لا يختلف اثنان في إسرائيل على الأهمية الاستراتيجية لاتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية، المعروفة بـ"وادي عربة"، باعتبار الأردن يملك أطول حدود مع إسرائيل، وتعيش فيه أكبر نسبة من الفلسطينيين الذين هجّروا من فلسطين.
وعلى الرغم من ذلك ومرور عشرين عاماً على اتفاقية السلام، إلا أن إسرائيل لم تتوقع أن تقترب الذكرى العشرين لاتفاقية السلام مع عمان، في جو من التوتر الشديد في العلاقات بين البلدين، وصدور تصريحات العاهل الأردني عبد الله الثاني، قبل أيام، حول الجرائم الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، وقوله لوفد البرلمانيين الأردنيين إنه من غير المعقول أن تواصل "إسرائيل ذبح ولد كل عدة أيام".
وعلى الرغم من أن العلاقات الأردنية الإسرائيلية تعرضت لأزمات كثيرة وهزات كبيرة، كانت أخطرها محاولة إسرائيل في ولاية بنيامين نتنياهو الحكومية الأولى في عام 1998 اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، على الأراضي الأردنية، ما أثار غضب العاهل الأردني الراحل الحسين بن طلال وهدد بنسف اتفاقية السلام إن لم ترسل إسرائيل الترياق لإنقاذ حياة مشعل، وتطلق سراح مؤسس الحركة الشيخ الشهيد أحمد ياسين، إلا أن الفترة الأخيرة تشهد إقراراً إسرائيلياً بحساسية الأوضاع في الأردن، من جهة، والتحول في موقف الرأي العام الأردني من اتفاق السلام، ولا سيّما بعد أن تبخرت الوعود بالثمار الاقتصادية من الاتفاق من جهة ثانية.
ولعل أكثر ما يهدد العلاقات هو سعي حكومة نتنياهو باستمرار إلى قضم المكانة الخاصة للمملكة الأردنية الهامشية في القدس والأقصى من جهة أخرى. وفي السياق، أثارت محاولة عضو الكنيست عن الليكود، ميريت ريجف، تقديم اقتراح قانون لتغيير الترتيبات الحالية في الحرم القدسي الشريف لتمكين اليهود من الصلاة فيه، غضباً أردنياً رسمياً وشعبياً، اضطر نتنياهو على الأثر إلى التصريح بأنه يعارض القانون المقترح وأن أي تغيير في الوضع القائم قد يؤدي إلى اندلاع حرب دينية.
لكن هذه التصريحات بالذات وتكرار محاولات اقتحام الأقصى، دفعت العاهل الأردني إلى التحذير من محاولات إسرائيل تحديداً تحويل الصراع إلى صراع ديني. وهو ما أثار قلقاً شديداً في المستوى السياسي الإسرائيلي، إلا أن الحكومة الإسرائيلية، وبفعل حساسية العلاقات مع الأردن، "عضت على شفاهها" بحسب تعبير الإذاعة العسكرية قبل يومين ولم ترد على تصريحات العاهل الأردني الأخيرة.
وحاول السفير الإسرائيلي في الأردن، دانيئل نابو، تفسير الغضب الأردني عبر محاولة الإيقاع بين الأردن والدول العربية، عندما قال للإذاعة الإسرائيلية، يوم الجمعة الماضي، إن "الملك الأردني مهاجم من قبل دول مثل السعودية وقطر وحتى مصر بأن الإسرائيليين يستخفون به، وهم (أي الدول المذكورة) لا يرون الصورة الكاملة، معترفا في الوقت ذاته أن "الاضطرابات في الحرم الشريف تربك العاهل الأردني".
وعلى الرغم من أن السفير الإسرائيلي أقر في حديثه للإذاعة العسكرية بأنّ العلاقات بين البلدين جيدة، إلا أنه أشار إلى أن هناك فرصة لتحسينها بقوله "هذا الوضع ليس مثالي ولكن أمامنا عدة خطوات في الاتجاه الصحيح".
وتحاول إسرائيل أن تظهر الجوانب الاقتصادية لهذا السلام، وإبراز موافقتها على صفقة لبيع الغاز للأردن قبل شهر تقريباً، والاتفاق قبل عام على بناء منشآت لتحلية مياه البحر في العقبة، إلا أن انتقال المصانع الإسرائيلية، وبالأساس مصانع النسيج إلى الأردن لا يلقى قبولاً إسرائيلياً شعبياً، وآخرها انهيار مصنع للمناشف في عراد وانتقاله إلى الأردن وهو ما تسبب في انتقادات في وسائل الإعلام الإسرائيلية.
وفي السياق، كشف السفير الإسرائيلي في عمان، أن رجال الأعمال الإسرائيليين ينشطون في الأردن وأن هناك حركة نشطة لكن بعيداً عن الإعلام، وذلك لمنع المسّ بهذه العلاقات التجارية بفعل وجود عناصر أردنية معارضة للتطبيع، ولا سيما النقابات المهنية التي تملك قوة كبيرة ويمكنها تخريب هذا التعاون.
لكن العلاقات التجارية والاقتصادية بين الأردن وإسرائيل لا تشكل العامل الأساسي في المنظور الإسرائيلي، بل هي مجرد نتيجة مرافقة للإنجاز الأهم وهو إخراج الأردن من معادلة الصراع الإسرائيلي العربي من جهة، والتعويل على بناء مصالح أمنية مشتركة من جهةٍ ثانية، ولا سيما أن المشهد الإسرائيلي، في عهد نتنياهو تحديداً يتواجد فيه أصوات داخل الليكود نفسه وفي الائتلاف الحكومي لا تزال ترى أن الأردن هو الدولة الفلسطينية، وأنه لا مكان لدولة ثالثة بين البحر والنهر.
وعلى الرغم من أن إسرائيل تبدي علناً اجتهاداً في ترطيب الأجواء مع الأردن، والتشديد على أنها ستأخذ اتفاق السلام مع عمان في الحسبان في أي تسوية مع الطرف الفلسطيني وفق تعهدات نتنياهو للعاهل الأردني خلال زيارته الرسمية لعمان ولقائه بالملك عبد الله في يناير/ كانون الثاني الماضي، إلا أن المحور الرئيسي للمنظور الإسرائيلي هو المحور الأمني والتعاون الاستخباراتي بين البلدين وتبادل المصالح وفق تصريحات نابو للإذاعة العسكرية. ويترافق ذلك مع تطمينات إسرائيلية في ظل الثورات في العالم العربي بأن "الأردن جزيرة استقرار في بحر هائج، ولا يمكننا أن نسعى لجار أفضل من المملكة الأردنية الهاشمية".
ويشكل التهويل الإسرائيلي المتواصل لنتنياهو من "خطر داعش" واقتراب تنظيم "الدولة الإسلامية" من الحدود، أداة إسرائيلية مكشوفة لمحاولة ربط الأردن بتعاون أكبر مع إسرائيل ضمن محور "الدول السنية المعتدلة"، واعتبار أمن المملكة الأردنية جزءاً من الأمن الإسرائيلي، وأن أي تغير في الأردن يهدد إسرائيل. وهو ما يفسّر إصرار نتنياهو، عند إفشال مبادرة وزير الخارجية الأميركي جون كيري الأخيرة، ورفض مقترحات الجنرال ألن جونز للترتيبات الأمنية غربي الأردن، على الاحتفاظ بانتشار عسكري لجيش الاحتلال بين إسرائيل والأردن خلف خطوط "الدولة الفلسطينية".