أكمل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) عامه الثاني بالسيطرة على مدينة الرقة السورية، المدينة الوحيدة من مراكز المحافظات التي سيطر عليها بالكامل في سورية، وذلك في 13 يناير/كانون الثاني 2014. وبعد أيام قليلة من التحوّل الميداني، باتت الرقة عاصمة التنظيم في سورية، ويقيم فيها قادته وعدد كبير من مسلّحيه الأجانب، بعد أن نزح عنها معظم ناشطيها ومثقفيها وأغنيائها.
بقي فقراء المدينة وأبناء الطبقات الوسطى وحدهم، يصارعون التنظيم وأحكامه الجائرة على الأرض، وفي مواجهة الموت الذي تسبّبه غارات طائرات التحالف الدولي والنظام السوري وروسيا، على أسواقهم وأحيائهم ومراكزهم الحيوية التي حوّلها "داعش" إلى مقرات يدير منها المدينة.
ونجح التنظيم في يناير 2014 بهزيمة "لواء ثوّار الرقّة" وبعض مجموعات "حركة أحرار الشام" في معركة السيطرة على الرقة، في أقلّ من عشرة أيام. وتمكّن مسلّحو التنظيم من استعادة جميع المباني الحكومية التي بسطت قوات "لواء ثوار الرقة" و"أحرار الشام" السيطرة عليها في المدينة، قبل هجوم "داعش".
وشهدت المدينة موجات نزوح واسعة، معطوفة على استهداف "داعش" للمثقفين بعمليات خطف واعتقال مكثفة. كما استهدف التنظيم أصحاب رؤوس الأموال والتجار، وطلب مبالغ نقدية كبيرة منهم، بحجة "دعم الجهاد" أو "دفع الزكاة"، ما دفع هؤلاء إلى الهرب من المدينة، لتخلو معظم أحيائها وتتحول بيوتها الفاخرة إلى مساكن لعناصر التنظيم الأجانب وعائلاتهم.
اقرأ أيضاً هاربة من "داعش": هكذا يستغلون النساء
مع ذلك، بدأ التنظيم بتشغيل بعض المرافق الخدمية في المدينة كالكهرباء والمياه والنظافة، ليُبقي على الحدّ الأدنى من متطلبات المعيشة الأساسية متوافراً في الرقة، في الأشهر التسعة الأولى من سيطرته عليها. وجاء ذلك قبل بدء تدخل التحالف الدولي لمحاربة "داعش" في نهاية شهر سبتمبر/أيلول 2014، لتبدأ طائراته بقصف الرقة ومحيطها، ما زاد من معاناة السكان، الذين كانوا يعيشون أصلاً رعب استهداف طائرات النظام السوري لهم بالبراميل المتفجرة. والتي كان أشنعها، في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2014، حين قُتل أكثر من 75 مدنياً في يوم واحدٍ.
ووثّقت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" في تقريرها، مقتل 307 مدنيين من سكان الرقة في عام 2014، نتيجة قصف طائرات النظام، من بينهم 31 طفلاً و38 امرأة. كما قتل "داعش" 81 مدنياً، بينهم سبع سيدات وثلاثة أطفال، في العام نفسه، وفقاً للشبكة.
وكان التنظيم قد فرض على سكان الرقة أحكاماً جائرة، لم تقتصر على منع التدخين وفرض ملابس تغطي الجسد بالكامل على النساء، ومنعهن من العمل والتنقل وفرض عقوبات قاسية على من يخالف هذه القواعد، بل شملت إغلاق معظم المدارس ومنع التعليم الحكومي ومصادرة أملاك معارضي التنظيم والتضييق على أقاربهم.
ونوّع التنظيم أساليب فرض الرعب على السكان، خلال العام الماضي، ففي طرق الإعدام اعتمد أسلوب الرمي من بناء شاهق والرجم بالحجارة للرجال المتهمين بالمثلية، إلى رجم النساء المتهمات بممارسة الجنس خارج إطار العلاقة الزوجية بالحجارة، إلى قيام التنظيم بحفلات إعدام جماعي لشبان يتهمهم التنظيم بالتعاون مع قوات المعارضة السورية أو قوات النظام السوري أو قوات "حماية الشعب" الكردية، التي يحاربها التنظيم جميعاً.
ساهمت هذه الأحكام الجائرة مجتمعة في تحقيق غاية التنظيم الرئيسية من فرضها وتطبيقها في صور استعراضية ومن ثم تصويرها بأساليب فنية متطورة وبثها على الإنترنت، ما أدى إلى نشر رعب غير مسبوق بين سكان المناطق التي يسيطر عليها التنظيم شرق سورية وليس في الرقة فقط.
ولكن التطورات الأخيرة التي جرت منتصف العام الماضي والتي تمثلت في خسارة التنظيم لمدينة تل أبيض الحدودية مع تركيا، الواقعة بريف الرقة الشمالي لصالح قوات "حماية الشعب" وقوات المعارضة المتحالفة معها، في منتصف شهر يونيو/حزيران الماضي، بدأت تهدد وجود داعش في الرقة، لأن القوات الكردية وحلفاءها، باتوا على بعد نحو 30 كيلومتراً فقط من المدينة.
اقرأ أيضاً: الأميركيون في سورية