تم التوصل إلى هذا الاتفاق بعد إلحاح أوروبي، على الرغم من أنّ العلاقات بين الاتحاد وتركيا مجمّدة، بسبب الرفض الأوروبي لطلب أنقرة الانضمام إلى الاتحاد، وبسبب التحفظات الأوروبية على سياسة الحكومة التركية، وخصوصاً في مجال حقوق الإنسان والحريات.
وتمكّنت تركيا من فرض نفسها على الاتحاد الأوروبي كمحاور ضروري لا مناص من تجاهله، بسبب أزمة اللاجئين الذين تقاطروا بكثافة في الأشهر الأخيرة إلى بلدان الاتحاد الأوروبي، وهي الأزمة التي فجّرت انقسامات عميقة بين دول الاتحاد، وهدّدت مبدأ الوحدة الأوروبية وحرية التنقل في ما بين هذه الدول.
ويرى مراقبون أنّ الاتحاد أصبح ملزماً بتقديم بعض التنازلات لتركيا، على الرغم من إدراكه أنّ الدعم الأوروبي، يعزّز حظوظ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزب "العدالة والتنمية"، بالفوز في الانتخابات التشريعية، المقرّرة في الأوّل من شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
كما يعزّز الدعم، بشكل غير مباشر، سياسته تجاه حزب "العمال الكردستاني"، التي أدخلت تركيا، أخيراً، في دوامة من التوتر وعدم الاستقرار الأمني والسياسي.
وينصّ الاتفاق الأوروبي التركي، على منح الاتحاد هبة مالية بقيمة 3 مليارات يورو إلى أنقرة، مقابل التزام هذه الأخيرة بمنع اللاجئين القادمين من الشرق الأوسط ومعظمهم سوريون وعراقيون، من التدفق إلى بلدان الاتحاد. كما يتضمن مساعدة الحكومة التركية على تحسين عملية استقبال وإيواء اللاجئين على أراضيها، ومنحهم حق العمل والاستفادة من الخدمات التعليمية والصحية، علماً أنّ تركيا تستقبل حوالى مليوني لاجئ سوري على أراضيها.
في المقابل، ينص الاتفاق على التزام أنقرة بوضع خطة فعالة لمحاربة شبكات التهريب على أراضيها وقبول عودة اللاجئين الذين لا تتوفر فيهم شروط اللجوء إلى الأراضي التركية. ويُنتظر أن يتم البحث في تفاصيل هذه النقطة بين المفوضية الأوروبية والحكومة التركية في الأيام القليلة المقبلة، وخصوصاً في ما يتعلق بآليات التحقق من صرف الهبة الأوروبية والضمانات التي يفترض أن تقدمها أنقرة في هذا الصدد.
اقرأ أيضاً: اتفاق أوروبي تركي مبدئي حول أزمة اللاجئين
كما ينصّ الاتفاق على تنازلات أوروبية عدة لأنقرة، وخصوصاً لجهة إعادة فتح المفاوضات بين الاتحاد وتركيا في ما يخصّ طلب الأخيرة الانضمام إلى الاتحاد، وهي المفاوضات المجمّدة منذ أعوام بسبب رفض غالبية الدول الأوروبية لهذا الطلب. كما يتضمن الاتفاق فتح مفاوضات حول إلغاء التأشيرة الأوروبية للمواطنين الأتراك الراغبين في التنقل بين بلدان الاتحاد، وهي النقطة التي لا تزال الأخيرة منقسمة حولها. لكن حرصت المفوضية، في هذا السياق الدقيق الذي تتصاعد فيه أزمة اللاجئين، على انتزاع توافق أوروبي استثنائي، باعتبار أنّ الأولوية الملحّة راهناً بالنسبة للجميع هي الوقف الفوري لتدفق اللاجئين باتجاه دول الاتحاد.
من جهته، تطرق الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، إلى هذه النقطة، مشدداً على ضرورة وضع "قواعد واضحة" بين الاتحاد الأوروبي والحكومة التركية، قبل الاتفاق على إلغاء التأشيرات الأوروبية للأتراك، محذراً من أنّ هذا الإلغاء، يجب أن يتأسس على التزامات شفافة من الجانب التركي.
هذا التحذير، أطلقه بدوره، رئيس المجلس الأوروبي، دونالد تاسك الذي أكّد في افتتاح القمة الأوروبية، أنّ الاتحاد لن يوافق على مبدأ إلغاء التأشيرة من دون تقييد تركيا بالتزامات واضحة.
في هذا الصدد، أعلنت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، عن زيارة إلى أنقرة، غداً الأحد، لمعاينة الضمانات التي تنوي الحكومة التركية تقديمها في ما يخصّ قضية اللاجئين.
ولا تزال خطة الاتفاق الأوروبي التركي، حتى الآن، في مرحلة الصيغة المؤقتة، ذلك أنّ هِبة الثلاثة مليارات التي من المقرر أن تُمنح لأنقرة غير مدرجة في ميزانية الاتحاد، إذ يفرض الاتفاق على دول الاتحاد تقاسمها. كما أن عملية التفاوض مع أنقرة بشأن فتح المفاوضات حول انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي لا تزال غير واضحة المعالم. لكن يعتبر مراقبون أنّ الأوروبيين باتوا مقتنعين تماماً أنْ لا حلّ لأزمة اللاجئين والمهجرين من دون مساعدة أنقرة، وهم مضطرون لتنحية تحفظاتهم التاريخية تجاه الأتراك إلى أن تنفرج الأزمة، وخصوصاً أن الاتحاد فشل حتى الآن في وضع خطة موحدة ومنسجمة لحل هذه الأزمة.
ويأتي الإعلان عن خطة الاتفاق الأوروبي التركي في ظل المناقشات التي احتضنتها القمة الأوروبية حول تعزيز القدرات المادية واللوجستية للوكالة الأوروبية لحماية الحدود الأوروبية، "فرونتيكس"، إثر اقتراح فرنسي يقضي بتشكيل كتيبة أوروبية لحماية الحدود الخارجية لدول الاتحاد الأوروبي شرقاً وجنوباً لصدّ زحف اللاجئين أو على الأقل احتوائه وتنظيمه بحسب شروط محددة، وهو المقترح الذي وافقت عليه مبدئياً القمة الأوروبية. ويُنتظر أن يتم تعزيز الموارد البشرية للوكالة بتوفير دول الاتحاد لحوالى ألف موظف، يتم إلحاقهم بمكاتب الوكالة في اليونان وإيطاليا للمساعدة في معالجة طلبات اللجوء وفرزها.
اقرأ أيضاً: الواقع والوهم بمخاوف الدول الأوروبية من أزمة المهاجرين اللاجئين