشاره الاقتصادي لاري كودلو الذي أكد أن الرئيس "يعتزم القتال". وفي تصريح آخر، قال مستشاره روجر ستون، "أشك" في أن الرئيس سيتنازل، مضيفاً: "سيكون لدى بايدن سحابة على رئاسته".
تعتزم حملة ترامب فتح معركة قضائية على مستوى البلاد
وأكد مساعدون لترامب أنه ليست لديه خطط سريعة لإلقاء خطاب الاعتراف بالهزيمة والتخلي عن السلطة، فيما تعهدت حملته بمواصلة معركتها القضائية في الولايات. وتوجهت حملة ترامب واللجنة الوطنية الجمهورية، للمؤيدين للرئيس، بمناشدات للحصول على المال، ما أدى إلى جمع عشرات الملايين من الدولارات منذ يوم الثلاثاء الماضي، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر. ونقلت وكالة "أسوشيتد برس" عن هؤلاء قولهم إن بعض الأموال ستستخدم لمواصلة حملة عامة قوية لتقويض الثقة في نتيجة الانتخابات. وبحسب "نيويورك تايمز"، فإن كبير موظفي البيت الأبيض مارك ميدوز يعمل على التحديات القضائية للحملة. لكن بحسب الصحيفة، فإن هذا الجهد قد يواجه بضغط جمهوري، قد يدفع عائلة ترامب إلى إجباره على رفع الراية البيضاء. بل حتى بعض مستشاري ترامب، كحاكم ولاية نيوجرسي السابق كريس كريستي، قال إنه يحتاج إلى أدلة لإثبات ادعاءات ترامب حول التزوير. وبحسب الصحيفة، حاول مساعدون لترامب إقناع رودي جولياني، محاميه، بالتراجع عن بعض الادعاءات، لكن الأخير تمكن من إقناع الرئيس بالسماح له بعقد مؤتمر صحافي في فيلادلفيا، أكد فيه بعد وقت قصير من إعلان الإعلام فوز بايدن، السبت، أن حملة الرئيس تعتزم رفع شكوى قضائية اليوم الإثنين، تتهم فيها سلطات بنسلفانيا الانتخابية بحرمانها من حق مراقبة فرز الأصوات، مهدداً بحملة قضائية قد تقود إلى فتح "معركة قضائية ضخمة تشمل البلاد كلها". لكن حملة الرئيس خسرت حتى الآن معارك قضائية في ميشيغن وبنسلفانيا وفيلادلفيا.
ويخشى الديمقراطيون عرقلة المسؤولين في إدارة ترامب مجموعة من الخطوات الضرورية في العملية الانتقالية. لكن المراحل الأولى من العملية بدأت من دون خلل. ويقود كريس ليدل، المسؤول في البيت الأبيض، عملية الانتقال هذه. لكن مسؤولاً آخر قال لـ"نيويورك تايمز"، إن ترامب لم يتدخل فيها بسبب "خشيته من فأل سيئ"، كما أن مسؤولين فضّلوا تحييده، كي لا "يحدث ضرراً". ماذا يمكن لـ"البطة العرجاء أن تفعل"؟ ليس الكثير لإغراق رئاسة بايدن بالفوضى، ولكن الكثير من الضجّة، لإبقاء الأثر الترامبي حيّاً.