تشير طبيعة الهجمات التي قُتل خلالها 15 جندياً وأصيب 32 آخرون، إلى أنّها نُفّذت بدقة وصاحَبها انتشار منظّم في مسرح العملية من قبل مسلحي "داعش"، في رسالة إلى تأكيد وجودي في حضرموت، المنقسمة عسكرياً بين الجيش الذي يسيطر على مناطق الوادي و"القاعدة" الذي يحكم مديريات الساحل فضلاً عن الهضبة التي تسيطر عليها القبائل.
تعتبر هذه العملية النوعية الأولى التي يتبناها التنظيم في محافظة حضرموت، وتأتي امتداداً لعمليات سابقة أخرى في عدن أعلن "داعش" مسؤوليته عنها. وكانت مصادر عسكرية قد أشارت في حديث سابق لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ تنظيم "داعش" في حضرموت اتخذ منطقة صحراوية شمال المحافظة بالقرب من الحدود السعودية، مركزاً لتدريب عناصره عسكرياً بعد انضمام مجموعات إلى التنظيم.
وبقيت محافظة حضرموت بعيدة عن دائرة الحرب بين الحوثيين والقوات الشرعية اليمنية، لكنها لم تستغل أشهر الحرب الثمانية وحالة الهدوء النسبي خصوصاً في مناطق الوادي، لإعادة ترتيب بيتها الأمني والعسكري، ما يعني أن حضرموت ستكون على ما يبدو ساحة حرب جديدة يكون اللاعب الأبرز فيها الجماعات المسلحة.
وما يلفت الانتباه في مديريات وادي حضرموت الـ20، أنّ معظم مراكز الشرطة فيها مغلقة، بعضها منذ ثلاث سنوات أو أكثر وأخرى تعمل بصورة شكلية. وتؤكد مصادر عسكرية لـ"العربي الجديد"، أنّ عدداً كبيراً من النقاط العسكرية التابعة للجيش تسمح بمرور شاحنات آتية من محافظة المهرة من دون تفتيش، الأمر الذي يسهّل تهريب السلاح إلى داخل حضرموت والمحافظات الأخرى.
ويرى مراقبون أن الوضع الأمني الهش يساعد في خلق بيئة ملائمة لصراع على النفوذ في المحافظة النفطية بين تنظيمَي "القاعدة" و"داعش"، وخصوصاً أنّ الأخير هاجم في تسجيل مصوّر "قاعدة" اليمن قبل أيام، متّهماً إياه بتقديم التنازلات وتسليم المناطق المحررة من الحوثيين لحكام "الطواغيت". كما هاجم المجلس الأهلي الذي يدير شؤون مدينة المكلا، مركز محافظة حضرموت.
اقرأ أيضاً: ارتفاع حصيلة هجمات حضرموت إلى 12 قتيلاً و"داعش" يتبنى
وأشار "داعش" في تسجيل مصوّر تحت عنوان "إلى أين تذهبون يا قاعدة اليمن؟"، نشره عبر الإنترنت، إلى أن "القاعدة" عندما يحرّر أي منطقة، لا يحكم فيها بشرع الله ويقدّم التنازلات تحت اسم "المصلحة". وجاء تسجيل "داعش" بعد أسابيع من تبرؤ "القاعدة" على لسان القيادي، خالد باطرفي، من التفجيرات التي تستهدف المساجد في صنعاء، والتي يتبناها غالباً تنظيم "الدولة الإسلامية"، لافتاً إلى أنّ عدداً كبيراً من "أهل السنة" يسقطون في تلك التفجيرات.
وتراجعت هجمات عمليات "القاعدة" ضد قوات الجيش في وادي حضرموت تزامناً مع سيطرته على مدينة المكلا في إبريل/ نيسان الماضي وتركيز جهوده في خلق حاضنة شعبية تضمن له بقاء لمدة أطول في المدينة، ما أوجد فراغاً في مناطق الوادي الذي لم تغطّه قوات الجيش بالشكل المطلوب حتى انطلق "داعش" ليملأه. ويتساءل مراقبون عن مدى تكثيف "داعش" الذي تبنى هجمات شبام في حضرموت من تصعيده في مديريات وادي حضرموت ليشكل منها منطلقاً لعملياته ضد قوات الجيش ويمنع تمدّد رقعة سيطرة "القاعدة" باتجاه الوادي.
ويبدو أنّ الأمور تجري فعلاً على هذا النحو، وخصوصاً أنّ السلطات الشرعية غير مقتنعة بشن أي معارك أخرى ضد التنظيمَين، تزامناً مع حربها ضد الحوثيين، لكن الثمن الذي ستدفعه الدولة جراء تمدّد "داعش" و"القاعدة" جنوباً، سيكون أكبر بكثير، هذا وإنْ بدأت مواجهتهما الآن، وخصوصاً أن قوات الجيش في حضرموت لم تخضْ أية معارك ضد الحوثيين في حروبه الأخيرة. وتجنّبت السلطات الشرعية حتى مجرد التعليق على الوضع القائم في المكلا طيلة الأشهر الماضية، إلّا أنّ ما قاله نائب رئيس الجمهورية، رئيس الحكومة خالد بحاح قبل أيام في مقابلة تلفزيونية، إنّ "الحرب المقبلة ستكون ضد القاعدة"، هو أجرأ تصريح رسمي حتى اللحظة في هذا السياق.
شعبياً، يتخوّف سكان حضرموت من أن تتحول محافظتهم إلى ساحة صراع بين "القاعدة" الذي يسيطر على مديريات الساحل و"داعش" المتعطش لحضور يثبّت به أقدامه في المحافظة بعد تحركات سريّة منذ حوالي خمسة أشهر. ويسلك الأهالي في حضرموت طريق النأي بالنفس عن الصراع، فلا تعاون واضح مع الجماعات المسلحة ولا تعاطف مع الجيش الذي لا يشفع له تاريخه في حضرموت. فكثير من العمليات الاستفزازية ضد المواطنين وعدم تعامل الجيش بالشكل المطلوب في معظم الحوادث، خلقا انطباعاً سيئاً لدى المواطن ضد قوات الجيش وبات في حكم النادر أن تجد أحدهم يتعاون مع القوات المسلحة. هذا الوضع يضاف إلى عوامل أخرى، تُرشّح تصعيد الوضع عسكرياً لصالح الجماعات المسلحة.
وفي انتظار حضور قوي للدولة في ربوع محافظة حضرموت الشاسعة، ذات الثروة الوطنية، ينتاب الموطنين القلق من تدهور الأوضاع جراء الهجمات العنيفة، بعد عودة الخدمات الضرورية إلى طبيعتها، وخصوصاً الكهرباء والمشتقات النفطية خلال الأسابيع الماضية.
اقرأ أيضاً: حضرموت والمهرة... بوابة إمداد لقوات الحوثيين والمخلوع