في الوقت الذي توجه فيه رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إلى واشنطن، اليوم الأحد، تمهيدا للقاء الرئيس الأميركي، باراك أوباما، والمشاركة في مؤتمر اللوبي اليهودي "أيباك"، تدفق عشرات آلاف اليهود الحريديم (الأصوليين)، منذ ساعات الصباح، على مدينة القدس المحتلة، للمشاركة في تظاهرة مليونية. تظاهرة نظّمتها التيارات اليهودية الأصولية، غير الصهيونية، ضد محاولات الحكومة الإسرائيلية سنّ قانون تجنيد إلزامي لليهود الحريديم، أو فرض عقوبات جنائية على من يرفض الامتثال لأمر التجنيد.
وتأتي تظاهرة اليوم، مع توقعات من المنظمين بمشاركة نحو نصف مليون شخص، بعد أن جرى الاتفاق بين زعماء الأحزاب الحريدية الثلاثة الممثلة في الكنيست، وكلها خارج الائتلاف الحكومي وهي "شاس" و"يهدوت هتوراة" و"ديغل هتوارة"، في تحالف هو الأوّل من نوعه، بين الحريديم السفارديم (شاس)، والحريديم الغربيين، في ظل اتفاق الزعماء الدينيين للمرة الأولى على مشاركة النساء في التظاهرة.
وتمكنت أحزاب الحريديم من إيقاف الدراسة في مؤسساتها التعليمية كافة، لتمكين الجميع من المشاركة في التظاهرة، التي شلت ظهر اليوم الأحد، مدينة القدس، وعزلتها عن تل أبيب، واضطرت الشرطة الإسرائيلية إلى الإعلان مسبقاً عن إغلاق طريق تل أبيب ـ القدس، المعروفة باسم "طريق رقم واحد" في إسرائيل، فيما أغلقت شوارع رئيسية عدة في المدينة، تفادياً لوقوع احتكاكات ومواجهات بين الحريديم وباقي اليهود العلمانيين، وحتى المتدينين الصهاينة، الذين يخدمون في جيش الاحتلال.
وبثت مكبرات الصوت، التي انتشرت في مدخل القدس والساحات الرئيسية القريبة من مركزها، الصلوات والابتهالات اليهودية، وتتوعد نتنياهو، بعدما نكث بوعده لقادة الأحزاب الدينية الحريدية، بألا يشمل قانون التجنيد الجديد بنداً ينص على فرض عقوبات جنائية بحق المتهربين من الخدمة العسكرية.
في المقابل، أعلنت الشرطة الإسرائيلية أنها نشرت الآلاف من عناصرها في الشوارع التي تعبرها التظاهرة، وعند الساحات والميادين الرئيسية للمدينة، كما أعلنت عن وقف حركة المرور العامة في عدد كبير من طرقات القدس. ونشرت الشرطة سيارات ومركبات خاصة لمصلحة السجون، فضلاً عن مركبات لتفريق المتظاهرين بواسطة خراطيم الماء، وسيارات إسعاف.
وتشكل تظاهرة اليوم امتحاناً لقيادات الحريديم، كما أنها أول إشارة تحذير لحكومة نتنياهو في حال أصرت على المضي في القانون المذكور، وعلى بند العقوبات الجنائية الذي يتضمنه.
انشقاق في تيار الحركة الدينية الصهيونية
ولعل أهم ما أشارت إليه الصحف، وتطورات الأحداث، هو الخشية من انشقاق في صفوف الصهيونية الدينية، التي يمثلها حزب "البيت اليهودي"، وحاخامات "مركز هراب"، بعد أن أعلن عدد من حاخامات الصهيونية الدينية، عزمهم المشاركة في تظاهرة اليوم. أما "البيت اليهودي"، وحاخامات من الصهيونية الدينية، وفي مقدمتهم الحاخام المتطرف حايم دروكمان، فقد دعوا إلى عدم المشاركة. وأدى هذا الموقف إلى خروج صحف التيار الحريدي في إسرائيل، بعناوين تنزع عن دروكمان وتياره صفة التدين، بل تجرد دروكمان من لقب الحاخام، وتتهمه بمحاربة التوارة وطلابها، الذين "يحمون بصلواتهم شعب إسرائيل".
يشار إلى أن التظاهرة تهدف أيضاً إلى إظهار قوة التيارات اليهودية الأصولية غير الصهيونية، التي ترفض الخدمة العسكرية في جيش الاحتلال، وترى أن واجب أبنائها هو الدفاع عن إسرائيل من خلال تعلّم التوراة، وفق التسوية التاريخية التي أبرمها دايفيد بن غوريون في خمسينيات القرن الماضي مع الربانيين الحريديم، والتي سمحت بإعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية على أساس "توراتهم معتقداتهم". لكن العلمانين والتيار الديني الصهيوني، يعتبران أن ما كان ملائماً في خمسينيات القرن الماضي، عندما كان عدد طلاب المعاهد الدينية في إسرائيل 400 طالب، أصبح غير ممكناً اليوم، بعد تضاعف أعدادهم لتصل إلى آلاف الشبان سنوياً، مشيرين إلى أن تمويل هؤلاء بات عبئاً كبيراً على الاقتصاد الإسرائيلي.