تشهد الأيام التي تَلَت صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الخاص بسورية، تصعيداً مستمراً بالعنف الذي يمارسه النظام السوري وحلفاؤه الميدانيون والطيران الروسي، ضد المعارضة السورية والسكان المدنيين، في المناطق التي تسيطر عليها. وبلغ هذا التصعيد ذروته باستهداف بلدة معضمية الشام، جنوب غرب دمشق، بغازات سامة، ذكرت مصادر طبية، أنها من "نوع السارين الذي تسبب بمقتل مئات المدنيين منذ أكثر من عامين في غوطة دمشق الشرقية، ودفع المجتمع الدولي لسحب ترسانة النظام الكيماوية منه".
ودفن أهالي المعضمية التي تبعد عن وسط دمشق نحو خمسة كيلومترات فقط، أمس الأربعاء، ضحايا القصف الذي تعرّضت له المدينة مساء الثلاثاء. ويكشف الناشط محمد نور من "مركز المعضمية الإعلامي" لـ"العربي الجديد"، بعض تفاصيل ما جرى بمعضمية الشام، مساء الثلاثاء، قائلاً "في تمام الساعة التاسعة والنصف مساءً، استهدفت قوات النظام جنوبي المعضمية (منطقة الشياح) بصواريخ موجّهة من مطار المزة العسكري، وتحوي غاز السارين السام، حسبما أكد الأطباء في المستشفى الميداني".
ويضيف "بلغت الحصيلة خمسة شهداء و35 جريحاً"، مضيفاً أن "النظام بستقدم منذ أيام عددا كبيرا من الدبابات والعربات وكاسحات الألغام ومئات الجنود، ويشنّ حملة لاقتحام المنطقة الجنوبية في المعضمية". ويؤكد نور أنه "منذ إبرام الهدنة، عاد جزء كبير من الأهالي لبيوتهم. وفي المعضمية الآن نحو أربعين ألف مدني جلهم نساء وأطفال". ويشير إلى أن "النظام اعتمد منذ بدء الهدنة إغلاق المعبر (حاجز الأربعين الذي تدخل منه المواد)، على فترات طويلة لاستنفاد أي شيء ممكن تخزينه من المواد الغذائية، التي تدخل بالقطارة، والأدوية محرّمة وشبه معدومة".
ويضيف مؤكداً أن "النظام الآن يحشد قواته لاقتحام المنطقة الجنوبية من المعضمية، ليفصلها عن داريا بشكل أساسي، ونجاحه في ذلك يؤدي لتقدمه بشكل كبير في طريق السيطرة على المدينتين أي داريا والمعضمية". وكان ناشطون محليون في المعضمية، قد بثّوا على شبكة الإنترنت، مشاهد مصوّرة، تُظهر وصول الضحايا إلى مستشفى ميداني، يبدو أنه يفتقر للتجهيزات الطبية بشكل كامل، وتُظهر بعض المشاهد أحد القتلى ممدداً على سريرٍ في النقطة الطبية. ويشرح طبيب هناك حالته بالقول "لا يوجد أي إصابة داخل الجسم، فقط نزيف داخل الرئتين تؤدي إلى الوفاة". قبل أن ينتقل للتعليق على حالة قتيلٍ آخر ممدّد بجانب الأول، مشيراً إلى أن "رئته تفجّرت وأدّت لوفاته على الرغم من عدم وجود أي إصابة في الجسم".
اقرأ أيضاً: خلافات متصاعدة بين النظام السوري وقوات كردية في القامشلي
وحصلت هذه التطورات بعد مرور عامين كاملين على إبرام النظام والمعارضة في معضمية الشام، الهدنة التي خرقتها قوات النظام لاحقاً مرات عدة، قبل هجوم الثلاثاء، وسط مؤشرات تُفيد بإمكانية انهيار الهدنة في الفترة المقبلة، لأن النظام يعمل الآن على فصل المعضمية، ذات الموقع الاستراتيجي، عن داريا التي تتداخل أراضيهما معاً.
ونجح النظام بفرض هدنةٍ على المقاتلين المحليين في معضمية الشام، إذ حوصرت المدينة بشكل خانق، بفعل وجود عشرات القطع العسكرية التابعة للفرقة الرابعة والحرس الجمهوري والاستخبارات الجوية. وتسبّب الحصار بمجاعةٍ لألاف المدنيين داخل المدينة، قبل إبرام الهدنة في 25 ديسمبر/كانون الأول 2013، التي نصّت على وقف القصف والأعمال القتالية، ودخول المواد الغذائية.
ولم يصدر أي تعليقٍ من النظام أو المعارضة حتى الساعة عن انتهاء الهدنة، لكن يبدو ضمنياً أن النظام هو الذي خرقها سابقاً، ويحرّك قواته العسكرية الآن بمعزلٍ عن وجود الاتفاق المبرم قبل سنتين، الذي كان أول اتفاق هدنة من نوعه، واستفاد النظام منه حينها بصورة كبيرة، بعد إغلاقه لباب تلك الجبهة.
في سياق متصل، قُتلت امرأة وجُرح مدنيون آخرون، بغاراتٍ شنها الطيران الحربي الروسي، أمس، في حلب. وأفاد الناشط الإعلامي حسن عبد الحميد، المتواجد بريف حلب لـ"العربي الجديد"، أن "الطيران الحربي الروسي، شنّ غارات أدت لمقتل طفلين إثنين، فضلاً عن وقوع إصابات بين المدنيين في بلدة حيان، بريف حلب الشمالي. وطاولت الغارات كذلك بلدة كفر حمرة، شمال غرب مركز المحافظة وأورم، بريف حلب الغربي".
وقد أعلنت فرق الدفاع المدني بريف حلب الشمالي، أنها انتشلت ثلاث جثث لمدنيين قضوا تحت الأنقاض، بعد قصف منزلهم في قرية جوير الزيتون، شمال حلب. كما شنت طائرات حربية، يُعتقد أنها روسية، غارة جوية على مدينة جسر الشغور، التي تسيطر عليها المعارضة في ريف إدلب الجنوبي الغربي، ما أدى لمقتل سيدة حامل وثلاثة من أطفالها.
إلى ذلك، ذكرت مصادر ميدانية في ريف اللاذقية الشمالي، أن "الطائرات الحربية الروسية أغارت على مناطق عدة بمحيط جبل الأكراد"، في الوقت الذي تستمر فيه الاشتباكات في عدة محاور بريف اللاذقية الشمالي، بين قوات النظام والمليشيات التي تقاتل معه من جهة، مع فصائل المعارضة من جهة أخرى. أما في وسط البلاد، فقد ذكر "مركز حمص الإعلامي" أن "طيران النظام الحربي شن غارات استهدفت مدينة تلبيسة، كما ألقى الطيران المروحي برميلين متفجرين على قرية تير معلة، بريف حمص الشمالي. ونشرت مصادر طبية حصيلة بأسماء أربع ضحايا، بينهم سيدة، قضوا نتيجة قصف جوي على بلدة الحولة التي تسيطر عليها المعارضة بريف حمص الشمالي أيضاً.
اقرأ أيضاً: الهجمات بالقنابل العنقودية على سورية زادت في 2015