استنجد الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، مساء الأربعاء، بالرأي العام الفرنسي، في ما يعتبره "مؤامرة سياسية" ضده، تتصل بقضايا فساد واستغلال نفوذ، يُشارِك فيها قضاةٌ يساريّو الهوى في تحالُف "موضوعي" مع السلطة "اليسارية" القائمة.
وخصّ ساركوزي بالذكر رئيس الوزراء الحالي مانويل فالس، ووزيرة العدل كريستيان توبيرا، وآخرين في الحكومة. وغمز من قناة تصريح فالس حول التهم التي وُجِّهَتْ إليه من قبل القضاء، واستخلص منها أن رئيس الحكومة كان على علم مسبق بها، وأنه بدل أن يتحدث عنه كَمُتَّهَم، تحدّث عنه كَمُدان.
ومن تتبّع على قناة TF1، مساء الأربعاء، حديث "المتهم" ساركوزي، الذي أطلق سراحُهُ بعد اعتقال احتياطي شاقّ، وبعد أن وجهت إليه تُهمٌ محددة ودقيقة سيُحاكَم عليها، لاحقاً، يخرج بخلاصة واحدة، وهي أن ساركوزي بريء من كل ما يُنسَب إليه، وفي كل القضايا التي تحوم حوله شكوكٌ فيها، بما فيها قضية "بيجماليون" واستخدام أموال دافعي الضرائب الفرنسيين في حملات انتخابية باذخة على الطريقة الأميركية.
يشار إلى أن شركة "بيجماليون" متورطة بقضية تزوير فواتير خلال الحملة الانتخابية لساركوزي في 2012.
ودافع ساركوزي عن نفسه بقوة، معلناً أنه لن يتراجَع عن مواقفه، بل وذهب أبعد من ذلك إلى درجة توجيه تحذيرٍ مزدوج لا لُبْس فيه إلى الحكومة الاشتراكية وإلى رفاق حزبه الذين يعتبرونه "منتهياً" سياسياً، من أنه سيعود لقيادة المعارضة السياسية في فرنسا.
ولم تُعوِزْهُ السخرية وهو يتحدث عن قضايا التنصت على مكالماته الهاتفية بخصوص تُهَم تلقي رشى من معمر القذافي، في حملته الانتخابية، فتساءل ساخراً: "هل ينتظر المحققون أن تأتيني مكالمة من القذافي"؟.
وإذا كان نيكولا ساركوزي قد اختار الواجهة الإعلامية السياسية للردّ على المحاكمات القضائية التي تستهدفه، في إطار هجوم مضادّ، لم تنقصه الحدّة المعروفة عنه، والتي كادت أحيانا تتحول إلى نوع من الاستعطاف للمشاهد، حين تحدّث عن ساعات طويلة قضاها في عز الليل ينتظر "السيدتين". وبهذه العبارة، يُخاطِر ساركوزي باستعداء أهل القضاء، الذين عبّر الكثير منهم، بعد انتهاء حديثه التلفزيوني، عن الامتعاض من وصفه للقاضيتين بـ"السيدتين"، ومن تشكيكه في استقلالية القضاء.
من السهل اتهام القضاء الفرنسي بالتحزّب، بل اعتباره يساريّ الهوى، ولكن رئاسة ساركوزي شهدت حملة تجريح كبيرة للقضاة، بل استهزاءً بعملهم، شارك فيها الرئيس ساركوزي شخصياً. ويعلم الرجل اليوم، أن التهجم على القضاء لن يساعده في مواجهة القضاة، وخصوصاً أن أجندات لقاءاته في المحاكم طويلة ومتنوعة.
ومن السهل أيضاً على ساركوزي اتهام اليسار الحاكم بالتدخل في شؤون القضاء، فقد كان اليسار أيضا يتهم ساركوزي باستغلال السلطة الثالثة حين كان رئيساً للجمهورية.
وليس سراً أن الرئيس فرانسوا هولاند يخشى مواجهة نيكولا ساركوزي في استحقاقات 2017، ولكن من الصعب تصوّر أن اليسار هو الذي اختلق هذه القضايا التي يرد فيها اسم ساركوزي باستمرار، وخصوصاً أن الكثير من سياسيي اليمين ابتعدوا عن ساركوزي واعتبروا وجوده، كسياسي في القيادة، عائقاً أمام هزيمة اليسار في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ومثلما هو منتظرٌ من سياسيي اليسار في مثل هذه الوضعية، فقد استهجنوا خطاب ساركوزي، ونظرية "المؤامرة"، ودانوا اتهامه للقضاء بالتسيس، وبرّأوا ساحتهم من أي تدخل في شؤون القضاء "المستقل".
كان من الصعب، مساء الأربعاء، على الفرنسيين، بانتماءاتهم السياسية المتشعبة، تكوين فكرة واحدة عن الرئيس السابق، قبل أن يقول القضاء الفرنسي "البطيء"، كلمته في كل الملفات المعروضة. البعض اعتبره بريئاً، وعبّر عن الإعجاب بهذه الروح القتالية العالية لديه، وآخرون رأوا في الأمر "شجاعة دونكيشوتية"، ونوعاً من زفرة الديك الأخيرة قبل السقوط.
ولكن الصحافة وحدها من يطلب المزيد، فساركوزي يعشق الإعلام ويجذب من حوله الصحافة، مثل نجم هوليودي.