انتمت واحة جغبوب عبر تاريخها إلى الصحراء وحدها، ورغم قساوتها الظاهرة، تبقى أحنّ على أهلها من مخالب السياسيين، وتقلبات السلطة عبر الزمن. وهكذا ظلت الواحة رغم النزاع عليها ملكاً للقبيلة، بعيداً عن السلطة المركزية في عواصم بعيدة عنها، والخلافات التاريخية بين أطراف دولية متنازعة.
وفقاً للأمر الواقع، يسلّم المصريون بأن واحة جغبوب تتبع السيادة الليبية، مثلما يسلّم الليبيون تماماً بأن منطقة السلّوم تتبع السيادة المصرية، بالرغم من أن الوضع تاريخياً ربما يبدو معكوساً، وفقاً للوثائق القديمة والحوادث التاريخية المشهورة.
موقع استراتيجي
تقع الجغبوب على الغرب من واحة سيوة في الداخل المصري، وتبعد عن مدينة طبرق، التي تتبعها إدارياً، بحوالي 286 كلم تقريباً، في الجهة الجنوبية الشرقية، في منخفض مساحته تقدّر بحوالي 56 كيلومتراً مربعاً. فهي تقع في منطقة حدودية بين مصر وليبيا جعلت لها أهمية استراتيجية على مرّ التاريخ.
كانت تركيا العثمانية حريصة على بسط نفوذها على الواحة، ثم جاء الإيطاليون، وتفاوضوا مع البريطانيين على ضمها، من أجل السيطرة على السنوسيين حيث يتمركزون بها، وذلك في اتفاقية تدعى (ملنر - شالويا) في 10-13 أبريل/ نيسان 1920؛ ومنحت بموجبها بريطانيا (بوصفها الحاكم "المستعمر" الفعلي لمصر) واحة جغبوب إلى إيطاليا (بوصفها الحاكم "المستعمر" الفعلي لليبيا)، وقام البلدان بترسيم الحدود وفقاً لمصالحهما الخاصة. بعدها تنازلت مصر في أيام أحمد زيور باشا (1864 - 1945) عن حقها في الجغبوب تحت ضغط بريطاني في ديسمبر/ كانون الأول 1925.
كانت واحة جغبوب مسرحاً لفيلم حربي إيطالي شهير أنتج سنة 1942، لعمل دعاية حول "بطولة" الإيطاليين في معاركهم مع البريطانيين لمدة تسعة أشهر في الفترة من 1940-1942، وحصارهم لجغبوب خلال الحرب العالمية الثانية.
مؤهلات سياحية
مؤهلات سياحية مهدرة تمتاز بها الواحة، حيث البحيرات الرائعة التي تتوسط رمال الصحراء التي يطلقون عليها (الحطية). بل إنّ أهالي الواحة يزعمون أن جغبوب مفرد لكلمة (جغابيب) بمعنى المنخفضات التي فيها عيون الماء والمستنقعات الصغيرة.
تغطي السبخات ما يقارب الثماني كيلومترات من مدخل المنخفض، ثم تبدأ الأرض بالارتفاع التدريجي كلما ذهبنا نحو بلدة جغبوب، التي تبعد عن المدخل بحوالي 22 كلم. تتميّز الأرض التي تقع فيها الواحة بكونها رملية وسط الصخور. والمناخ فيها صحراوي يصل صيفاً إلى 48 درجة مئوية وشتاءً إلى الصفر.
ويحيط بالجغبوب القديمة سور حجري له سبعة أبواب، يضم بداخله الزاوية والمسجد والضريح، وأسماء الأبواب السبعة: الاستسقاء والعين والكرة والكوادير والبحري والغربي والرحمة، حيث تخرج الجنازات إلى المقابر من الباب الأخير. ومع التمدد العمراني لم تعد هذه الأبواب توصل إلى خارج الواحة بل صارت بداخلها حيث كثرت المباني خارج السور.
يبلغ السكان حوالي ثلاثة آلاف نسمة تقريباً، ويشتغل جزء من السكان بالزراعة، حيث يتناقل الأهالي مقولة مأثورة للسنوسي الكبير تقول: "الدرر في غرس الشجر". لذا يعملون في زراعة الخضروات والأعلاف الحيوانية والزيتون والحنة، باستخدام مياه جوفية بها نسبة ملوحة تجعلها صالحة للزراعة، وغير صالحة للشرب والطهي. وتصل أعداد شجر النخيل هناك إلى حوالي عشرة آلاف نخلة، وأشهر أصناف التمور: الصعيدي، والفريحي، والكعيبي.
مركز ديني وتاريخي
للجغبوب مكانة كبيرة في نفوس الليبيين، حيث كانت مركزاً دينياً انطلقت منه الدعوة إلى غرب أفريقيا، يشهد بذلك كتاب "السراج الوهّاج في رحلة السيد المهدي من الجغبوب إلى التاج"، الذي دوّن فيه أحمد الشريف بن محمد السنوسي (1873-1933) الرحلات الدعوية التي رافق فيها عمه محمد المهدي السنوسي. كذلك كانت الجغبوب مركزاً لتجميع المجاهدين من مصر وليبيا وتشاد والسودان ضد المستعمرين البريطانيين والإيطاليين والفرنسيين منذ أواخر القرن التاسع عشر.
تعود المكانة القيّمة التي حظيت بها الواحة إلى السنوسي الكبير، بعد أن كانت الجغبوب وكراً للصوص وقطاع الطرق الذين يغيرون على القوافل. كانت المنطقة قريبة من طريقين مهمين أحدهما طريق الحجاج القادمين من المغرب إلى الحجاز مروراً بمصر، وطريق التجارة القادم من موانئ البحر المتوسط الشمالية المتجه إلى واحات الصحراء جنوباً.
كانت أهمية جغبوب تزيد وتقل تبعاً لقوة السنوسيين فيها، وقد أسس السيد ابن علي في 1854 زاويته التي أصبحت بعد ذلك مركز العلوم والعرفان للطائفة السنوسية. إذ عمل على أن تكون مركزاً للتوفيق والصلح بين قبائل الصحراء المتناحرة، ونشر السلام بينهم جميعا عرباً وأفارقة. وقد جاء في خطاب له إلى أهل (واجنجه)، وهم من السود: "يا أهل واجنجه إنّا نريد أن ننشر السلام بينكم وبين الأعراب الذين يغيرون على بلادكم ويستعبدون أولادكم ويبتزون أموالكم".
انضمت الأفواج للدعوة السنوسية؛ وفي أيام الأعياد، وفي ذكرى وفاة السنوسي الكبير، صار الآلاف من أهل ليبيا يتهافتون على الواحة الصغيرة، حيث تمتلئ بهم الشوارع والطرقات، ولكن ما إن تنتهي زيارتهم لضريح السنوسي الكبير حتى يشربوا أقداح الشاي الأخضر، ثم يعودون إلى مناطقهم التي قدموا منها؛ لأن الطريقة السنوسية لا تتضمن أية احتفالات مهرجانية كالطرق الصوفية الأخرى.
أخيراً طرحت فكرة العودة للتاريخ، واعتبار جغبوب واحة مصرية مسلوبة، والمطالبة باستردادها. ظهر ذلك عبر دوائر إعلامية مقربة من الحكومة المصرية، كما أعاد بعض الباحثين طرح القضية في الفترة الأخيرة في مؤتمر "المسكوت عنه في تاريخ مصر". وهو ما يعتبره الطرف الليبي محض هراء، ومحاولة استفزازية لتعكير الأجواء بين البلدين.
وفقاً للأمر الواقع، يسلّم المصريون بأن واحة جغبوب تتبع السيادة الليبية، مثلما يسلّم الليبيون تماماً بأن منطقة السلّوم تتبع السيادة المصرية، بالرغم من أن الوضع تاريخياً ربما يبدو معكوساً، وفقاً للوثائق القديمة والحوادث التاريخية المشهورة.
موقع استراتيجي
تقع الجغبوب على الغرب من واحة سيوة في الداخل المصري، وتبعد عن مدينة طبرق، التي تتبعها إدارياً، بحوالي 286 كلم تقريباً، في الجهة الجنوبية الشرقية، في منخفض مساحته تقدّر بحوالي 56 كيلومتراً مربعاً. فهي تقع في منطقة حدودية بين مصر وليبيا جعلت لها أهمية استراتيجية على مرّ التاريخ.
كانت تركيا العثمانية حريصة على بسط نفوذها على الواحة، ثم جاء الإيطاليون، وتفاوضوا مع البريطانيين على ضمها، من أجل السيطرة على السنوسيين حيث يتمركزون بها، وذلك في اتفاقية تدعى (ملنر - شالويا) في 10-13 أبريل/ نيسان 1920؛ ومنحت بموجبها بريطانيا (بوصفها الحاكم "المستعمر" الفعلي لمصر) واحة جغبوب إلى إيطاليا (بوصفها الحاكم "المستعمر" الفعلي لليبيا)، وقام البلدان بترسيم الحدود وفقاً لمصالحهما الخاصة. بعدها تنازلت مصر في أيام أحمد زيور باشا (1864 - 1945) عن حقها في الجغبوب تحت ضغط بريطاني في ديسمبر/ كانون الأول 1925.
كانت واحة جغبوب مسرحاً لفيلم حربي إيطالي شهير أنتج سنة 1942، لعمل دعاية حول "بطولة" الإيطاليين في معاركهم مع البريطانيين لمدة تسعة أشهر في الفترة من 1940-1942، وحصارهم لجغبوب خلال الحرب العالمية الثانية.
مؤهلات سياحية
مؤهلات سياحية مهدرة تمتاز بها الواحة، حيث البحيرات الرائعة التي تتوسط رمال الصحراء التي يطلقون عليها (الحطية). بل إنّ أهالي الواحة يزعمون أن جغبوب مفرد لكلمة (جغابيب) بمعنى المنخفضات التي فيها عيون الماء والمستنقعات الصغيرة.
تغطي السبخات ما يقارب الثماني كيلومترات من مدخل المنخفض، ثم تبدأ الأرض بالارتفاع التدريجي كلما ذهبنا نحو بلدة جغبوب، التي تبعد عن المدخل بحوالي 22 كلم. تتميّز الأرض التي تقع فيها الواحة بكونها رملية وسط الصخور. والمناخ فيها صحراوي يصل صيفاً إلى 48 درجة مئوية وشتاءً إلى الصفر.
ويحيط بالجغبوب القديمة سور حجري له سبعة أبواب، يضم بداخله الزاوية والمسجد والضريح، وأسماء الأبواب السبعة: الاستسقاء والعين والكرة والكوادير والبحري والغربي والرحمة، حيث تخرج الجنازات إلى المقابر من الباب الأخير. ومع التمدد العمراني لم تعد هذه الأبواب توصل إلى خارج الواحة بل صارت بداخلها حيث كثرت المباني خارج السور.
يبلغ السكان حوالي ثلاثة آلاف نسمة تقريباً، ويشتغل جزء من السكان بالزراعة، حيث يتناقل الأهالي مقولة مأثورة للسنوسي الكبير تقول: "الدرر في غرس الشجر". لذا يعملون في زراعة الخضروات والأعلاف الحيوانية والزيتون والحنة، باستخدام مياه جوفية بها نسبة ملوحة تجعلها صالحة للزراعة، وغير صالحة للشرب والطهي. وتصل أعداد شجر النخيل هناك إلى حوالي عشرة آلاف نخلة، وأشهر أصناف التمور: الصعيدي، والفريحي، والكعيبي.
مركز ديني وتاريخي
للجغبوب مكانة كبيرة في نفوس الليبيين، حيث كانت مركزاً دينياً انطلقت منه الدعوة إلى غرب أفريقيا، يشهد بذلك كتاب "السراج الوهّاج في رحلة السيد المهدي من الجغبوب إلى التاج"، الذي دوّن فيه أحمد الشريف بن محمد السنوسي (1873-1933) الرحلات الدعوية التي رافق فيها عمه محمد المهدي السنوسي. كذلك كانت الجغبوب مركزاً لتجميع المجاهدين من مصر وليبيا وتشاد والسودان ضد المستعمرين البريطانيين والإيطاليين والفرنسيين منذ أواخر القرن التاسع عشر.
تعود المكانة القيّمة التي حظيت بها الواحة إلى السنوسي الكبير، بعد أن كانت الجغبوب وكراً للصوص وقطاع الطرق الذين يغيرون على القوافل. كانت المنطقة قريبة من طريقين مهمين أحدهما طريق الحجاج القادمين من المغرب إلى الحجاز مروراً بمصر، وطريق التجارة القادم من موانئ البحر المتوسط الشمالية المتجه إلى واحات الصحراء جنوباً.
كانت أهمية جغبوب تزيد وتقل تبعاً لقوة السنوسيين فيها، وقد أسس السيد ابن علي في 1854 زاويته التي أصبحت بعد ذلك مركز العلوم والعرفان للطائفة السنوسية. إذ عمل على أن تكون مركزاً للتوفيق والصلح بين قبائل الصحراء المتناحرة، ونشر السلام بينهم جميعا عرباً وأفارقة. وقد جاء في خطاب له إلى أهل (واجنجه)، وهم من السود: "يا أهل واجنجه إنّا نريد أن ننشر السلام بينكم وبين الأعراب الذين يغيرون على بلادكم ويستعبدون أولادكم ويبتزون أموالكم".
انضمت الأفواج للدعوة السنوسية؛ وفي أيام الأعياد، وفي ذكرى وفاة السنوسي الكبير، صار الآلاف من أهل ليبيا يتهافتون على الواحة الصغيرة، حيث تمتلئ بهم الشوارع والطرقات، ولكن ما إن تنتهي زيارتهم لضريح السنوسي الكبير حتى يشربوا أقداح الشاي الأخضر، ثم يعودون إلى مناطقهم التي قدموا منها؛ لأن الطريقة السنوسية لا تتضمن أية احتفالات مهرجانية كالطرق الصوفية الأخرى.
أخيراً طرحت فكرة العودة للتاريخ، واعتبار جغبوب واحة مصرية مسلوبة، والمطالبة باستردادها. ظهر ذلك عبر دوائر إعلامية مقربة من الحكومة المصرية، كما أعاد بعض الباحثين طرح القضية في الفترة الأخيرة في مؤتمر "المسكوت عنه في تاريخ مصر". وهو ما يعتبره الطرف الليبي محض هراء، ومحاولة استفزازية لتعكير الأجواء بين البلدين.