لم تكن السياسات التي واجهت فيها السعودية إيران أخيراً، سياسات احتواء، لكن نتائجها كانت كذلك. فقد حرصت الرياض، على غير العادة، على تصعيد لهجتها إزاء السلوك الإيراني العدواني ضدها، إثر إعدامات مطلع العام الحالي. كما استخدمت السعودية ورقة دولية لا يمكن الطعن فيها للضغط على طهران، تمثلت برفض الاعتداء على البعثات والمقار الدبلوماسية، المتفق عليه دولياً وفق اتفاقيات فيينا 1961، عقب اقتحام محتجين لسفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد.
هذه الورقة كانت حجر الأساس في الحشد السعودي لعزل إيران عربياً وإقليمياً، وهو ما ترجم بإدانة إيران حتى من أقرب الدول إليها، إلى الحد الذي وافق فيه العراق، حليف إيران، على بيان الإدانة العربي لطهران، في اجتماع وزراء الخارجية العرب، الأحد الماضي، في خطوة لم تكن متوقعة، وتمت مساءلة وزير الخارجية العراقي، إبراهيم الجعفري، عليها محلياً في بغداد. حتى لبنان، الذي امتنع عن التصويت على قرار عربي لإدانة طهران، جاء في تبريرات وزير خارجيته، جبران باسيل، أن لبنان ضد اقتحام الإيرانيين لمقار البعثات الدبلوماسية السعودية، أما الرفض فجاء لتفاصيل أخرى تضمنها البيان، ولا تروق لبيروت التي ترفع لافتة "النأي بالنفس".
إزاء التصعيد السعودي السياسي المقابل للخطوات الإيرانية، بدأت طهران بخطوات عدة يمكن قراءتها كإعلان تهدئة مع السعودية. فبعد الإعلان عن اعتقال 40 من المتظاهرين ضد السفارة السعودية، تمت إقالة مساعد الشؤون الأمنية بمحافظة طهران، صفر علي راتلو على الأرجح على خلفية اقتحام السفارة السعودية. كما قدمت الخارجية الإيرانية إلى الأمم المتحدة رسالة اعتذار عبّرت فيها عن مسؤوليتها الكاملة عن حفظ أمن الدبلوماسيين والمقرات الدبلوماسية على أراضيها. كذلك دان الرئيس الإيراني، حسن روحاني اقتحام السفارة السعودية. كما وجّهت الخارجية الإيرانية لاحقاً المجلس البلدي لمدينة طهران بإعادة اسم الشارع الذي تقع فيه السفارة السعودية في طهران، إلى سابق عهده (بوستان)، وإلغاء تسميته باسم نمر النمر، في محاولة للتخفيف من حدة الأزمة السعودية – الإيرانية على ما يبدو.
ويرى مراقبون خطوات التهدئة الإيرانية هذه، كنتيجة للحزم السياسي السعودي، والذي أدى إلى إحباط أي إجراءات تصعيدية موازية كان من المتوقع أن تقوم بها طهران. وهذا ما عبر عنه ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في حواره مع صحيفة "ذا إيكونوميست"، إذ اعتبر أن تجنب التصعيد مع طهران من أسباب قطع الرياض العلاقات الدبلوماسية معها، لافتاً إلى أن الأزمة كانت ستكون أكبر في حال الاعتداء على أي من الدبلوماسيين السعوديين في إيران وعائلاتهم.
اقرأ أيضاً: جامعة الدول العربية تدعم السعودية في مواجهة إيران
مواقف عربية وإقليمية
نجحت الرياض تباعاً في حشد موقف خليجي ثم عربي موحد لإدانة إيران، وبما يفوق إدانة اقتحام المقار الدبلوماسية ليشمل دعم دول الخليج للسعودية في أي إجراءات تتخذها لمواجهة الإرهاب، ورفض عربي للتدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول العربية، في خطوة يمكن قراءتها كمحاولة للدفع باتجاه عزل إيران عربياً، وهو ما كان وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، قد لوّح به خلال الأشهر القليلة الماضية، كرد على التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول العربية.
إقليميا، حاولت الرياض، مواجهة تداعيات الأزمة السعودية – الإيرانية، من خلال تأكيد وقوف حلفائها في الإقليم معها ضد أي تهديدات إيرانية مستقبلية للرياض، والتأكيد أنّ الدول الكبرى في المنطقة، والتي لم تعلن موقفاً واضحاً ضد طهران في بداية الأزمة، لن تكون في صفّ طهران في حال تصعيد الأخيرة ضد الرياض. وهنا تحديداً يمكن الحديث عن تركيا وباكستان.
حاولت باكستان بداية إمساك العصا من وسطها، وعبّر مستشار رئيس الوزراء الباكستاني للشؤون الخارجية، سرتاج عزيز، في بدايات الأزمة (الثلاثاء 5 يناير/ كانون الثاني) عن "قلقه الشديد من الأزمة السعودية – الإيرانية"، عارضاً تدخل باكستان لإيجاد حل. كما اعتبر أن الخلاف السعودي – الإيراني "ليس في صالح الوحدة الإسلامية في هذا الوقت الحرج". وأبدى عزيز مخاوفه من انعكاسات هذه الأزمة على الأمن والاستقرار الإقليمي، معتبراً أنه تطور خطر للغاية. لكن هذا الموقف تُرجم لاحقاً بدعم عام للسعودية "إزاء أي تهديدات" تواجهها. لكن السعودية، وبعد زيارتين لمسؤولين رفيعي المستوى إلى إسلام أباد خلال أقل من أربعة أيام، (وزير الخارجية، عادل الجبير، ووولي ولي العهد، وزير الدفاع، الأمير محمد بن سلمان)، قد أوضحت لإيران، أن الموقف الباكستاني الأولي الذي دعا الطرفين إلى ضبط النفس، لا يعني أن باكستان ستنحاز لإيران. هكذا، تعهدت باكستان بعد زيارة ولي ولي العهد السعودي، وعلى لسان رئيس الوزراء نواز شريف، الذي تربطه شخصياً علاقات ود كبيرة مع المملكة، وقائد الجيش الباكستاني راحيل شريف، بأن أي تهديد للسعودية أو اعتداء على أراضيها سيلقى رداً قاسياً من إسلام أباد. هذه الإشارة العامة أخرجت باكستان من حرج اتخاذ موقف ضد إيران، وفي نفس الوقت، جددت التعهد بالوقوف مع السعودية في حال نشوب أي صراع إقليمي.
أما تركيا، فبعد موقفها الأولي الداعي لاحتواء الأزمة، أعلنت لاحقاً على لسان رئيسها، رجب طيب أردوغان، رفضها للتدخلات الإيرانية في الشأن الداخلي السعودي. وذكّر أردوغان إيران بأنها تصمت أمام إعدام السوريين منذ خمس سنوات "والآن يغضبون لإعدام شخص واحد". في موازاة ذلك، جددت أنقرة، أمس الاثنين، وبحسب وزير خارجيتها، مولود جاويش أوغلو، عرضها بالوساطة لنزع فتيل الأزمة السعودية – الإيرانية. أما دولياً، وفي خطوة صينية استثنائية، فأعلنت وزارة الخارجية الصينية، أنها أرسلت نائب وزير خارجيتها، تشانغ مينغ، للاجتماع مع مسؤولين سعوديين وإيرانيين الأسبوع الماضي. وأوضح البيان أن الصين دعت السعودية وإيران إلى الحوار و"ضبط النفس" لتجاوز الأزمة الراهنة.
خشية على الاتفاق النووي
في موازاة ذلك، يبدو أن خشية إيران على الاتفاق النووي، تشغلها أكثر من أي شيء آخر هذه الأيام. وبينما تبدو خطوات الرياض لعزل طهران خليجياً وعربياً تسير لصالح السعودية، لا تريد إيران أن تخسر على صعيد معركتها في الانفتاح على الولايات المتحدة ودول أوروبا بعد الاتفاق النووي. فقد كتب وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، مقالاً في صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، ضمّنه "الشكوى" من الخطوات السعودية، والتي وصفها بأنها محاولات للضغط على إيران بعد توقيعها على الاتفاق النووي مع الغرب. وحاول ظريف، في مقاله، أن يغازل الأميركيين، ويقدم بلاده كدولة محارِبة للتطرف والطائفية، متهماً السعودية بأنها سبب عدم الاستقرار في المنطقة، على حد وصفه.
اقرأ أيضاً: التوتر السعودي – الإيراني والعامل الأميركي
ويرى مراقبون خطوات التهدئة الإيرانية هذه، كنتيجة للحزم السياسي السعودي، والذي أدى إلى إحباط أي إجراءات تصعيدية موازية كان من المتوقع أن تقوم بها طهران. وهذا ما عبر عنه ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في حواره مع صحيفة "ذا إيكونوميست"، إذ اعتبر أن تجنب التصعيد مع طهران من أسباب قطع الرياض العلاقات الدبلوماسية معها، لافتاً إلى أن الأزمة كانت ستكون أكبر في حال الاعتداء على أي من الدبلوماسيين السعوديين في إيران وعائلاتهم.
اقرأ أيضاً: جامعة الدول العربية تدعم السعودية في مواجهة إيران
مواقف عربية وإقليمية
إقليميا، حاولت الرياض، مواجهة تداعيات الأزمة السعودية – الإيرانية، من خلال تأكيد وقوف حلفائها في الإقليم معها ضد أي تهديدات إيرانية مستقبلية للرياض، والتأكيد أنّ الدول الكبرى في المنطقة، والتي لم تعلن موقفاً واضحاً ضد طهران في بداية الأزمة، لن تكون في صفّ طهران في حال تصعيد الأخيرة ضد الرياض. وهنا تحديداً يمكن الحديث عن تركيا وباكستان.
حاولت باكستان بداية إمساك العصا من وسطها، وعبّر مستشار رئيس الوزراء الباكستاني للشؤون الخارجية، سرتاج عزيز، في بدايات الأزمة (الثلاثاء 5 يناير/ كانون الثاني) عن "قلقه الشديد من الأزمة السعودية – الإيرانية"، عارضاً تدخل باكستان لإيجاد حل. كما اعتبر أن الخلاف السعودي – الإيراني "ليس في صالح الوحدة الإسلامية في هذا الوقت الحرج". وأبدى عزيز مخاوفه من انعكاسات هذه الأزمة على الأمن والاستقرار الإقليمي، معتبراً أنه تطور خطر للغاية. لكن هذا الموقف تُرجم لاحقاً بدعم عام للسعودية "إزاء أي تهديدات" تواجهها. لكن السعودية، وبعد زيارتين لمسؤولين رفيعي المستوى إلى إسلام أباد خلال أقل من أربعة أيام، (وزير الخارجية، عادل الجبير، ووولي ولي العهد، وزير الدفاع، الأمير محمد بن سلمان)، قد أوضحت لإيران، أن الموقف الباكستاني الأولي الذي دعا الطرفين إلى ضبط النفس، لا يعني أن باكستان ستنحاز لإيران. هكذا، تعهدت باكستان بعد زيارة ولي ولي العهد السعودي، وعلى لسان رئيس الوزراء نواز شريف، الذي تربطه شخصياً علاقات ود كبيرة مع المملكة، وقائد الجيش الباكستاني راحيل شريف، بأن أي تهديد للسعودية أو اعتداء على أراضيها سيلقى رداً قاسياً من إسلام أباد. هذه الإشارة العامة أخرجت باكستان من حرج اتخاذ موقف ضد إيران، وفي نفس الوقت، جددت التعهد بالوقوف مع السعودية في حال نشوب أي صراع إقليمي.
أما تركيا، فبعد موقفها الأولي الداعي لاحتواء الأزمة، أعلنت لاحقاً على لسان رئيسها، رجب طيب أردوغان، رفضها للتدخلات الإيرانية في الشأن الداخلي السعودي. وذكّر أردوغان إيران بأنها تصمت أمام إعدام السوريين منذ خمس سنوات "والآن يغضبون لإعدام شخص واحد". في موازاة ذلك، جددت أنقرة، أمس الاثنين، وبحسب وزير خارجيتها، مولود جاويش أوغلو، عرضها بالوساطة لنزع فتيل الأزمة السعودية – الإيرانية. أما دولياً، وفي خطوة صينية استثنائية، فأعلنت وزارة الخارجية الصينية، أنها أرسلت نائب وزير خارجيتها، تشانغ مينغ، للاجتماع مع مسؤولين سعوديين وإيرانيين الأسبوع الماضي. وأوضح البيان أن الصين دعت السعودية وإيران إلى الحوار و"ضبط النفس" لتجاوز الأزمة الراهنة.
خشية على الاتفاق النووي
اقرأ أيضاً: التوتر السعودي – الإيراني والعامل الأميركي