يتذكر السوريون اليوم مجزرة "ساحة الساعة" في مدينة حمص، تلك الساعة التي تحولت إلى رمز من رموز الثورة يحمله أنباء المدينة أينما حلوا متظاهرين ضد النظام السوري. ففي فجر الثامن عشر من نيسان/ إبريل 2011 حصلت تلك المجزرة التي ما تزال أهوالها عالقة في أذهان من شهدها، في حين ما يزال منفذوها من دون محاكمة وحساب.
عند الساعة الثانية إلا عشر دقائق بعد منتصف الليل بدأ إطلاق النار بشكل كثيف على تجمع للمتظاهرين في ساحة الساعة الجديدة وسط مدينة حمص، وكان ذلك الاعتصام هو الأول من نوعه في الثورة السورية ضد بشار الأسد، وجمع الاعتصام مكونات المجتمع السوري كافة.
بدأ الاعتصام ظهر اليوم السابق بعد تشييع جثامين ثماني ضحايا من حمص وريفها كانوا قد قتلوا برصاص قوات أمن النظام خلال مظاهرات حصلت بعد يومين من "جمعة الإصرار" التي كانت بتاريخ 15 إبريل/ نيسان.
وقال الناشط "عبيدة الحمصي" إن النظام أثناء التشييع أخلى دورياته وحواجزه من الشوارع واختبأ في المباني الحكومية تخوفا من حدوث انفجار، حيث كانت أعداد المشيعين كبيرة وغير مسبوقة وانطلقت من مساجد عدة، وبعد الدفن تحولت عمليات التشييع إلى مظاهرات ثم توجهت وتجمعت في ساحة الساعة.
وأضاف عبيدة لـ"العربي الجديد" أنه مع إصرار المتظاهرين على الاعتصام وإطلاق شعار إسقاط النظام والمطالبة بمحاسبة المسؤولين عن قتل أبناء حمص، بدأ النظام يرسل رسائل تهديد عبر وجهاء وشيوخ من المدينة كانوا على اتصال مع النظام، حيث "كانت جميع متاجر حمص قد أقفلت وبدأ التجار أيضا بالمشاركة في الاعتصام ثم توالى قدوم المناهضين للنظام من مدن أخرى".
من جانبه، قال الناشط محمد الخالدية، إن الاعتصام كان سلميا بالكامل كما أن تنظيما حدث بشكل تلقائي وهو الأول من نوعه، إذ جرى تنظيم حراس على مداخل الساحة منعا لدخول مسلحين، وجرى توزيع الطعام والماء والحلوى من قبل التجار على المعتصمين، في وقت كان النظام يحشد قواته في الشوارع بمحيط الساعة ويواصل إرسال رسائل التهديد.
الناشط تامر تركمان: "مجزرة الساعة كانت مجزرة مروعة وهي ترهيب المدنيين (...) كان الوضع مرعبا جدا في ذلك اليوم (...) عدد القتلى لا يغيّر من هول المجزرة، سواء كانوا خمسة قتلى أم عشرات".
ويضيف لـ"العربي الجديد" في شهادته، "مع تهديدات النظام المستمرة التي ينقلها شيوخ ووجهاء محليون، بدأ الكثير من المعتصمين بالخوف، ومع مرور الوقت بدأت نسبة المشاركين في المظاهرات بالانخفاض، وعند الثانية إلا عشر دقائق تقريبا بعد منتصف الليل وجّه النظام عرضا للمعتصمين بالتفاوض على مطالبهم، ولكنه كان يخدعهم، حيث قام مباشرة بإطلاق الرصاص الحي باتجاه المعتصمين".
وتابع "هرب المعتصمون في الشوارع الفرعية المؤدية للساحة باتجاه الدبلان وباب هود والخالدية وجورة الشياح ومنهم من دخل واختبأ في مبان محيطة بالساعة وعلى أسطح بعض المباني، ومنهم أيضا من صعد على الأشجار في الحدائق القريبة، فيما تمكن آخرون من الهرب إلى مناطق بعيدة ركضا".
واستمر سماع إطلاق الرصاص في الأحياء لساعتين متواصلتين على الأقل، قبل دخول عناصر النظام و"الشبيحة"، حيث بدأوا بالرقص في الساحة ونشر فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي، في حين لاحق رجال الأمن أيضا المعتصمين في الشوارع الفرعية واعتقلوا العشرات، بحسب قوله.
قام النظام قبل بزوغ الشمس بتنظيف الساحة والشوارع الفرعية من الدماء ليخفي معالم المجزرة
بدوره، قال تامر تركمان الناشط في التوثيق وأرشفة الثورة السورية، وكان يقطن بجوار ساحة الساعة، إن العدد الذي تمكّنوا من توثيقه هو 14 قتيلا فقط، مرجحا أن يكون عدد الضحايا أعلى من ذلك، لأن عددا من الأشخاص قد قتلوا في الشوارع الفرعية أثناء هروهم، كما يقول.
ويضيف "مجزرة الساعة كانت مجزرة مروعة وهي ترهيب المدنيين (...) كان الوضع مرعبا جدا في ذلك اليوم (...) عدد القتلى لا يغيّر من هول المجزرة، سواء كانوا خمسة قتلى أم عشرات".
تعددت الروايات عن عدد القتلى والجرحى والمختفين قسرا بعد حادثة إطلاق النار، إذ ذكر شهود أن النظام نقل جرحى إلى المستشفى العسكري، كما نقل قتلى ودفنهم في مقابر جماعية لم يعرف مكانها بعد، فيما ذكر الكثيرون أيضا أن النظام مع بزوغ شمس اليوم كان قد بدأ بتنظيف الساحة والشوارع الفرعية من الدماء ليخفي معالم المجزرة.
وأكدت عدة روايات أن الأشخاص الذين كانت موكلة إليهم مهمة فض الاعتصام هم العقيد عبد الحميد إبراهيم من فرع المخابرات الجوية، والعميد حافظ مخلوف الذي كان مسؤولا عن الاستخبارات العسكرية حينها.
ويقول الناشط "يحيى الشمالي" الذي تمكن من الهرب عند إطلاق النار على المتظاهرين، "لم يتمكن أحد في حمص من توثيق ما حصل بشكل دقيق، لأن هناك الكثير من العائلات فقدت أبناءها في ذلك اليوم، ولم يعرف هل هم معتقلون أم قتلى، إذ استمر النظام في محاصرة الساحة حتى قام بتنظيفها صباحا، عدا عن عدم وجود كاميرات مراقبة أو كاميرات سرية ترصد ما حدث بشكل دقيق".