الخندق الكردي في العراق...ملامح حدود انفصال الإقليم

11 يناير 2016
يبتلع النفق عشرات القرى غير الكردية (صافين حامد/فرانس برس)
+ الخط -
منح الانهيار الأمني وضعف الحكومة العراقية في بغداد، فرصة مناسبة للقيادات الكردية في إقليم كردستان إلى المضي نحو الانفصال، من خلال البدء بحفر خندق عملاق، يمتد على طول حدود الإقليم الكردي، أضيف إليها بلدات ومناطق تابعة للمسيحيين والتركمان والأيزيديين والعرب كانت تحت سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وانسحب منها بعد معارك مع البشمركة الكردية، وفرت الولايات المتحدة غطاء لها من أجل السيطرة عليها، وهو ما تنفيه أربيل بطبيعة الحال، وتؤكده أطراف عراقية أخرى.

اقرأ أيضاً: كردستان العراق يستعد للاستقلال: ترسيم حدود وضمّ أراضٍ فاستفتاء

وأثارت المشاريع الكردية للانفصال قلقاً في الأوساط العراقية المختلفة، وكان لكل طائفة أو فئة عراقية أسبابها في هذا الخوف؛ وتراوحت هذه الأسباب ما بين خشية من انهيار العراق وتشظّيه إلى دويلات تتبع دولة كردستان، وبين توجُّس الأقليات على تواجدها ومصيرها في العراق، وبين استيلاء الإقليم على مئات الكيلومترات من المناطق والمدن غير التابعة له، وجعلها ضمن حدود الإقليم عبر الخندق الذي تقوم بحفره شركات غربية مختلفة، بعد رفض شركات عربية وتركية تنفيذ المهمة، وسط تأكيدات من زعامات كردية سياسية وأمنية أن الخندق أمني ويهدف إلى خلق حزام أمان يكسر طموحات تنظيم (داعش) بالعودة مرة أخرى وتهديد الإقليم.

وقال وكيل محافظ صلاح الدين شمال العراق، محمد عبد الواحد قوجا، لـ"العربي الجديد"، إن "حكومة إقليم كردستان تقوم بترسيم حدودها من خلال حفر خندق يمتد من شمال غربي العراق قرب الحدود السورية من محافظة الموصل انتهاءً بالحدود العراقية الإيرانية في محافظة ديالى شرق العراق".

وأكد أن "الخندق بدأ من ناحية ربيعة الحدودية مع السورية بالموصل شمال البلاد وانتهاءً بناحية جلولاء بالقرب مع الحدود العراقية الإيرانية من محافظة ديالى شمال شرقي بغداد". وبيّن أنّه "على الجميع أن يعي حجم المشكلة التي تحل بالمنطقة، ومن الأفضل أن كل واحد يتحرك ضمن مسؤوليته ودائرة صلاحيته وفق أسس مهنية ورسمية لإيقاف هذا المشروع". وتقع محافظة صلاح الدين وعاصمتها تكريت بشكل محاذ لإقليم كردستان العراق. ورأى قوجا أن "حفر الخندق سابقة خطيرة جدا".

بموازاة ذلك، قال النائب العراقي، أرشد الصالحي، إن ثلاث شركات تعمل على حفر الخندق عبر منظومة الأقمار الصناعية، وهذا الأمر خطير قد يكون تمهيداً لتقسيم العراق. وأوضح في مؤتمر صحافي أن "حفر الخندق تمهيد لتقسيم العراق، لأن إقليم كردستان يسعى لهذا الأمر". وأضاف "نحن ننظر إلى هذا الخندق بأنه فعل مشبوه، ولا أحد يعلم به، وقامت بحفره ثلاث شركات أميركية وبريطانية وفرنسية عبر منظومة الأقمار الصناعية (جي بي أس) من حدود منطقة ربيعة، وصولاً إلى قضاء طوزخورماتو، مع إبقاء قضاء أمرلي خارج الخندق، ومن ثم العبور إلى مناطق ديالى، وصولاً إلى حدود قضاء خانقين في المحافظة".

وطالب الصالحي "رئيس الوزراء حيدر العبادي بأن يوضح ما إذا كان لديه علم بهذا الخندق أم لا". وأشار إلى أن "الخندق لا يمكن أن يكون على شكل هلال بحجة حماية كركوك من الإرهابيين، لذا نحن نرى أنه تمهيد لتقسيم العراق، لأنه يُحدد خرائط الجيوسياسية على الأرض، وعلى الحكومة أن تعلن إن كان الأمر يجري بعلمها أم لا". وطالب "لجنة الأمن والدفاع النيابية بأن توضح هذا الأمر أيضاً".

ولم يؤد إعلان هيئة المناطق الكردستانية التابعة لرئاسة مجلس وزراء إقليم كردستان يوم أمس، عن أن حفر الخندق يأتي لصدّ أية هجمات محتملة قد يشنها تنظيم "داعش" على البلدات القريبة الحدودية مع كردستان العراق، إلى تخفيف قلق ومخاوف الشركاء والمراقبين، فضلاً عن تأكيد القيادي بالتحالف الكردستاني حاج محمود كركوكلي أن الخندق أمني وليس سياسياً.

وقال كركوكلي لـ"العربي الجديد"، إن "ما يقوم به الإقليم يجري بعلم الأميركيين والبريطانيين، وهو إجراء أمني خالص، والتخوف وردود الفعل المتشنجة من قبل البعض في غير محلها". وحول وجود تطمينات مادية يقدمها الأكراد للآخرين، قال "لا توجد. نحن في حالة حرب ونتخذ ما نراه مناسباً لحماية الإقليم وشعبه"، على حدّ قوله.

وبحسب مصادر محلية كردية لـ"العربي الجديد"، فإن الخندق بعمق 4 أمتار وعرض يصل إلى 5 أمتار في بعض المناطق السهلية المفتوحة، ويحيط على شكل هلال الإقليم بما فيه محافظة كركوك وأكثر و13 مدينة وبلدة لم تكن تابعة للإقليم قبل دخول "داعش"، فضلاً عما لا يقل عن 100 قرية حدودية تعود للعرب والتركمان والمسيحيين وطوائف الأيزيديين والزرادشتية والطائفة الكاكائية، وهي ديانات ومعتقدات موغلة في القدم مهددة بالزوال، وتتركز في شمال العراق بين نينوى وكركوك ويختلف أتباعها قومياً بين تركمان وعرب وأكراد.

من جهة ثانية، قال المحلل السياسي أحمد السلمان، لـ"العربي الجديد"، إن "الأكراد يسعون إلى إقامة دولتهم، وهذا الحراك دخل حيز التنفيذ، بحيث قدم رئيس الإقليم مسعود البرزاني في اجتماعه الأخير مع سفراء الدول في إقليم كردستان العراق مشروع الانفصال عن العراق وتأسيس الدولة الكردية".

وأشار إلى أن "الأوضاع السياسية والاضطرابات الحاصلة في المنطقة في العراق وسورية ملائمة جدا لهم، خصوصاً أن الإقليم بات قاعدة دولية عسكرية لواشنطن ولندن وباريس ودول غربية أخرى، وهو ما قد ينتج عن انفصال وتأسيس الدولة الكردية". وبين أن "ضعف حكومة العبادي وحسن استغلال الأكراد للوضع أعطتهم فرصة ذهبية للتقدم خطوات أخرى إضافية نحو الانفصال". وقال إن "داعش" "قدم خدمات كبيرة لجميع الأطراف، باستثناء من يدّعي أنه يدافع عنهم"، واصفاً مشروع الخلافة لـ"داعش" بأنه "مشروع سايكس بيكو جديد".


اقرأ أيضاً: المشرق العربي يواجه تهديد التفكك