أصدرت ندوة "سورية إلى أين؟"، في ختام أعمالها مساء الأحد في الدوحة، 17 توصية أكدت جملة مبادئ تعمل تحت مظلتها جميع أطراف قوى الثورة والمعارضة.
وأكدت التوصيات، التي تلاها رئيس الوزراء السوري الأسبق رياض حجاب، المحافظة على وحدة الأراضي السورية وسيادة الدولة واستقلالها، ورفض كافة دعوات التقسيم، والتمسك بالهوية السورية الوطنية الجامعة، وتأسيس نظام ديمقراطي يقوم على قيم: المواطنة المتساوية والتعددية، وعلى تداول السلطة في مناخ من الحريات العامة، واحترام حقوق الإنسان، والفصل بين السلطات، واعتماد نظام اللامركزية الإدارية وفق سياسات وطنية تحقق التنمية المستدامة.
توحيد الخطاب وإعادة الهيكلة
وشددت التوصيات على "إعادة هيكلة مؤسسات قوى الثورة والمعارضة، والارتقاء بأدائها في ما يُمكّنها من تحقيق مطالب الشعب السوري المحقة والمشروعة وتمثيلها بكفاءة واحتراف، ويضمن استقلالية قرارها الوطني، ويؤهلها لتكون الحامل السياسي الذي يحظى بثقة الشعب وتأييده، ويثبّت دورها في الإطارين الإقليمي والدولي، عبر استراتيجية وطنية شاملة للتعاطي مع العملية السياسية، ورفض أي انحراف عنها، وتعزيز العمل المؤسسي على كافة المستويات السياسية والدبلوماسية والتنموية".
كما أكدت على تنمية وتوظيف الخبرات المتاحة في الداخل السوري وخارجه، والاستفادة من الاستشارات التي تقدمها مراكز الفكر الوطنية، ودعم الأدوار المحورية التي تقوم بها الجاليات السورية في بلدان اللجوء والمهجر، وتطرقت إلى تعزيز دور المرأة والشباب في العمل الوطني وضمان تمثيلهم في سائر مجالات الشأن العام، بما في ذلك مؤسسات قوى الثورة والمعارضة.
وأشارت إلى ضرورة "العمل على صياغة خطاب وطني جامع، ودعم الجهود التي تبذلها مؤسسات الإعلام السورية في ما يسهم في محاربة خطاب الكراهية والتمييز، ويُعرّف بالقضية السورية، وتعزيز العلاقة الشبكية بين كافة القوى السياسية والعسكرية والاقتصادية والمجتمعية، وحشد الطاقات الوطنية، وتعزيز الحوار المجتمعي، وتوسيع دائرة التحالفات الإقليمية والدولية بما يخدم القضية السورية".
ولفتت توصيات الندوة إلى تعزيز التواصل بين مختلف قوى الثورة والمعارضة، بهدف تبني خطة عمل شاملة تواكب تحولات المرحلة وتُعالج التحديات الناتجة عنها، وتقدم الحلول الناجعة للتخفيف من معاناة السوريين، ووقف الانتهاكات الممنهجة بحقهم، وتطالب بالإفراج عن المعتقلين، وتعويضهم، والإفصاح عن المختفين قسرياً ومعرفة مصيرهم.
مخاطر إعادة تعويم النظام
وبخصوص الجرائم التي يرتكبها النظام، أكدت التوصيات "تكثيف جهود التوعية بالانتهاكات والجرائم التي يرتكبها نظام الأسد، وبمخاطر إفلاته من العقاب وغياب سيادة القانون، وتأكيد فقدانه الشرعية والأهلية لحكم البلاد، والدعوة إلى تعميق عزلته وتوضيح العواقب الإنسانية والأخلاقية لمحاولات إعادة تعويمه، بما في ذلك إعادته إلى الجامعة العربية، وما يمكن أن تتسبب به تلك السياسات من أذى للشعب السوري ولسائر شعوب المنطقة، ورفع القضايا في المحاكم الدولية ومتابعة اختصاص الولاية القضائية العالمية في الدول التي تسمح بها".
وأكدت التوصيات مطالب الشعب السوري المحقة وسعيه لنيل حريته وكرامته وحقه في الانتقال السياسي والتداول السلمي للسلطة واحترام مكوناته الإثنية من عرب وكرد وتركمان وكلد وآشور".
العملية السياسية: "جنيف" والقرارات ذات الصلة
ونبهت التوصيات إلى أهمية "توحيد الجهود لتحقيق الانتقال السياسي وفق القرارات الأممية، بما يُنهي نظام الفساد والاستبداد الذي يحكم سورية بصورة غير شرعية، والتأكيد على أن بقاءه يعني: استمرار معاناة السوريين، وتعزيز حالة انعدام الاستقرار في المنطقة، وخلق المزيد من الاضطراب داخل المجتمع السوري، بما يؤثر سلباً على الأمن والسلم الدوليين، واستمرار وجود تنظيم (داعش) وغيره من الجماعات الإرهابية والطائفية والانفصالية العابرة للحدود، كتنظيم حزب العمال الكردستاني، وتعاظم مخاطر تقسيم البلاد، وزيادة تهديدات مشروع التغلغل الإيراني".
ودعت توصيات الندوة إلى "الالتزام بالعملية السياسية عبر مسار جنيف، والتمسك بمرجعية القرارات الأممية ذات الصلة، بما فيها بيان جنيف (1)، والقرار 2118 وملحقه الثاني، وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ابتداءً من القرار 262/67 وما تبعه من قرارات تخص حالة حقوق الإنسان في سورية، وقرار مجلس الأمن 2254، والقرارات اللاحقة التي تدعو لتحقيق مطالب الشعب السوري واحترام رغبته في الانتقال السياسي، كعملية سياسية شاملة وغير مُجتزأة، ومطالبة المجتمع الدولي بالعمل الجدي الفعّال للتوصل إلى حل سياسي من خلال هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية، ورفض مشروع التطبيع وأية محاولات أخرى تعيد تأهيل النظام رغم جرائمه، وعدم السماح للمسارات الجانبية في عرقلة تنفيذ تلك القرارات.
كما شددت التوصيات على نبذ الإرهاب والتطرف، سواء ارتبط بالدول أم المنظمات أم الأفراد، ورفض استعمال محاربته ذريعةً للنيل من تطلعات الشعب السوري للحرية والاستقلال.
وطالبت بالعمل على ضمان وصول المساعدات الإنسانية عبر الحدود، وعدم تسييسها، ورفض المحاولات التي يبذلها نظام الأسد وداعموه لاحتكار إيصال المساعدات، وحشد الجهود الدولية لتحسين أوضاع اللاجئين والنازحين، وتحقيق حل سياسي يضمن العودة الآمنة والطوعية والكريمة إلى بيوتهم وتوفير شروط هذه العودة، بما في ذلك وقف عبث النظام وحلفائه بالتكوين الديموغرافي السوري".
كما دعت إلى تكثيف الجهود المبذولة لتنمية مناطق سيطرة قوى الثورة والمعارضة، مرحلياً، ولحين استعادة سائر الأراضي السورية وتحريرها من الاستبداد، وتحقيق الانتقال السياسي في سورية الموحدة، ووضع خريطة طريق للنهوض بها على الصعد الاقتصادية والإدارية.
إعادة إعمار ربطاً بحلّ سياسي
وحذرت توصيات الندوة من المحاولات التي يبذلها النظام وحلفاؤه لتوظيف معاناة السوريين بهدف جلب الأموال الخارجية تحت شعار "إعادة الإعمار" و"التعافي المبكر"، والتي تهدف في حقيقتها إلى اقتسام ثروات البلاد من قبل بعض القوى الطامعة، وتقسيمها إلى مناطق نفوذ فيما بينها، وفي تمويل مؤسسات القمع وعمليات التغيير الديموغرافي، وإثراء تجار الحرب ورموز الفساد، والتأكيد على ضرورة ربط إعادة الإعمار بتحقيق حل سياسي عادل وفق القرارات الأممية ذات الصلة، وبما يصون حقوق الشعب السوري.
ووجهت الندوة الشكر إلى دولة قطر على مواقفها المبدئية الثابتة، ودعمها الجهود الدولية لإنفاذ القرارات الأممية، وعلى دعوتها لمحاسبة من ارتكبوا انتهاكات بحق الشعب السوري، وعلى استضافتها هذه الندوة، وإسداء التحية والتقدير لجميع الدول الشقيقة والصديقة التي تساند قضية الشعب السوري.
تفعيل الموقف الدولي تجاه الثورة والنظام
وفي تصريح لـ"العربي الجديد"، أشاد رئيس الحكومة السورية المؤقتة عبد الرحمن مصطفى بمخرجات ندوة الدوحة، وقال "كنا بحاجة للتواصل مع النخب السورية في الخارج، لما يملكون من علاقات مع الدول التي يقيمون فيها، من أجل التأثير على القرار الدولي، والندوة المنعقدة في الدوحة أعطتنا هذه الفرصة المهمة"، لافتاً إلى أنّ "المجتمع الدولي قد تخلّى عن الثورة السورية، ما يدفعنا إلى إعادة الزخم بالتذكير بمعاناة الشعب السوري".
وأكد مصطفى "السعي إلى ضرورة التقيد بهذه التوصيات، لإعطاء رسائل بأنّ قوى الثورة والمعارضة موحّدة".
ورداً على سؤال حول التوصية بإصلاح قوى الثورة، قال رئيس الحكومة المؤقتة إنّ "هذا الإصلاح لا يحتاج إلى توصيات، ويجب أن يكون تلقائياً"، ورحّب بكل "نقد بنّاء" يطاول أداء الحكومة، لأنه يساهم في الارتقاء بالأداء، وأشار إلى اتخاذ خطوات متعددة بهدف الإصلاح من دون طلب ذلك، ومنها، على سبيل المثال، إنشاء حكومة مصغرة وهيئات تابعة لها.
وفي الجلسة الصباحية الأحد، أكد نائب مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى إيثان غولدريتش أنّ بلاده لن تطبّع العلاقات مع نظام الأسد، مشدداً على أنّ واشنطن ستلتزم بتعزيز المساءلة لانتهاكات حقوق الإنسان واستخدام الأسلحة الكيميائية في سورية.
وقال غولدريتش إنّ "الولايات المتحدة تبذل جهوداً لتحسين الظروف الأمنية وزيادة الاستقرار في سورية، وحل الأزمة السياسية والإنسانية المتصاعدة، وتأمين حياة تتسم بالرفاه للشعب السوري"، موضحاً أنّ ذلك سيكون بالاستناد إلى قرار مجلس الأمن الدولي 2254 بوصفه الخريطة الوحيدة لإنهاء النزاع في السنة الحادية عشرة له".
وعقدت الندوة على مدار يومين ثماني جلسات بحضور ممثلين عن مؤسسات قوى الثورة والمعارضة السورية، ومراكز الفكر، ومنظمات المجتمع المدني، وممثلي الجاليات السورية، والإعلام السوري، وعدد من الشخصيات المستقلة، وناقشت آلية تطوير أداء مؤسسات الثورة والمعارضة السورية.