منحت خطة التعليم الجديدة لحكومة الاحتلال الإسرائيلي، والتي أعلن عنها وزير التعليم نفتالي بينيت الأسبوع الماضي، العلوم الدينية اهتماماً خاصاً، مقارنة بالعلوم الأخرى، بهدف "تعزيز المضامين اليهودية" في هوية النشء اليهودي.
اقرأ أيضاً: تشويه الهوية الفلسطينية بـ"أَسرَلَة" التعليم منذ الروضة
وبحسب الخطة الجديدة، فقد تقررت إضافة 4-5 ساعات أسبوعية لتعليم الكتب "المقدسة" و"تراث الآباء" والثقافة والتاريخ اليهودي، بالإضافة للقضايا المتعلقة بالشتات اليهودي. ويراوح عدد الساعات المخصصة أسبوعياً لدراسة التناخ (يضم التوراة، أسفار الأنبياء، والكتب المدونة) في المراحل التعليمية المختلفة، بحسب الخطة، ما بين خمس وتسع ساعات.
في المقابل، فإنّ الحد الأقصى للساعات التي أضيفت لتدريس الرياضيات هي ثلاث ساعات فقط. ونظراً لأن النظام التعليمي الإسرائيلي يمنح هامش حرية كبيراً لنظراء المدارس، فإن الخطة التعليمية الجديدة قدمت إغراءات لهؤلاء النظراء لإقناعهم بتخصيص ساعات إضافية لتدريس العلوم الدينية، إذ نصت على منح موازنات إضافية لكل مدرسة تقرر إضافة ساعات لتدريس مواد دينية.
اقرأ أيضاً: إسرائيل... من "جيش الشعب" إلى "جيش الرب"
وتكرس الخطة الاتجاه الذي خطه وزير التعليم السابق الحاخام شاي بيرون، والذي يمنح أفضلية للمدارس التي تنتمي للتيار الديني الرسمي، والتي يؤمها بشكل خاص طلاب ينتمون للتيار الديني الصهيوني، الذي ينتمي إليه كل من بينيت وبيرون. وتحصل المدارس المنضوية في إطار التيار الديني الرسمي على موازنات أكبر بشكل واضح من الموازنات التي يحصل عليها التيار العام، الذي يؤم مدارسه العلمانيون، في حين أن مدارس فلسطينيي الداخل تحصل على أقل نسبة تمويل.
ومما يشكل دليلاً على طابع الاعتبارات السياسية التي حكمت الخطة التعليمية الجديدة أنها نصت على تخصيص موازنة إضافية لجامعة المستوطنين "أرئيل"، التي تقع في مستوطنة "أرئيل"، شمال غرب مدينة نابلس. وتجاهر الحكومة الحالية بسعيها لإقناع المزيد من الطلاب اليهود بالتوجه للدراسة في جامعة "أرئيل" من خلال تخصيص منح دراسية وتمكين إدارة الجامعة من منح الطلاب إعفاءات كبيرة، في الوقت الذي ارتفعت فيه تكاليف التعليم الجامعي في دولة الاحتلال بشكل لافت.
وتمنح الخطة اهتماماً كبيراً بالأنشطة والبرامج اللامنهجية التي تهدف إلى "تعزيز المضامين اليهودية" في هوية الطلاب، وهو الهدف الذي يرى بينيت، الذي يرأس حزب "البيت اليهودي" المتدين، أنه أهم هدف للخطة الجديدة. وضمن هذه البرامج تنظيم رحلات طلابية داخل وخارج دولة الاحتلال. كما تخصص الخطة موازنات لتعيين مزيد من الحاخامات في المدارس الحكومية للمشاركة في إعطاء الدروس الدينية والرد على أسئلة الطلاب المتعلقة بالدين.
إضافة إلى ذلك، تمنح الخطة الوزارة دوراً في التأثير على الشتات اليهودي من خلال تدشين مدارس تعنى بشكل خاص بتعليم الطلاب اليهود الوافدين الدين والتراث اليهودي، ناهيك عن تخصيص موازنات لتنظيم رحلات للطلاب اليهود من جميع أرجاء العالم إلى فلسطين المحتلة. ومما يدل على الإطار العنصري للخطة الجديدة ما قاله بينيت عند الإعلان عنها الأسبوع الماضي، إذ أكد أن تعزيز المضامين اليهودية في هوية الطلاب تعني نسف الشعار القائل "الآخر أنا"، مشدداً على أنه ضد كل محاولة لتهميش الفوارق بين اليهود وغيرهم، مشدداً على ضرورة أن يدرك الطلاب حجم اختلاف اليهود عن غيرهم. ونقلت صحيفة "هآرتس" عن بينيت قوله إن "كل طالب يهودي يجب أن يعرف من هو إبراهيم وإسحاق ويعقوب، والملك داود، والرمبام".
وتجدر الإشارة إلى أن زعيم تنظيم "لاهفا" الإرهابي، الحاخام بنتسي غوفتشاين، استند إلى فتاوى الرمبام في تأييده لإحراق الكنائس، بزعم أن المسيحية "ضرب من ضروب الوثنية". وتهدف الخطة إلى تعزيز الاتجاهات الشوفينية، من خلال تسليط الأضواء على "أبطال إسرائيل" في الحروب.
وشدد بينيت على ذكر يوني نتنياهو، شقيق رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو، الذي كان قائداً لوحدة "سييرت متكال"، أهم الوحدات الخاصة في جيش الاحتلال الإسرائيلي، والذي قتل أثناء عملية تحرير ركاب طائرة إسرائيلية اختطفت إلى مطار "عنتيبي" في أوغندا عام 1976. و"سييرت متكال" متخصصة في تنفيذ عمليات الاغتيال في قلب البلدان العربية، حيث نفذت العشرات من عمليات الاغتيال.
وفي المقابل، فإن خطة بينيت تنص بشكل عملي على تقليص المضامين الوطنية والقومية للطلاب الفلسطينيين من فلسطينيي الداخل، إذ إنها تميز بين هؤلاء على أساس انتماءاتهم الدينية وليس الوطنية. وفي خلال المؤتمر الصحافي، شدد بينيت على حق الطالب "المسلم" أن يتعلم تراثه الديني وكذلك "الدرزي"، في حين أنه يشدد على ضرورة اهتمام الطلاب اليهود بتراثهم "القومي"، إلى جانب "الديني".
ورأت الصحافية كارولينا ليندسمان أن خطة بينيت تعكس النهج التمييزي ضد فلسطينيي الداخل، مشيرة إلى أن مجاهرة بينيت برفض الآخر تعكس ذلك. وفي مقال نشرته صحيفة "هآرتس" في عددها الصادر الخميس الماضي، لفت ليندسمان إلى أن خطة التعليم الجديدة تعد مثالاً على التعاطي العنصري مع فلسطينيي الداخل. ويذكر أن موازنة وزارة التعليم تعد ثاني أكبر موازنة بعد موازنة الأمن، بحيث تصل إلى 48 مليار شيكل ( 14 مليار دولار).