واضطر الحزب ولغايات انتخابية، إلى تبني الخطاب الذي كان يوجّهه لأنصاره من القاعدة الشعبية لـ"العمال الكردستاني" واليسار التركي، على مستوى واسع وبشكل رسمي، بلغ ذروته قبل الانتخابات السابقة بالكلمة المقتضبة التي أطلقها زعيم الحزب صلاح الدين دميرتاش، عندما أعلن أن حزبه لن يسمح للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن يكون رئيساً بصلاحيات واسعة. ليرد الأخير بتجميد عملية السلام، ومن ثم محاولة إدخال "الشعوب الديمقراطي" و"العمال الكردستاني" في صدام على السيطرة، بلغ ذروته قبل عودة الانتخابات، عندما تم طرح تحويل عملية السلام إلى البرلمان، وتحويل "الشعوب الديمقراطي" إلى مُخاطب وحيد وشرعي في الأمر، مع تحييد "العمال الكردستاني" وزعيمه عبدالله أوجلان الذي يقضي حكماً بالسجن المؤبد في جزيرة إمرالي، وبالتالي تحويل العملية إلى نضال طويل الأمد يفرغ القضية من مضمونها، ويتطلب للحصول على أي مكاسب موافقة "العدالة والتنمية" واليمين القومي التركي، بينما تستمر سياسات الاستيعاب التي تقودها أنقرة.
اقرأ أيضاً: عشية الانتخابات التركية... لا صوت يعلو فوق المزايدات القومية
وجاء ارتفاع النَفَس القومي في خطاب "العدالة والتنمية" متزامناً مع تمدّد واضح لـ"العمال الكردستاني"، سواء داخل البلاد مدفوعاً بانتصار "الشعوب الديمقراطي" وإقامته "حكومة ظل" في المناطق ذات الغالبية الكردية، أو خارج تركيا على الحدود السورية ومحاولته إتمام السيطرة على الحدود السورية التركية بالتعاون مع الأميركيين بعد السيطرة على تل أبيض. كل ذلك أعاد الاشتباكات بين "الكردستاني" والسلطات التركية، ومع التهميش الواضح لـ"العمال الكردستاني" من قِبل معظم الأطراف بما فيها "الشعوب الديمقراطي"، تبدو عودة الاشتباكات بين الطرفين ضرورة حتمية، ويمكن عبرها أن يستعيد "العدالة والتنمية" أصوات اليمين التركي عبر "قصقصة أجنحة الكردستاني"، وأيضاً يستغلها "الكردستاني" لإعادة فرض نفسه على "الشعوب الديمقراطي" كقوة لا يمكن تجاوزها. وهذا الأمر تم بالفعل، فسحبت الحكومة التركية شرعية "الكردستاني" وأضعفته كقوة لمواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وأيضاً استعادت أصوات اليمين القومي، فيما استعاد "الكردستاني" يده العليا على "الشعوب الديمقراطي"، الأمر الذي بدا واضحاً بعد التفجير الانتحاري الذي نفذه "داعش" في العاصمة التركية أنقرة، إذ تحوّل خطاب "الشعوب الديمقراطي" من خطاب يعادي "العدالة والتنمية" مبرراً ذلك بأسباب ديمقراطية تبدو محقة، إلى تبني خطاب "الكردستاني" بالكامل.
وأعلن "العمال الكردستاني" مباشرة بعد التفجير وقف عملياته ضد أنقرة، بعد أن حصل على ما يريد، ممثلاً بالاتهامات التي كالها دميرتاش للحكومة التركية، معتبراً إياها حكومة حربية شنّت الحرب على "الكردستاني" فقط لأسباب انتخابية، ليُصعّد أكثر متهماً الدولة التركية نفسها بالوقوف وراء هجوم أنقرة وبأنها تخجل من إعلان الحرب على الأكراد جميعاً، بعد إعلان رئيس الحكومة التركية أحمد داود أوغلو توجيه ضربات عسكرية لـ"الاتحاد الديمقراطي" مرتين عندما حاول عبور الفرات غرباً.
وكان تأثير الحرب الدائرة في سورية واضحاً على الانتخابات السابقة، لصالح تعزيز الحس القومي الكردي بعد تردد أنقرة في مساندة "الاتحاد الديمقراطي" في مدينة عين العرب عندما كانت تتعرض لحملة شرسة من قبل "داعش"، وذلك بحسب ترتيب الأولويات التي ترى ضرب "الكردستاني" وأجنحته مقدّماً على ضرب "داعش"، الأمر الذي نجح "الشعوب الديمقراطي" في ترويجه للرأي العام الكردي على أنه تصرف عدائي تجاههم كأكراد، على الرغم من أن أنقرة ذاتها هي من تدعم رئيس إقليم كردستان مسعود البرازني وتدرّب البشمركة في إقليم كردستان، ليتفاقم تأثير الحرب في سورية بشكل كبير على السياسة الداخلية التركية، بعد هجوم أنقرة الانتحاري الذي أحرج الحكومة التركية، على كل المستويات.
اقرأ أيضاً: حداد على ضحايا تفجيري أنقرة وأوغلو يهاجم "الشعوب الديمقراطي"