19 عاماً على تفجيرات الدار البيضاء.. رهان على "مصالحة" لطي ملف معتقلي "السلفية الجهادية
رغم مرور 19 عاماً على تفجيرات 16 مايو/ أيار الإرهابية التي ضربت الدار البيضاء (غربي المغرب)، واتهم فيها إسلاميون ينتمون إلى تيار "السلفية الجهادية"، إلا أن ملف معتقلي ذلك التيار لا يزال حاضراً في المغرب، لا سيما على مستوى مدى نجاح السلطات في إدماجهم في المجتمع بعد قضائهم سنين طويلة في السجون.
في ليلة الجمعة، 16 مايو/ أيار 2003 خرج 14 شاباً، تتراوح أعمارهم بين 20 و24 عاماً، من الحي الصفيحي "كاريان طوما" في منطقة سيدي مومن بالدار البيضاء، ليستهدفوا بأحزمة ناسفة أهدافاً استراتيجية وحيوية، بدءا بفندق "فرح" ومطعم "دار إسبانيا"، مروراً بمطعم إيطالي بالقرب من "دار أميركا" ومركز اجتماعي يهودي كان مقفلاً في ذاك اليوم، وانتهاءً بمقبرة يهودية قديمة، وقنصلية بلجيكا.
وشكلت تفجيرات الدار البيضاء، التي جاءت في سياق دولي متسم بارتفاع تحدي الجماعات المتطرفة، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، صدمة قوية في المملكة من هول ما حدث، بعدما كانت تصريحات عدّة تذهب في اتجاه أن "البلاد في منأى عن الإرهاب" الذي ضرب في ذلك الوقت عدداً من البلدان العربية.
وتحت وقع صدمة التفجيرات التي ذهب ضحيتها 45 قتيلاً والعديد من المصابين، شنت السلطات الأمنية حملة اعتقالات واسعة في صفوف معتنقي الفكر السلفي على امتداد المغرب، وقادت لاعتقال أزيد من 3000 مشتبه به، ينتمون في غالبيتهم إلى "السلفية الجهادية"، وهو الأمر الذي انتقدته بشدة الجمعيات الحقوقية، بعد تسجيل خروقات وتجاوزات، جعلت أعلى سلطة في البلاد تعترف بها.
ومنذ 16 مايو/أيار 2003، شهد ملف محاربة التطرف والإرهاب في البلاد تحولات عدّة، بدءا من اعتقال المئات من السلفيين ثم إطلاق سراح الكثير منهم، تحديداً شيوخ ما يسمى "السلفية الجهادية"، ومروراً بإقامة سياسة دينية جديدة لمحاربة التشدد الديني، وصولاً إلى حملات أمنية استباقية أسفرت عن تفكيك العديد من الخلايا الإرهابية، ومباشرة محاولات مختلفة لتحييد خطر "المتشددين" داخل السجون وخارجها، ومن ذلك عفو الملك محمد السادس في السنوات الأخيرة عن عدد من المعتقلين على ذمة قضايا إرهاب.
وفي حين بات ملف "السلفية الجهادية" من أكثر القضايا المعقدة التي واجهتها الدولة المغربية منذ تفجيرات الدار البيضاء في عام 2003، كشفت محاولات الدولة، سواء الرسمية أو غير الرسمية، للدخول في مفاوضات مع معتقلي "السلفية الجهادية" من داخل السجون عن إدراكها أن السجن ليس حلاً دائماً لمشكلة التطرف. تبعاً لذلك، تحوّل تركيزها نحو تفكيك الخطاب المتطرف لدى الإسلاميين القابلين لإعادة التأهيل.
وكانت المحصلة إطلاق المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، بشراكة مع الرابطة المحمدية للعلماء والمجلس الوطني لحقوق الإنسان في العام 2017، برنامج "مصالحة"، الذي يعمل على محاربة التطرف بالاعتماد على التربية الدينية، والمواكبة النفسية، وتنظيم ورشات عمل تعنى بالقانون ونشر ثقافة حقوق الإنسان، وتقديم تأطير سياسي-اقتصادي.
ويشرف على برنامج "مصالحة" مختصون وكوادر دينية، ويستهدف سجناء مدانين في قضايا التطرف والإرهاب من خلال التركيز على ثلاثة محاور: المصالحة مع الذات، ومع النص الديني، ثمّ مع المجتمع، وذلك كله بهدف البحث عن مداخل لمراجعات ذاتية يقوم بها المعتقلون السلفيون، للاندماج في البيئة الاجتماعية بعد الإفراج عنهم.
وبلغة الأرقام، ارتفع عدد معتقلي ما يسمى في المغرب بـ"السلفية الجهادية"، الذين استفادوا من برنامج "مصالحة "، إلى 222 مستفيداً، بعد استفادة 15 سجيناً من البرنامج في دورته التاسعة التي أعلن عن اختتامها في 28 إبريل/ نيسان الماضي.
وفي قراءته لمسار إدماج معتقلي "السلفية الجهادية" المدانين في إطار قضايا التطرف والإرهاب، يرى الباحث في الفكر الإسلامي والجماعات الإسلامية إدريس الكنبوري، أن "إدماج السجناء السلفيين المفرج عنهم هي القضية الرئيسية في سياسة محاربة التطرف والإرهاب".
ولفت الكنبوري، في حديث لـ"العربي الجديد "، إلى أن "عدم وجود خطة للإدماج في السنوات الماضية كان مسؤولاً عن الكثير من حالات العود لدى بعض المتطرفين المفرج عنهم، كما حصل مع عبد الفتاح الرايضي عام 2007، وعدد آخر ممن تورطوا في جرائم إرهابية مثل المتورطين في مقتل السائحتين الأجنبيتين بضواحي مراكش عام 2018، أو كما حصل مع عدد من المفرج عنهم الذين كانوا ينشطون في اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين الذين توجهوا إلى القتال في سورية والعراق مع التنظيمات الإرهابية مثل داعش".
ويرى أن "الإدماج يشكل مفتاحاً مهماً في إعادة تأهيل السلفيين المفرج عنهم وجعلهم جزءا من المجتمع، لأن تطرفهم كان ناتجاً من عزلة شعورية أو عقدية عن المجتمع، وبالتالي فإن عدم الإدماج يساهم مجدداً في تعزيز عزلتهم بعد مرحلة السجن، مما يجعل الحل الوحيد أمامهم هو الرجوع إلى التطرف للانتقام من الدولة والمجتمع".
وبالرغم من المجهودات المبذولة من قبل السلطات المغربية من أجل طي جزء من الإشكالات التي ظلت عالقة منذ أحداث 16 مايو/ أيار 2003، إلا أن الإدماج الاقتصادي والمجتمعي يعتبران من أكبر المشاكل التي يواجهها المعتقلون الإسلاميون بعد الإفراج عنهم، لا سيما الذين قضوا مدداً طويلة في السجن، بحسب اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين"(غير حكومية تعنى بالدفاع عن معتقلي السلفية الجهادية)، معتبرة أن "هذه الفئة من المعتقلين تحتاج وقتاً طويلاً للاندماج من جديد في المجتمع، وهو ما يتطلب مواكبتهم حتى لا يشعروا بالضياع".
وبالنسبة للباحث في الدراسات الإسلامية ورئيس "مركز وعي للدراسات والوساطة والتفكير"، محمد عبد الوهاب رفيقي، فإنه لا يمكن الحديث عن اندماج كامل لمعتقلي السلفية الجهادية لأنهم ينقسمون إلى أنواع وأصناف يصعب إدماجهم دفعة واحدة، وبالنظر إلى أنهم ليسوا على فكرة واحدة ولم يراجعوا جميعاً أفكارهم.
وأوضح، في حديث لـ"العربي الجديد "، أن "الاندماج باعتباره تعاملا وتصالحا مع المجتمع مرتبط بالذين غيروا قناعاتهم وأفكارهم وأعلنوا عن استعدادهم لذلك، وهو أمر لا ينطبق على جميع المعتقلين، إذ يوجد بينهم متورطون في حوادث قتل، ومن ما زال مصراً على قناعاته المتطرفة".
وأشار رفيقي إلى أن الدولة بذلت مجهوداً في سبيل تحقيق المصالحة مع معتقلي السلفية الجهادية وإعادة إدماجهم من خلال برنامج "مصالحة".
وأضاف "صحيح هناك بعض الملاحظات المتعلقة بما بعد الإفراج عنهم، حيث إن المعتقل يحتاج في تلك المرحلة إلى مصاحبة والمساعدة، فضلاً عن ملاحظات بخصوص جلسات الحوار وتفكيك الفكر المتطرف التي تحتاج إلى تقوية ودعك وتعزيز، إلا أنه، بالمجمل، يبقى برنامج مصالحة مبادرة محمودة استفاد منها عدد من المعتقلين بتخفيض عقوباتهم أو بعفو ملكي".
ويرى الباحث في الدراسات الإسلامية أنه "بعد 19 عاماً من تفجيرات 16 مايو ها هو المغرب في مسار متقدم ومتطور في التعامل مع الظاهرة الإرهابية، بدليل الأمن والاطمئنان الذي يعرفه البلد منذ سنوات"، متوقعاً أن يغيب في المستقبل القريب الحديث عن تلك الأحداث الإرهابية كلما تحل ذكراها.