تعكس تصريحات الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، وجود قناعة لديه بأنّ قراراته وأسلوب إدارته يصبّان في مصلحة الديمقراطية وتداول السلطة، وهو الرجل الذي يحكم مصر منفرداً منذ أنّ كان وزيراً للدفاع بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، في 2013، في غياب كامل للبرلمان والأحزاب وإبعاد مستمر للمجموعات التي تحالفت مع الجيش لعزل الإخوان.
وظهر هذا الاعتقاد لدى السيسي بوضوح في لقائه الأخير بوزير الخارجية الأميركي جون كيري، والذي زار مصر قبل أيام في إطار الحوار الاستراتيجي المصري الأميركي. قال السيسي، وفقاً لبيان الرئاسة المصرية، إنه "أحرز تقدماً في مجال ترسيخ الديمقراطية، وإن الظروف الاستثنائية التي تمر بها مصر لم تحُل من دون اتخاذ المزيد من الخطوات في مجال الحريات والعدالة الاجتماعية".
اقرأ أيضاً: "الحق الممنوع".. الصحافة في عهد السيسي
تتنافى أقوال السيسي بوضوح مع سياساته خلال 14 شهراً قضاها رئيساً للبلاد حتى الآن. ففي مجال "ترسيخ الديمقراطية" حدّد السيسي أربعة مواعيد لإجراء انتخابات مجلس النواب المقبل، لكن لم تجر الانتخابات حتى الآن. وفي ثلاثة لقاءات عقدها مع ممثلي الأحزاب المساندة لنظام 3 يوليو/ تموز 2013، طالبهم بتشكيل قائمة موحّدة ونبذ النظام الانتخابي الطبيعي القائم على تعدّد القوائم الانتخابية. كذلك رفض مطالبات الأحزاب بتحويل القائمة المطلقة، المنصوص عليها في قانون الانتخاب، والتي تهدر أصوات القوائم التي فشلت في الحصول على المركز الأول، إلى نظام القائمة النسبية الذي يسمح بتمثيل أكبر للأحزاب.
واستأثر السيسي طوال هذه الفترة بسلطة التشريع التي مارسها من دون قيد أو شرط، بعدما شكل لجنة لإعداد القوانين التي يصدرها باسم "الإصلاح التشريعي" من دون عرض أي مشروع قانون على الحوار المجتمعي. وهو ما كانت الأحزاب الليبرالية واليسارية تطالب به دائماً الرئيس المعزول محمد مرسي ومجلس الشورى المنتخب في عهده، صاحب السلطة التشريعية بموجب دستور 2012.
وفي مجال الحريات، شهد عهد الرئيس المصري الحالي صدور أكبر عدد من الأحكام القضائية بالإعدام والسجن والحبس ضد قيادات جماعة الإخوان والنشطاء السياسيين المنتمين إلى معسكر ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011. وعلى الرغم من التعهّدات المتكررة منذ يناير/ كانون الأول الماضي بالإفراج عن عدد من الشباب والشابات المحبوسين في قضايا مخالفة قانون التظاهر والمرتبطة بالأحداث السياسية، إلّا أن هذا الأمر لم يتحقّق حتى الآن. وشملت الدفعة الوحيدة التي تم الإفراج عنها عدداً ضئيلاً لا يتجاوز 165 شخصاً، تم اخيتارهم بعشوائية من قضايا بعينها لم تحظ باهتمام الرأي العام.
ولا تزال الأجهزة الأمنية التابعة للسيسي تعطّل أي محاولات للإفراج عن دفعات جديدة بحجة "الحفاظ على المظهر القوي للنظام وعدم هز صورته أمام الرأي العام". وهي الصورة التي ترتكز على نقطتين أساسيتين: العداء للإخوان واعتبارهم "إرهابيين"، ومخاصمة القوى والشخصيات المعروفة بتأييدها المطلق لثورة يناير والإساءة أليها. كذلك حاول السيسي نفسه الإساءة إلى ثورة 25 يناير مرات عدة، كان آخرها عندما وصفها بأنها "الحدث الذي جعل مصر على حافة الهاوية وقرّبها من السقوط".
في مجال الحريات أيضاً، أصدر السيسي في 2014 قانونه الشهير بإشراك القوات المسلحة في حماية المنشآت الحكومية، ثم أصدر تعليماته إلى النائب العام في ذلك الحين، هشام بركات، والذي اغتيل في يونيو/حزيران الماضي، ليستند إليه في إحالة أكبر عدد من السجناء منذ 2011 إلى القضاء العسكري بأثر رجعي. وتمّ ذلك على الرغم من أن الأحداث محلّ اتهامهم وقعت في وقت سابق على إصدار هذا القانون. وقد حول القانون المعتمد مصر بالكامل إلى دولة عسكرية، إذ يحاكم كل من يشارك في تظاهرة أو أعمال شغب أو اعتداءات على منشآت حكومية أمام المحاكم العسكرية وليس أمام قاضيه الطبيعي المدني.
كذلك أدخل السيسي تعديلات جديدة على قانون العقوبات تؤدي جميعها إلى تقييد حريات المواطنين، وأهمها تجريم تلقي "أي شيء" من أشخاص طبيعيين أو مؤسسات خارج البلاد، بدعوى استخدام هذه "الأشياء" للإضرار بمصالح الوطن. وتزامن صدور هذا القانون مع تشديد إجراءات ترخيص عمل المنظمات الحقوقية في مصر، ومنع بعضها من التصرف بحساباتها البنكية، ما أدى إلى حل بعضها أو تقليص العمالة وتغيير النشاط وخفض التواجد في مصر.
وفي مجال العدالة الاجتماعية، أجهض نظام السيسي مشروعه لوضع الحد الأقصى للأجور في الدولة، فأعفى منه السلطة القضائية والبنوك والشركات المساهمة التابعة للحكومة. كذلك قرّر أربع زيادات للمعاشات العسكرية بنسبة إجمالية 40 في المائة مقابل زيادة معاشات واحدة للمدنيين. كذلك أقرّ زيادة أسعار الكهرباء مرتين ليضاعف المبالغ المقررة للشرائح المتوسطة، ووافق على تخفيض دعم الطاقة والوقود، فضلاً عن اعتماد زيادتين على أسعار السجائر بدعوى تعديل قانون ضريبة المبيعات.
وواصل السيسي نهج الرئيس المخلوع حسني مبارك، في نهاية حكمه، بفتح باب التصالح مع المستثمرين الفاسدين بدعوى جذب الاستثمارات. وسمح الرئيس المصري بالتصالح مقابل رد المبالغ المالية المستولى عليها فقط، سواء قبل صدور أحكام الإدانة أو بعدها، وسهّل إجراءات الحصول على الأراضي بنظام حق الانتفاع للمستثمرين الأجانب، وأصدر تعليماته للنيابة العامة والحكومة بقبول التصالح مع المستثمرين الخليجيين.
وتبقى كل هذه التصرفات من دون رقيب في غياب البرلمان المنتخب، وسيطرة صوت واحد مؤيد للنظام على وسائل الإعلام الحكومية والخاصة في مصر. وهو ما سمح للسيسي باعتبار هذه القرارات إنجازات على طريق استقرار البلاد، سواء في خطاباته التي يلقيها دائماً أمام جمهور مختار من القوات المسلحة أو الشرطة أو الإعلاميين، أو في لقاءاته بالمسؤولين الأجانب.
اقرأ أيضاً: تصاعد حرب إعلانات الطرق بين الجيش المصري وشركات الدعاية