اقرأ أيضاً: تونس: إعلان حظر التجول في كامل البلاد
وفيما تسابقت القوى السياسية على تسجيل مواقفها على إيقاع حركة الاحتجاجات، دخلت فرنسا على الخط، لتعلن عن خطة دعم بقيمة مليار يورو لدعم المناطق الفقيرة والشباب، مما يشير إلى رغبة فرنسية، ودولية، في التدخل بغرض الحفاظ على "التجربة التونسية"، التي منحها المجتمع الدولي "نوبل السلام".
ووسط هذه التطورات، دعا الرئيس التونسي السابق، منصف المرزوقي، مؤسس حزب "حراك تونس الإرادة"، إلى حوار وطني جديد تطرح فيه كل البدائل على طاولة النقاش، وإذا كان من الضروري تنظيم انتخابات مبكرة، فلم لا؟ وقال المرزوقي، في حوار على "قناة الشرق" مساء الخميس، إنّ حركتي "النهضة" و"نداء تونس" فشلتا في تحقيق ما وعدتا به، التنمية والاستقرار، موجّهاً انتقاده إلى حركة "النهضة"، التي تحالفت مع المنظومة القديمة من أجل الاستقرار، ولكنه لم يتحقق.
وحذّر المرزوقي من ركوب ما سماه "اليسار الاستئصالي، وشق حزب (الرئيس التونسي الباجي قائد) السبسي الركوب على الأحداث والتحكّم فيها". وقال إنه "يرفض أن يكون البديل للأطراف الحاكمة من خارج المنظومة الديمقراطية"، داعياً جميع الأطراف السياسية إلى العودة إلى طاولة الحوار، دون أن يستبعد تنظيم انتخابات مبكّرة.
واعتبر المرزوقي أن ما سماه "الثورة المضادة" فشلت فشلاً ذريعاً، وأنه كان متأكداً من ذلك، ولكنه لم يكن يتوقع أن تفشل بهذه السرعة. وشدّد في الوقت نفسه على أن أهم أهداف الثورة التى كان يجب السعي إلى تحقيقها هو القضاء على الفساد. وأكد على أنّ السبسي وحركة "النهضة" ارتكبا أكبر خطأ بمحاولتهما التطبيع مع الفساد، وهما يدفعان اليوم ثمن عدم محاربتهما إياه.
ووجّه المرزوقي نداء إلى المحتجّين: "لتبقى الثورة سلمية، حافظوا على حياة الأمنيين وحياة كل المواطنين، فلتكن ثورة شعبية حقيقية سلمية، فالرجوع إلى العنف هو نهاية الثورة".
من جهته، انتقد أمين عام حزب "حراك تونس الإرادة"، عدنان منصر، الرباعي الحاكم. واعتبر خلال ندوة صحافية للحزب، أمس، أن "تونس تعيش أزمة حكم في علاقة بالتوزيع غير العادل للثورة وانتشار الفساد وغياب مؤسسات الدولة". واقترح خارطة طريق تتمثل في "لقاء وطني واسع وعاجل، تكون مهامه إعادة الموضوع الاجتماعي كمحور أساسي بعيداً عن التجاذبات السياسية". وأكد على أنّ الحزب "يساند التحركات السلمية الاحتجاجية، ولكنه يدين التجاوزات والمسّ بالممتلكات العامة والخاصة".
هذا الموقف لـ"تونس الإرادة"، أثار قياديّي حركة "النهضة"، إذ حذّر زعيمها، راشد الغنوشي، أولاً مما سمّاه "السماح لبعض الجهات الحزبية المغرضة بالركوب على مطالب الشباب المشروعة". غير أن رئيس كتلة الحركة في البرلمان، نور الدين البحيري، كان أكثر وضوحاً حين أعلن في لقاء إذاعي أنه يريد أن "يكون مشروع بناء لا مشروع فتنة وتدمير".
وجاء هجوم البحيري ردّاً على منصر، الذي اعتبر أن "بعض السياسيين التقطوا فيروساً كان لدى الطبقة الحاكمة في تونس قبل الثورة"، وأن "الحديث عن مجموعات مأجورة وملثمين يدلّ على سوء فهم فادح لما يحصل اليوم"، متابعاً أنّ "بعض السياسيين اكتسبوا ردود أفعال شبيهة بتلك التي كانت سائدة قبل سقوط النظام السابق"، بحسب تصريحه الإذاعي.
وكان البحيري قد اتهم أطرافاً سياسية "بتأجيج حالة الاحتقان التي تعيشها العديد من المدن، وبالدعوة إلى الانقلاب على السلطة، وإسقاط النظام واحتلال مؤسسات الدولة". ورأى أن الاحتجاج السلمي والمطالبة بالتشغيل والتنمية حق مشروع، ومن حق الجهات المحرومة أن تطالب بالحياة الكريمة، ملاحظاً أن عدداً من الأطراف دخلت على الخط في "محاولة لاستغلال حالة الارتباك التي تعيشها البلاد وحولت الاحتجاجات السلمية إلى حرق وسرقة ونهب".
وفي ظل الجدل الدائر بين منصر والبحيري، لوحظ غياب تام للحزب الحاكم "نداء تونس"، باستثناء كلمة كانت مرتقبة أمس للرئيس السبسي. من جهة ثانية، زاد من حدّة الجدل السياسي الساخن في تونس، أحداث عنف وسرقة حاولت أن تشوّه مطالب الحركة الاحتجاجية، إذ أكد الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل، سامي الطاهري، أن المعطيات المتوفرة "تؤكد دخول عناصر مشتبه في انتمائها إلى مجموعات إرهابية، وأخرى تمتهن التهريب (خصوصاً عبر الحدود الليبية) على خط الاحتجاجات السلمية المطالبة بالتشغيل والتنمية".
وأضاف، في تصريح لوكالة "تونس أفريقيا" للأنباء، أن الدليل على ذلك تؤكّده أحداث النهب والسرقة والفوضى، التي حصلت ليلة الأول من أمس في حي التضامن في العاصمة، والتي يقف خلفها لصوص ومجموعات سلفية.
وأشار الطاهري إلى أنه حصل على معطيات أكيدة من ساحة الأحداث بالقصرين وتالة وحيدرة من الشباب المحتج سلمياً، تشير إلى "وجود أموال توزع على عدد من الشباب في هذه المناطق من أجل التصعيد والحرق والتهشيم"، قائلاً إن "عدداً من الشباب أكدوا له أنهم تعرضوا للتعنيف من قبل هذه المجموعات، لعدم مشاركتهم في عمليات الحرق والتهشيم والفوضى".
وأفاد بأن "السيارات رباعية الدفع، التي تبادلت إطلاق النار مع قوات الأمن والجيش الوطنيين على الحدود التونسية الليبية أول من أمس، يشتبه في كونها سيارات يستقلها مسلّحون ومعدّة للتهريب". وشدّد على أنّ الاتحاد العام التونسي للشغل "يدافع عن حق الشباب في الاحتجاج السلمي، ولكن خلق الفوضى في وقت تعيش فيه البلاد حرباً على الإرهاب لن يكون إلا في صالح المجموعات الإرهابية".
بدورها، حمّلت الجبهة الشعبية اليسارية المعارِضة، الحكومة، مسؤولية التراخي في اتخاذ الإجراءات غير المدروسة، ما من شأنه أن يعمق الفراغ السياسي ويفتح الباب للمجهول. وشدّدت في بيان على مساندتها للاحتجاجات الشعبية المدنية والسلمية، مستنكرة أعمال الحرق والتخريب والسرقة. ومن باريس، حيث كان يقوم بزيارة، دعا رئيس الحكومة، الحبيب الصيد، إلى ضبط النفس، منوهاً إلى تعامل قوات الأمن برصانة مع الاحتجاجات. ورأى في حوار على قناة "فرانس 24" أن الاحتجاجات لم تعد سلمية، وعلى السلطة أن تقوم بواجبها وتطبق ما جاء في الدستور والانضباط في تطبيقه، مشيراً إلى أنه لا يفكر بالاستقالة.
وفي ختام غداء عمل جمعه بالرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، في قصر الإليزيه، وحضره رئيس الوزراء مانويل فالس، قال الصيد إن "الهدوء يعود" والوضع "تحت السيطرة حالياً".
وعاد الصيد إلى تونس بوعد فرنسي بمنح تونس مليار يورو على مدى خمس سنوات، في إشارة فرنسية واضحة إلى عودتها بقوة على الساحة التونسية. وقال بيان صادر عن الإليزيه إن "فرنسا ستطبق خطة دعم لتونس بقيمة مليار يورو في السنوات الخمس المقبلة". وأوضح أن "أحد المحاور الرئيسية لهذه الخطة يهدف الى مساعدة المناطق الفقيرة، والاهتمام بالشباب من خلال التركيز على التوظيف".
(شارك في التغطية من باريس عبد الإله الصالحي)
اقرأ أيضاً: فرنسا تدعم تونس بمليار يورو