في وقت كان يُتوقع فيه أن يبدأ التحالف السعودي الإماراتي، رداً عسكرياً توعّد به أكثر من مرة، ضد جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، عقب هجمات الطائرات المسيّرة ضد مصالح نفطية في السعودية الشهر الماضي، جاء التصعيد المفاجئ من قِبل الحوثيين على الشريط الحدودي الذي يربط المناطق الشمالية الغربية لليمن مع السعودية، إذ أعلنوا السيطرة على 20 موقعاً عسكرياً في جبهة نجران السعودية، الأمر لم تنفه الرياض ولا السلطات الشرعية اليمنية الموالية لها، ليقدّم هذا التطور صورة عن فشل السعودية في حربها ضد الحوثيين في اليمن بعد مرور أكثر من أربع سنوات، بل وعدم قدرتها على تأمين حدودها ومنع الحوثيين من تنفيذ المزيد من الهجمات. كما أن هذا التطور يثير شكوكاً كبيرة حول صحة إعلان التحالف المتكرر السيطرة على 85 في المائة من أراضي اليمن، وقدرته على الاحتفاظ بالمناطق التي يسيطر عليها، خصوصاً مع استمرار المعارك في أكثر من منطقة.
وفيما ذكرت مصادر الحوثيين أن المعارك تمحورت حول وقرب منطقتي الصوح والسديس، وهما منطقتان على الشريط الحدودي لنجران السعودية مع محافظة صعدة (معقل الحوثيين)، لم يصدر أي تعليق من قوات الجيش اليمني الموالية للشرعية أو القوات السعودية ينفي ما أعلنه الحوثيون الذين بثوا مشاهد مصوّرة قالوا إنها توثق خسائر خصومهم في جبهة نجران.
وقال المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة الموالية للحوثيين في صنعاء، العميد يحيى سريع، لوكالة "سبأ" التابعة للحوثيين، إنه تم خلال العملية "تدمير وإعطاب أكثر من 20 آلية ومدرعة واغتنام أسلحة وعتاد عسكري كبير"، لافتاً إلى أن "طيران العدو حاول إسناد مرتزقته بشن أكثر من 75 غارة، إلا أن محاولاته باءت بالفشل"، مشيراً إلى أن "مشاهد العملية الهجومية النوعية موثقة عبر عدسات الإعلام الحربي". كما نقلت قناة "الجزيرة" عن مساعد المتحدث العسكري باسم جماعة الحوثيين، عزيز راشد، قوله إن قوات الحوثيين سيطرت على نحو 20 كيلومتراً مربعاً في نجران.
ووفقاً لمصادر قريبة من قوات الشرعية تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن التصعيد في جبهات صعدة على الحدود مع السعودية، تزامن مع مواجهات في جبهة وادي العطفين، في مديرية كتاف، وهي المنطقة التي قالت مصادر الشرعية إنها تقدّمت فيها من جهة الجوف، في إطار عملية تسعى على ما يبدو لتخفيف الضغط عن القوات المرابطة في المناطق الحدودية.
وتدور معارك الشريط الحدودي لـ(محافظة صعدة اليمينة بالذات)، مع السعودية، بين الحوثيين وحلفائهم من جهة، وبين القوات السعودية وقوات الجيش اليمني الموالية للشرعية، والتي تقدّمت من الجانب السعودي من جهة أخرى، وتقول الأخيرة إنها تقدمت في العامين الأخيرين على أكثر من محور صوب معقل الحوثيين، في صعدة، إلا أن الجبهات الحدودية تحوّلت هي الأخرى إلى معارك كرٍ وفرٍ، من دون أن تتمكن حتى اليوم من منع تهديد الحوثيين وهجماتهم على مواقع سعودية ما وراء الحدود.
ومن أبرز ما يميّز الشريط الحدودي لمحافظة صعدة اليمنية، التضاريس الجبلية الوعرة التي تؤثر على مسار المعارك، وارتباطه مع أجزاء من ثلاث مناطق سعودية، هي نجران وجازان وعسير، وهي مناطق يُعدّ تأمينها على رأس الأهداف السعودية من الحرب التي دشنتها الرياض منذ سنوات، وحشدت لها مختلف الأسلحة والقوات العسكرية من تشكيلات الجيش السعودي المختلفة (حرس الحدود، القوات البرية، قوات الحرس الوطني). كما سعت الرياض، إلى نقل المعركة إلى الأجزاء اليمنية من الحدود، بدعم عدد من ألوية الجيش اليمني للتقدّم من الجانب السعودي، عبر أكثر من محور، إلا أن الحوثيين لا يزالون يؤكدون قدرتهم على تهديد الجانب السعودي في الحدود، بتنفيذ ما تطلق عليه الجماعة "عمليات نوعية".
ومع الإشارة إلى الخسائر غير المعلنة للحوثيين على الحدود نتيجة تعرضهم للغارات الجوية وللقصف المدفعي المكثف الذي يكاد لا يتوقف يوماً واحداً من الجانب السعودي، إلا أن المعركة لها أبعادها السياسية والاستراتيجية، التي تدفع الحوثيين إلى حشد مختلف قدراتهم النوعية لتحقيق اختراقات ميدانية في تلك الجبهات.
وإلى جانب الفشل العسكري، يربط يمنيون الوضع الذي آلت إليه المعركة العسكرية بالأجندة التي تكشفت خلال الحرب، إذ سعى التحالف إلى تعميق النفوذ في المواقع الاستراتيجية جنوباً وشرقاً، حيث المناطق التي لم يكن للحوثيين فيها تواجد أساساً، وفي المقابل، تحويل مناطق الاشتباكات المباشرة إلى جبهات استنزاف لمختلف الأطراف. وفي العام الخامس للحرب، لم ينته التهديد الحوثي للحدود السعودية، بل بات أعمق، مع وجود طائرات مسيّرة قادرة على مهاجمة أهداف في الرياض، كما حصل في مايو/أيار الماضي، وهو التطور الذي وجّهت على إثره الرياض دعوة لانعقاد قمتين عربية وخليجية طارئتين في مكة المكرمة، تصدرت مواضيعهما الإدانة لتصعيد الحوثيين، لكنها بدت من جهة أخرى، انعكاساً لارتباك سعودي مرتبط بالحرب في اليمن.